آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! " بطن الزير" (20)

  

 


 

نصر القفاص

 

يقول "صلاح عبد الصبور" ما كان يردده كثيرا أحد أهم مبدعى جيلى – مصطفى بيومى – فى واحدة من قصائده: "أسعى وراء الشمس.. والشمس فى ظهرى"!!

 

 وكان المعنى واضحا.. لكنه أصبح أكثر وضوحا, بعد أن قرأت كتاب "التنوير الزائف" للذى يستحق أن يسبق اسمه درجته العلمية "دكتور جلال أمين" لأنه علمنى معنى "التنوير" وقيمته.. وجعلنى أصل إلى وصف الذين أسميهم "أراجوزات التنوير" وقد فرضوهم علينا فى القرن الواحد والعشرين.. ثم يندهش من فرضهم على الأمة, حتى لا يكاد يصدق قدرتهم على "التنفير" وعجزهم عن "التنوير" فكريا وبيولوجيا!!

 

أخذنى خبر يقول: "ماكرون – الرئيس الفرنسى – قرر تأميم شركات الكهرباء"!!

 

حدث ذلك فى شهر يوليو من عام 2022, بعد مصادرة دول الغرب أموال وثروات روسية تقدر بالمليارات تحت مسمى "عقوبات" ونجحوا فى أن يجعلوا "الصاعقة" مجرد خبر!!

 

كنت أعانى من "حالة دوار" بعد أن سمعت وزير مالية مصر, يقول: "تعملنا الدرس.. عرفنا أن الأموال الساخنة لا تبنى اقتصادا, بعد ثلاث صدمات كارثية"!! وأضاف قائلا: "إكتشفنا أن الزراعة والصناعة هما اللذان يجب التركيز عليهما فى المستقبل".. ولا تعليق!!

حدث ذلك – أيضا – فى شهر يونيو عام 2022, فى لحظة وجدت مصر نفسها خلالها تشهد أصعب وأخطر أزماتها الاقتصادية.. وأعترف أننى عجزت عن وصف ما يجرى عندنا وحولنا!!

 

هل يجوز القول أننا رحنا مع "الجمهورية الثانية" نسعى وراء الشمس.. بينما كانت "الشمس" فى ظهرنا – الجمهورية الأولى – ونرفض الاعتراف بالخطيئة!!

 

السؤال الجديد.. لماذا إذن نتمسك ببيع وتصفية "القطاع العام" الذى تبقى منه الكثير.. بعد تفكيك وتدمير وبيع الكثير جدا؟! ولرفضى أن أفرض إجابة.. سأذهب إلى التأكيد على أن "خرافة" تم ترويجها تقول أن خراب البلاد والعباد كان سببه "القطاع العام" الذى بكينا.. وسنبكى عليه دما بدلا من الدموع!! كان إطلاقها متوازيا مع "خرافة" أن "السد العالى منع السردين" وأنه كان وبالا على مصر.. كما زعموا وروجوا لأكثر من نصف قرن.. والمثير للسخرية أن بعض "الببغاوات" مازالوا يرددون هذه "الخرافة" رغم أن "السد العالى" أنقذ مصر فى زمن الرئيس الثانى للجمهورية الثانية.. وهو المنقذ – حاليا – لحظة احتضار هذه الجمهورية.. وضمن الخرافات التى تم ترويجها, تلك التى يقولون فيها أن مصر أهدرت احتياطيها من الذهب فى "حرب اليمن" دون أن يخجل من يرون "نيران اليمن" تلتهم مئات المليارات من ثروات الذين أزعجهم تحرير اليمن ومحاولات انتشالها من هوة سحيقة!!

 

عشنا ترويج "الخرافات" التى حولها محترفى "تزوير وتشويه التاريخ" إلى ما يشبه الحقيقة.. لدرجة أننا صدقنا أن "قانون الإصلاح الزراعى" كان سبب تفتيت الملكية.. وإذا كنت لا أنكر حقيقة وجود معتقلين فى "زمن الجمهورية الأولى" فيجب أن نسأل "أئمة الليبرالية" ودعاة "الديمقراطية" عن سر احترام وتقدير أغلبية من دخلوا السجون لإنجازات "الجمهورية الأولى" التى مازالت صامدة لتكشف سر عرفه وفهمه وزير المالية – الدكتور محمد معيط - بعد أن كان يتفاخر بالاقتراض!!

 

التاريخ يقول ويؤكد أن "الخديوى اسماعيل" أغرق مصر فى الديون, وترك لنا "القاهرة الخديوية" كما ترك لنا قصورا فخيمة تؤلمنا إهانتها.. والتاريخ يؤكد أنه "باع مصر" وترك ابنه "توفيق" ليسلم البلاد لاستعمار انجليزى استمر أكثر من سبعين عاما.. ثم لا يستطيع أحد – كاذب أو مزور – أن ينكر أن "ثورة 23 يوليو" أعادت مصر إلى شعبها بانتزاع استقلالها.. ولنا أن نختلف على أى تفاصيل فيما بعد.. لكن الذين يختلفون حول ما أنجزته "الجمهورية الأولى" يصعب وصفهم.. والذين يرشقونها باتهامات يمكن أن يكون معهم الحق فيها.. بعيدا عن "الخرافات" التى أصبحت مكشوفة وواضحة, حتى للمحرومين من نعمة البصر والبصيرة!!

 

عشرات الكتب.. مئات الدراسات العلمية.. شهادات الهيئات الدولية – التى يعبدها البعض – كما "البنك الدولى" وكذلك "صندوق النقد" تؤكد أن مصر أخذت الطريق الصعب وحققت نجاحا مذهلا.. وعشرات الكتب إضافة إلى آلاف المقالات, وملايين الساعات من البث الإذاعى والتليفزيونى مزقت "الجمهورية الأولى" أو حاولت.. لكن الشعب مازال يرفع صور زعيم وقائد هذه الثورة – عبد الناصر – الذى رحل, وبقى ما كتبه وقاله عنه "مؤسس الجمهورية الثانية" الذى كان شريكا فى إنجازات وإخفاقات "ثورة 23 يوليو" لكن أعداء هذه الثورة "غسلوه" من هذه المسئولية, بقدر براعتهم فى اختراع منهج "غسيل الأموال" الذى انتقل إلى المرحلة الأخيرة من نظام "الأوف شور" الذى كاد أن يكون نظاما يحكم دولا ومجتمعات!!

 

لا تحتاج "الجمهورية الأولى" إلى مرافعة لتبرئتها.. كما لا تحتاج "الجمهورية الثانية" إلى وكيل نيابة لكى يحاول إدانتها!! لأن الحكم كاد أن يصبح يقينا فى ضمير أمة.. ويشهد على ذلك صاحب "شخصية مصر" التى رسمها ورحل فى لحظة غامضة – جمال حمدان – كما يشهد الذى علمنى "التنوير الزائف" بعد رحيله – جلال أمين – بقدر ما اختصر المعنى "صلاح عبد الصبور" القائل شعرا: "أسعى وراء الشمس.. والشمس فى ظهرى"!!
أذهب إلى الدكتور "أنور عبد الملك" الذى ذكر فى كتابه "المجتمع المصرى والجيش" أن هيئة قناة السويس – بعد تأميمها بأكثر من ثلاث سنوات – إنتزعت من البنك الدولى يوم 21 ديسمبر 1959 موافقة بأن يقرضها 56,5 مليون دولار.. إضافة إلى 5 مليون جنيه – أكثر من 15 مليون دولار – من بنوك أمريكية للقيام بأعمال تحسين الملاحة فى قناة السويس, بفائدة قدرها 6 بالمائة فقط.. يتم تسديدها خلال 15 عاما.. والتفاصيل على صفحات "الأهرام" فى عددها الصادر يوم 23 ديسمبر 1959.. وذلك جعل مؤلف الكتاب – وهو رسالة علمية تمت مناقشتها فى السوربون – يقول أن: "الإدارة المصرية بإشراف مهندسى الجيش, أثبتت أنها أكثر حيوية وفعالية من الشركة العالمية القديمة.. لأن دخل القناة عام 1955 كان 36 مليون جنيه, وبلغ 51,5 مليون جنيه عام 1960.. بعد أن ارتفع عدد المرشدين من 206 إلى 226, بينهم 141 مصريا!!

 

ويذكر المؤلف نفسه أن فريقا – مدنيا – بقيادة الدكتور "عبد المنعم القيسونى" والدكتور "إبراهيم حلمى عبد الرحمن" الذى تولى التخطيط للاقتصاد المصرى.. وكانت النتيجة أن "عبد الناصر" ألقى خطابا يوم 27 نوفمبر عام 1958 أمام مؤتمر التعاونيين – تمت تصفية الاتحاد التعاوني فى زمن الجمهورية الثانية – فتحدث بالتفصيل عن أن موارد التمويل الخارجية جاءت من "الاتحاد السوفيتى" الذى قدم استثمارات قيمتها 62 مليون جنيه – كان الجنيه بأكثر من ثلاث دولارات – وأسهمت "المانيا الغربية" باستثمارات قيمتها 44 مليون جنيه.. كما أسهمت "اليابان" باستثمارات 30 مليون جنيه, وقدمت "المانيا الشرقية" استثمارات قيمتها 7,5 مليون جنيه.. وقدر الدكتور "إبراهيم حلمى عبد الرحمن" أن الدخل القومى سيرتفع من 1300 مليون – مليار وثلاثمائة مليون جنيه – إلى 2600 مليون – مليارين وستمائة مليون جنيه – خلال عشر سنوات.. كما ستتضاعف المدخرات الوطنية ثلاث مرات.. من 200 مليون إلى 600 مليون جنيه!!

 

يشهد "البنك الدولى" فى تقريره الصادر عام 1976 أن كل ذلك تحقق!!

 

حدث ذلك بجهد وإبداع الدكتور "عزيز صدقى" الشاب الذى اختاره "عبد الناصر" حين سمعه فى أحد الاجتماعات.. تابعه لشهور ثم قرر إسناد ملف الصناعة إليه, ليدخل الوزارة مع اثنين من المدنيين البارزين هما: "مصطفى خليل" و"سيد مرعى" وكلف "سامى شرف" بأن يذهب إليهم ويخطرهم بأنهم سيقسمون أمامه اليمين كوزراء فى اليوم التالى.. وأن يطلب من كل منهم أن يقف منتصبا شامخا أمامه.. والتفاصيل تطابقت فى شهادات كل منهم, مع ما ذكره "سامى شرف" فى مذكراته.. وتبقى تفصيلة تستحق الذكر لدلالتها, جاءت فى مذكرات "سامى شرف" الذى يقول أن عنوان "عزيز صدقى" عندما ذهب إليه كان "فيلا" فتردد على اعتبار أن معلوماته أنه يسكن "شقة" فعاد ليتأكد.. اكتشف أن "الفيلا" يقطنها "عزيز

 

إسماعيل صدقى" ابن رئيس الوزراء الأسبق والشهير!!

 

المفارقة – أكرر – أن ثلاثتهم شاركوا "مؤسس الجمهورية الثانية" المسئولية.. وثلاثتهم كتب مذكراته.. وثلاثتهم شهد لمؤسس "الجمهورية الأولى" بما يستحقه ويشرفه.. رغم أن كل منهم تبوأ مناصب رفيعة أكثر مع "السادات".. لأنه معلوم أن "عزيز صدقى" أصبح فى بداية سنوات حكمه رئيسا للوزراء.. والمنصب نفسه تولاه "مصطفى خليل" فى نهايات حكمه.. بينما تولى "سيد مرعى" رئاسة مجلس الشعب – النواب حاليا – وجمعته به علاقة مصاهرة.. وكل منهم قال عن "الجمهورية الأولى" ما تم حجبه والتعتيم عليه.. بل قل ما تم دفنه حتى الآن, لأن شهادتهم – مذكراتهم – مازالت تتعرض للخنق.. لكنها بقيت مطبوعة وحية!!

 

ليس خروجا عن الموضوع.. بل وصلا وتوضيحا.

 

يقول "جلال أمين" فى كتابه "التنوير الزائف" ما يكشف أصل زوابع تأخذنا هذه الأيام وكأنها جديدة.. فيقول: "سمعت بانعقاد مؤتمر السكان والتنمية فى القاهرة خلال شهر سبتمبر عام 1994.. قرأت الوثيقة المعروضة على المؤتمر لإقرارها.. كانت خلاصة موقفى.. نعم نحن فقراء, لكننا لسنا متخلفين.. أذهلنى أن الوثيقة تفوح منها رائحة حضارة ونمط حياة يسودان أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية فى كل فقرة.. هم يريدون توقيعنا عليها باعتبارها تفضيلاتنا.. وتمت صياغتها بما يسمى لغة الأمم المتحدة.. هى لغة تحاول إخفاء هذه الرائحة الخاصة, والمصالح الخاصة.. التظاهر بأن العالم واحد تحكمه مصالح واحدة غير متضاربة.. تسوده قيم واحدة غير متباينة.. فالوثيقة تفيض بالكلام عن السكان والعلاقات الجنسية.. لكنها لا تكاد تلفظ كلمة الزواج وكلمة الأسرة..

 

الوثيقة تعتبر من مسلمات الوجود, أن هناك علاقات جنسية قبل الزواج وبدونه.. وتعتبر أن هذا حق من الحقوق الواجبة الاحترام.. والوثيقة تحاول بنجاح كبير ألا تجرح شعور الشواذ جنسيا, من الرجال والنساء.. هى تفصل فصلا حاسما بين العلاقة الجنسية والإنجاب.. وتعتبر حرية الاختيار فى هذا الأمر من الحريات الأساسية.. المهم هو أقصى قدر من الإمتاع للفرد"!!

 

حدث ذلك فى مصر برعاية وفخر "حسنى مبارك" والسيدة قرينته!!

 

شاركت "جماعة الإخوان" والتيارات "السلفية" فى "غض البصر" عن هذه "العورات"!!

 

القطع من عندى.. ثم يكمل "جلال أمين" ليقول: "الوثيقة تتملق بشدة الحركات النسوية الجديدة فى الغرب.. فهى تنادى بالمساواة المطلقة بين الجنسين.. وليس الاعتراف باختلاف الدور والوظيفة, وهى أسمى أنواع العلاقة بين الرجل والمرأة.. وتعبر الوثيقة عن هذا الهدف بعبارات تكاد تكون مضحكة.. ولو كان بإمكانها أن تطالب الرجل بإرضاع الأطفال أسوة بالنساء.. لفعلت"!!

 

أعلم أنك سيأخذك الذهول.. فما كان "جلال أمين" يتحدث عنه بالسخرية أصبحنا نعيشه واقعا.. ظهرت بيننا "نجمة مجتمع" من قادة ما يسمى بالحركة النسوية التى تقول أن المرأة ليست ملزمة بالرضاعة ولا الطبخ.. ثم تجرنا إلى جدل عقيم فى العام 2022.. وأصبحنا ندافع عن شاذ جنسيا أرتكب جريمة قتل, مع مطالبة بعدم خدش مشاعر السيدة الفاضلة والدته لأنها كانت وزيرة.. ورضا إلى حد التعاطف مع قاتل لزميلته أمام باب جامعة المنصورة, ويطالب مختلين عقليا بالمشاركة فى جمع "الدية".. ويصيبنا الجنون بمتابعة قاتل بدرجة "قاض" لزوجته السرية!!

 

كل ما ندور حوله وداخله كدائرة مغلقة.. كان قاعدة بناء "الجمهورية الثانية" وسبب القتال ضد "الجمهورية الأولى" لمجرد أنها قامت على "العزة والكرامة" ثم يطالبنا "أراجوزات التنوير" بأن نتسلح بالوعى!!..

 

 

يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات