عمر حلمي الغول
لا تقل أزمة المجتمع الفلسطيني في تجمعاته المركزية الرئيسية عن أزمة
المجتمع الإسرائيلي، مع فارق أساس، ان أبناء الشعب الفلسطيني تتجذر كل يوم في
قناعاتهم ووجدانهم وثقافتهم التمسك بالأرض، والعودة للوطن، وبناء دولتهم المستقلة
وذات السيادة وعاصمتها القدس أي كانت الصعوبات والتعقيدات الذاتية والموضوعية، عكس
الإسرائيليون الصهاينة، الذين تتعمق لديهم القناعة بضرورة العودة من حيث جاؤوا، وإدراكهم
المتنامي بان المشروع الصهيوني برمته كذبة كبيرة، وان الايغال في الفاشية وعمليات
التطهير العرقي والاستيطان الاستعماري والقتل والاعتقال والتزوير وكل فنون
الأكاذيب، تولد لديهم الإحساس المتصاعد بعدم اليقين بالبقاء على الأرض الفلسطينية
العربية، وبالتالي خيارهم الأمثل الرحيل عن ديار ووطن ليس لهم، ويلفظهم ويمقت
وجودهم ويعريهم من كل القيم الأخلاقية والقانونية والسياسية.
وبالعودة للازمة المتشعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، يهمني تسليط الضوء
على واقع قوى وأحزاب التجمع الفلسطيني في داخل الداخل، والأزمة المتفاقمة التي
يغرقون فيها، وغياب الرؤية الوطنية والاجتماعية للخروج منها عشية إجراء الانتخابات
العامة للكنيست ال25 في مطلع تشرين ثاني / نوفمبر القادم، ومن مظاهرها الجلية:
أولا التشرذم والمزيد من الانقسام
بين أقطاب الحركة السياسية؛ ثانيا غياب الحد الأدنى من القواسم المجسرة للقاء بين أقطاب
القائمة المشتركة؛ ثالثا السقوط الكامل لقائمة الموحدة بزعامة منصور عباس في أحضان
القوى الصهيونية وتحديدا الأكثر يمينية؛ رابعا حتى لجنة المتابعة العربية العليا
تعاني من الصراعات. وبالتالي استمرارها يعود لقدرة رئيسها، محمد بركة على ضبط
إيقاع تناقضاتها، ومجاراة ومهادنة العديد من تلك القوى على حساب المصالح العامة
للجماهير الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة؛ خامسا والعامل
الأهم من وجهة نظري الشخصية، يعود لعدم تمكن تلك القوى من إيجاد نواظم للربط بين
المسألتين الوطنية والمطالب اليومية، والشعور غالبا بالاغتراب عن مركز القرار
الفلسطيني (منظمة التحرير) نتاج الخصوصية التي يعيشون فيها داخل دولة إسرائيل
الاستعمارية (رغم انهم في ال48 كانوا من الروافع الهامة للوطنية الفلسطينية
بالتلازم مع التجمعين في قطاع غزة والشتات) والذي اعتقد، ان الضرورة تملي إسقاط كل
الحواجز الإسرائيلية، وإعادة الاعتبار لهم كجزء أصيل من مركبات الشعب، ومنظومتة
السياسية والاجتماعية الفلسطينية، وحفظ حقهم في التمثيل داخل المنظمة. مع إعطائهم
حرية التقرير فيما يرونه مناسبا لمستقبل العلاقة مع مجتمع الصهاينة العنصري
الاستعماري.
من المؤكد ان عوامل داخلية وخارجية أسهمت بتعميق الازمة، ومن أبرزها دور
دولة الابرتهايد الصهيونية وأجهزتها الأمنية، التي عبثت، ومازالت تعبث بمصير
ومستقبل أبناء الشعب في كل التجمعات الفلسطينية وخاصة في داخل الداخل، وتعمق
التناقضات في صفوفهم من خلال أدواتها التخريبية، والعملاء وعصابات المافيا وحثالة
المجتمع. فضلا عن قيام تلك الأجهزة وبشكل مباشر من خلال المستعربين ورجال الشرطة
وحرس الحدود، او عصابات المافيا والدعارة والمخدرات بتوسيع دائرة القتل شبه اليومي
في أوساط المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وحدث ولا حرج عن عمليات التمييز
العنصري المشرعة بشكل وحشي.
ولا يمكن القفز عن وجود تعارضات وتناقضات بين القوى السياسية، ارتباطا
بخلفياتها الفكرية والعقائدية، وحتى حسابات زعمائها السياسيين، وتأثير الأبعاد
الجهوية والمناطقية، وحتى سقوط البعض في حسابات دينية وطائفية، والتي تلعب دورا
غير بسيط في صب الزيت على الخلافات القائمة. مع ان العوامل الجامعة بينهم أعمق واقوي
وأكثر رسوخا من كل التناقضات والحسابات، لان رقابهم جميعا في المقصلة، وبالضرورة
رقاب الفلسطينيين جميعا ودون استثناء، لانهم مستهدفين من أعداء الداخل والخارج.
في ظل اشتداد الأزمة داخل صفوف القوى الصهيونية، تستدعي الضرورة من القوى السياسية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة الارتقاء لمستوى المسؤولية الوطنية والاجتماعية، وتجاوز الخلافات، وتجسير المسافات فيما بينهم، والابتعاد عن نهج الشروط التعجيزية، او الشروط التبريرية التي ساقها البعض كمقدمة للهروب للامام، والانفكاك عن وحدة ائتلاف المشتركة، وأيضا نزول البعض عن شجرة المواقف الخاطئة، والكف عن تضييق الخناق على الشركاء، وتقديم بعض التنازلات الواجبة لاستقطاب الآخرين، والأخذ بعين الاعتبار الرموز والكفاءات المتميزة، والخروج من نفق تأبيد الزعامات حماية لمصالحهم الحزبية والاجتماعية والوطنية، وإيجاد مسافة فاصلة مع القوى الصهيونية المختلفة، والتي لا تختلف في الجوهر عن بعضها البعض، كون ال74 عاما الماضية من وجود إسرائيل الاستعمارية لم يسمح بوجود قواسم مشتركة، ومن يعتقد انه بالإمكان وجود اية قواسم هو واهم، ويعيش في عالم خيالي بعيدا عن الواقع المعاش. وهذا لا يتناقض مع الدعوة والتمسك بخيار السلام. لانه ما لم تلغِ إسرائيل الصهيونية قانون "القومية الأساس" وكامينيتس وكل القوانين العنصرية، وتقبل بخيار السلام، لا يسمح بوجود اية ركائز للتعايش مع المجتمع الاستعماري
0 تعليقات