آخر الأخبار

الزواج بين التعاقد والتراحم

  

 

 


 

 

محمود جابر

 

فجأة هبت دعوات نسوية، من منصات عديدة وشخصيات متعددة، بأن المرأة ليست ملزمة أن تعد طعام زوجها، أو أعمال البيت الاعتيادية، وإذا هى قامت بذلك بالإضافة لعملية إرضاع طفلهما، وتربيته، فيحق لها أن تطالب الزواج بأجر، وإن لم تقم بطلب الأجر فهى متفضلة عليه ..

 

يرى البعض ان هذه الدعوة من قبيل رفع الضيم عن الزوجة، وإنصافها من استعباد زوجها وهو نوع من التمدن والتحضر..

 

فهل الأمر على هذا النحو، أم انه عودة لعصور الاستعباد، التي لا ترى فى المرأة إلا وعاء متعة، أو أم ولد، وإن جمعت بينهما، فيحق لها طلب الحرية بعد وفاة زوجها، أو مالكها...

 

فالرأسمالية، هى تجلى لأسواق النخاسة التي تجعل كل شيء للبيع حتى المشاعر بين البشر....

 

وغاب عن هؤلاء أن الزواج هو أحد الكيانات الاجتماعية التي تنشأ داخل المجتمع، وبما أنها تنشأ من رحمه، فهي تعبر عنه، فالمجتمع الذي نشأ بناء على اجتماع إنساني هو فى الأساس تجمع تراجمى من علاقات إنسانية وأخلاقية لا تعرف أبعاد الربح والخسارة، وهذا المجتمع التراحمى، مختلف اختلاف بين عن المجتمع التعاقدى الذى نشا بناء عن حسابا مادية تخضع للربح والخسارة، وحسابات المتعة المطلقة، ويمكن أن نشير الى مجتمع العمل فى أي حقل أو أي معمل أو أي بيئة عمل بأنه مجتمع تعاقدي.

 

إذا " التراحم" يعنى وجود أبعاد غير مادية في العلاقات بين الأفراد، أي أن علاقات الإنسان ذات طبيعة إنسانية لا تتأسس على المنفعة الشخصية وحدها، ومن ثم فهي ليست علاقات عقلانية مجردة، أو تعاقدية نفعية محضة، بل هي علاقات عضوية مركبة، والتراحم مبدأ ينظم مجموعة من المفاهيم الأخلاقية كالترابط والتعاون والإيثار وغيرها من المفاهيم التى يبنى عليها المجتمع .

 

وباختصار:المجتمع التراحمي هو المجتمع الذي تقوم علاقاته على التراحم والتعاطف بين أفراده، على النقيض من المجتمع التعاقدي الذي تقوم العلاقات فيه على أساس تعاقدي ومصلحي.

 

وبما أن الزواج نشأ من المجتمع العام التراحمى، فعليه فإن لهذا الزواج صفته التراحم، فإسعاد الزوج لزوجه عملية لا تخضع للكم ولا للكيف ولا للرسملة، ولا لحساب الوقت والربح والخسارة ولكن تخضع لحساب العلاقة التراحمية بينهما، وعملية إنجاب طفل يتطلب رعاية صحية ونفسية وتعليمة وتربوية تجعل الأب والأم يكدان من اجل انجاز هذه العملية فى الرعاية والتربية، وهى عملية لا تخضع لحسابات الربح والخسارة بين الأب والأم من ناحية وبين الطفل من ناحية أخرى .

 

أما المجتمع التعاقدي القائم على فكرة المنفعة والمكسب، هو مجتمع فى الأساس غير أصلى ولكنه تجمع، فتجمع أعضاءه جاء نتيجة البحث عن المكسب، والمتعة، والمنفعة، لهذا فسكانه سكان غير أصليين، ولكنهم أشبه بحالة الارتحال أو الانتقال الدائم وعدم الاستقرار، لأنه قائم على فكرة البحث عن المنفعة،  فإذا لم يعد هناك سمة مكسب وربح ومتعة ومنفعة، سيقوم هذا الشخص بالارتحال والانتقال منه إلى مجتمع آخر.

 

هذا المجتمع – التعاقدي- هو مجتمع استعبادي، وليس مجتمع إنساني، فهو قائم على فكرة إن منفعة الشيء تجعل منه حائزاً لقيمة إستعمالية مَشروطة بخصائص جسد السلعة، الذى هو بحد ذاته قيمة إستعمالية، ولدى النظر فى القيم الاستعمالية يقتضى الأمر دائماً تحديدها كمياً.

 

 من هنا نظر البعض للمرأة باعتباره مادة نفعية إستعمالية لتحقيق المتعة، فلم يعد للزواج وجود، بل هو استمتاع بسلعة فى مقابل مادى رأسمالى، وإذا تم استخدام جسد السلعة فى غير غرض الاستمتاع المادى، طبخ، تنظيف، ولادة رضاعة فيجب أن يعاد عملية الرسملة من جديد، وإعادة بناء التعاقد مرة أخرى على جسد السلعة الجديدة فى الاستخدام الجديد وتحديد كمه، لتحديد قيمته الاستعمالية التى لا تتحقق القيمة الاستعمالية إلا مِن خلال الاستعمال أو الاستهلاك.

 

وهذه القيم الاستعمالية تُشكل المضمون المادى للسلعة وفق جسدها الجديد مهما كان الشكل الاجتماعي لهذه الثروة، وفى ظل شكل المجتمع الرأسمالى الذى نحياه حالياً، تُعتبر القيم الاستعمالية فى الوقت نفسه حاملات مادية للقيمة التبادلية.

 

وهذا ما يمكن أن نطلق عليه ( مجتمع السوق)، هذا المجتمع القائم على الاغتراب النفسى، ولا يمكن تحقيق السعادة الا بالبحث عن الحق الفردى، والذى يبنى عليه فكرة التعاقد للعلاقة بين الذات والآخر، وتصبح المرأة فردا فى الأسرة، لا عضوا فيها، وفقا لمفهوم التعاقد والمنفعة، ومن هنا تجرى علمية " وازدراء الأمومة"،  لانها لا تتفق مع فكرة التعاقد (علاقة تبادل، لذة مقابل لذة وأجر)، والعمل المنزلي لا قيمة له إلا إذا صار بمقابل كما تطالب النسويات الآن، أي ما لم يدخل في الحالة التعاقدية. بل إن العلاقة بين الرجل والمرأة كثيرًا ما تم تصويرها على أنها علاقة تناحرية تعاقدية، ولذلك جاء كثير من مطالب الجمعيات النسوية منسجمًا مع هذا التصور. وتلح النسويات العربيات وفقا للنظرية الرسملة إلى حقوق المرأة لتأخذ شكل الصيغة القانونية ، وهو ما يعني تحويل العلاقة الزوجية إلى حالة التعاقد في كل تفاصيل الحياة اليومية.

 

ويصبح الزواج بيئة عمل تتطلب ساعات عمل وفق مقابل ما،أو سوق سلعى أو خدمى يجب فيه تحديد جسد السلعة وتحديد طرق استخدامها حتى يتم تحديد سعر الخدمة !!


---------

خالص الشكر لاصحاب النصح .. م .. ح 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات