آخر الأخبار

رداً على مغالطات كوشنير بحق الرئيس ابو مازن

 





د. جهاد الحرازين

 

نشر صِهر الرئيس الأمريكي السابق جاريد كوشنير ومستشاره مذكرات له قبل أيام بعنوان "Breaking History " والتي نشرتها شبكة (سي إن إن)، حيث تطرق فيها لشخص الرئيس أبو مازن ومواقفه السياسية، في محاولةٍ منه لإثارة الرأي العام وتحميل الرئيس أبو مازن مسؤولية حالة الجمود والتعنت في عملية السلام، حيث برأ الاحتلال من كل ممارساته الهادفة إلى قتل حل الدولتين، وإفشال أيَّةِ محاولاتٍ لتحريك عملية السلام، والعودة إلى طاولة المفاوضات، ومواصلة احتلالها للأرض الفلسطينية، والتهرب من أيَّةِ التزامات تترتب عليها، أو تم ترتيبها مسبقاً في إطار سياسة التهرب من أوسلو، حيث أستغل كوشنير حالة الغضب التي وُجِدت في لحظةٍ ما لدى أوروبا، وخصوصاً في ألمانيا بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس أبو مازن مع المستشار الألماني، والذي أكد من خلاله في إطار سياسة المقارنة والوصف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من جرائم ومجازر واعتداءات وانتهاكات تفوق الوصف وتشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية، وبعدما طلبت شبكة (سي إن إن) التعليق أو الرد من قِبل وزارة الخارجية الفلسطينية على ذلك، حيث يكمن هنا التساؤل، لماذا تريد الشبكة رداً من وزارة الخارجية الفلسطينية هذه المرة، ولا تعود إليها في الكثير من المواقف والقرارات والقضايا التى تدين الاحتلال وتظهر جرائمه التى يرتكبها بحق الشعب الفلسطينى ونقل أو توضيح وجهة النظر أو الموقف الفلسطيني؟؟؟!!!!، ومن هنا ومن خلال هذا المقال سنعمل على الرد على هذه المغالطات و الإدعاءات التي أطلقها كوشنير وفريدمان.

 

أولاً: الرئيس أبو مازن في كل مناسبة يؤكد على ضرورة تحقيق السلام، وبأن أيدي الشعب الفلسطيني ممدودة للسلام بحق، وليس كشعاراتٍ فضفاضة، واستعداده للعمل من أجل تحقيق السلام، والعودة لطاولة المفاوضات، فكم من مرةٍ لبى الرئيس أبو مازن دعوات رؤساء بعض الدول لعقد اجتماعات ثنائية أو أكثر مع رئيس وزراء إسرائيل، ولكن الذي يرفض هو الاحتلال، ونذكر هنا كم من دعوةٍ روسية وفرنسية وصينية وُجِهت ورفضها نتنياهو وغيره.

 

ثانياً: لم يَكُن الرئيس أبو مازن في يوم من الأيام مهاجماً الشعب الإسرائيلي، أو موجهاً تهديدات خطيرة له فى أيَّةِ مناسبة، وإنما في كل مرةٍ، ومن على كل منبر يدعو للتعايش السلمي وحُسْن الجوار وتحقيق السلام، والرئيس أبو مازن عندما يتحدث عن سياسات حكومات الاحتلال واعتداءاتها، وكشف ما تقوم به هذه الحكومات من اعتداءات، وجرائم، وانتهاكات، ومخالفات، واستيطان، وقرصنة، فهو يوجه خِطابه للعالم أجمع، وذلك حثاً منه للوقوف أمام مسؤولياتهم، وتوفير الحماية لأبناء الشعب الفلسطيني من سطوة ونيران الاحتلال، ولذلك فهو يطالب المجتمع الدولي على الدوام بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والمطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تجاوزت (86) قراراً لمجلس الأمن، و(780) قراراً للجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات والهيئات الدولية، ويدعو إلى المقاومة الشعبية السلمية، كأسلوب لمواجهة ومقاومة قوات الإحتلال التي تواصل إحتلالها للأرض الفلسطينية، وليس الشعب الإسرائيلي، بل يدعو الشعب الإسرائيلي إلى العيش بسلام، ورفض ونبذ العنف ،وضرورة الضغط على حكومتهم للجلوس على طاولة المفاوضات، وتحقيق السلام، وعدم البقاء أسيرةً لرغبات جماعات المستوطنين والمتطرفين.

 

ثالثاً: الرئيس أبو مازن قدم كل ما يمكن أن يُقَدم وذلك من أجل تذليل كافة العقبات، والالتزام بما تم الاتفاق عليه مع الإسرائيليين، وما تم الاتفاق عليه برعاية دولية وأمريكية، وبالمقابل لم تُنْفذ إسرائيل أياً من الاتفاقيات الموقعة، ولذلك فإن الرئيس أبو مازن لم يترك مناسبة إلا ودعا فيها لتنفيذ الاتفاقات الموقعة، ولكن التهرب الإسرائيلي كان سيد الموقف.

 

رابعاً: نقل الرئيس أبو مازن صورة ما يجري على الأرض الفلسطينية سواء فى القدس أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، من أحداث واعتقالات وجرائم، وأكد على مطالبه سواء في اللقاء الأول الذي جمعه في البيت الأبيض مع الرئيس السابق ترامب، والذي نقل من خلاله الرواية الفلسطينية، وكذلك المطالب الفلسطينية، كما وأكد على الثوابت الوطنية الفلسطينية، مطالباً بقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وكذلك حق عودة اللاجئين، وأيضاً الإفراج عن الأسرى، وتحقيق السيادة الكاملة، والتأكيد على حق تقرير المصير، بالإضافة إلى التأكيد على استعداد الفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات وفق أسس محددة، وجداول زمنية ترتكز على قرارات الشرعية الدولية، ومبدأ الأرض مقابل السلام، من خلال الاعتماد على مبادرة السلام العربية، ورعاية الرباعية الدولية مع بعض الدول الأخرى لتكون مراقباً وملزماً لما يتم التوصل إليه، وذلك لأن التجربة مع الاحتلال أثبتت مماطلة وتهرب إسرائيل من أيَّةِ التزامات ولا مواعيد مقدسة لديهم.

 

خامساً: أراد ترامب أن يسمع كلاماً آخر من الرئيس أبو مازن، فيه تنازلات أكثر وذلك إرضاءً لنتنياهو واليمين الإسرائيلي، وبالمقابل لم يطلب ترامب وصهره من إسرائيل أن تقدم ولو بادرة حُسْن نية، أو أن تلتزم بما يتم التوافق عليه، والعودة لطاولة المفاوضات، وكأن الفلسطينيين هم من يحتل الأرض، وإسرائيل هي الضحية.

 

سادساً: التحريض الإسرائيلي لدى ترامب على الرواتب التي تُدْفَع لأسر الأسرى والشهداء، على أن الرئيس أبو مازن يدفع الأموال للإرهابيين، إلا أن ترامب وغيره لا يدركون بأن هؤلاء الأسرى هم مكفولين بنصوص القانون الدولي، وكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية، التي أكدت على حق الشعوب في مواجهة الاحتلال، والتي أيضاً اعتبرت بأن هؤلاء الأسرى هم أسرى حرب تنطبق عليهم اتفاقية جنيف الثالثة وليسوا إرهابيين كما تدعي دولة الاحتلال والسؤال هنا كيف لدولة الاحتلال ان تدفع رواتب لأشخاص مجرمين وصنفوا ضمن الارهابين؟ وهى تقدم لهم الدعم المادى والرواتب وتوفر  كل الامكانات لتوفير الراحة لهم ومنهم الارهابى عامى بوبر الذى قام بمجزرة ريشون لتسيون عيون قارة بحق العمال الفلسطينين والارهابى يجال عامير قاتل رئيس وزراء الاحتلال السابق إسحاق رابين والجماعات الإرهابية المتطرفة التى تتلقى دعما من الحكومة وزعمائها هم أعضاء بالحكومة الإسرائيلية مثل بن غفير وسموتريش ويهودا غليك وغيرهم الاف يتقاضوا رواتب من دولة الاحتلال.

 

سابعا: فيما يتعلق بالأمن والحماية، وبأن الأمن يُسَلم لإسرائيل، فهل من المعقول أو المقبول أن تكون هناك دولة أمنها تحكمه دولة أخرى؟، وهل تقبل الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون أمنها بيد روسيا أو ألمانيا أو فرنسا أو الصين؟، فأي دولة مستقلة بحاجة لأن تكون كاملة السيادة على أراضيها، وهي مَنْ تحافظ على أمنها وأمن شعبها ومواطنيها، ولها الاستقلالية الكاملة، وقد خاطبهم الرئيس أبو مازن عبر منبر الأمم المتحدة قائلاً لهم: نحن لا نريد دولة بطائرات وأسلحة وغواصات، بل نريد أن نبني دولة مستقلة متطورة، حيث نمتلك العديد من الكفاءات الطبية، والعلمية، والإدارية، وغيرها، بما يساهم ببناء دول، حيث نريد أن نساهم في مواجهة مشكلات العصر التي تواجه العالم بأسره كمحاربة الأوبئة، والفقر، والبطالة، والتصحر، والمناخ، وغيرها من المشاكل العالمية.

 

ثامناً: إن من أفشل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين في التوصل إلى أتفاق سلام ليس عناد وتعنت الرئيس أبو مازن، كما يدعي كوشنير، بل من أفشلهم هي سياسات الاحتلال وقادته الذين لم يرغبوا ولم تكن لديهم نوايا حقيقية بإنهاء الاحتلال جميعاً، ورفضهم لفكرة ومبدأ حل الدولتين والتعنت في التوصل لسلامٍ عادل وشامل مع مواصلتهم لوضع العراقيل وممارسة السياسات الإحتلالية من اعتداءات وانتهاكات وجرائم واستيطان وتهويد للأرض وتنكرهم للإتفاقيات الموقعة.

 

تاسعاً: الفريق الذى أحاط بترامب هو صهيوني آخِذْ برؤية نتنياهو واليمين الإسرائيلي، وحاول أن يحوّل كل شيءٍ لصالح إسرائيل بعيداً عن الوساطة النزيهة والحيادية، وإنما أخذ بالإنحياز الكامل لإسرائيل، فالسفير الأمريكي فريدمان كان يُقِيم بمستوطنة مقامة على أراضٍ فلسطينية، في مخالفةٍ للقانون الدولي، وهو الذي إعتبر أن الإستيطان والمستوطنات أراضٍ إسرائيلية، وبخلاف ذلك التحريض الدائم والمتواصل على القيادة الفلسطينية بشكل يومي، حتى أصبح متطرفاً أكثر من المتطرفين الصهاينة، وكذلك كوشنير الذي تربى في عائلة يهودية، وبالتالي أصبحت المصلحة الأهم له هي مصلحة إسرائيل، وكذلك مستشار الأمن القومي ورئيس جهاز المخابرات الأمريكية ووزير الخارجية، حيث أن الفريق كله كان يرى بأعين نتنياهو وإسرائيل وليس غيرهم.

 

عاشراً: حاول ترامب وصهره كوشنير الترويج لما يسمى بصفقة القرن، والتي وُضِعت برؤية إسرائيلية بحتة ودون أي تشاور، أو معرفة من قِبل القيادة الفلسطينية، معتقداً بذلك بأنه قادر على فرض صفقته على القيادة الفلسطينية، من خلال ممارسة كافة أنواع العقوبات والإبتزاز، وذلك من أجل إرغام القيادة الفلسطينية على القبول بها، فإتخذ العديد من الإجراءات منها إغلاق مكتب المنظمة بواشنطن، والإعتراف بأن القدس عاصمة لدولة الاحتلال، ومحاولة الإلتفاف على قضية اللاجئين، ومحاولة إسقاطها عن الطاولة، ووقف التمويل للسلطة ووكالة الأونروا،  ولم يكتفِ بذلك بل دفع بعض الدول لإيقاف مساعداتها للسلطة، ولكن كان الموقف الصلب الذي جسده الرئيس أبو مازن ومعه القيادة والشعب الذي أسقط تلك الصفقة والمؤامرة على الثوابت والحقوق الفلسطينية وكانت مقولة الرئيس بأن "القدس ليست للبيع".

حادي عشر: طَرَح الرئيس أبو مازن رؤيته لتحقيق السلام أمام مجلس الأمن الدولي في فبراير عام (2018)، والتي تضمنت الأسس التي من الواجب العمل عليها، حيث أنها تؤكد على مبدأ حل الدولتين، وتستند إلى قرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، ومبادرة السلام العربية، وذلك وفق جدول زمني محدد يتم التوافق عليه، من خلال رعاية الرباعية الدولية، حيث لا زال الرئيس أبو مازن متمسكاً بخيار تحقيق السلام.

 

ملاحظة: إن الهجمة ومحاولات التشكيك بمواقف الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، واثارة الرأي العام عليهم ستبوء بالفشل، ولن تجد لها صدى في ظل حالة الالتفاف الشعبي والجماهيري والمؤسساتي والوطني حول الرئيس والقيادة الفلسطينية ممثلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية، ولن تجدى محاولات كوشنير وفريدمان نفعاً مع الشعب الفلسطيني وقيادته لأنها ستسقط كما سقطت صفقة القرن.

إرسال تعليق

0 تعليقات