عمر حلمي الغول
هناك قائمة طويلة من الوقفات الفردية والجماعية المساندة والداعمة للقضية
والشعب الفلسطيني في مختلف دول العالم بدءا من الولايات المتحدة وانتهاءا بإسرائيل
الاستعمارية ذاتها، وقد لا نتمكن من ادراجها ومعالجتها وقراءة دلالاتها جميعا. ولكن
بعضها يحتم علينا ان نقف امامها، ونسلط الضوء عليها لاهميتها، ودلالتها السياسية
والإنسانية. وهذا لا ينتقص من قيمة واهمية أي فعل تضامني مع الشعب والقضية في أي
بقعة من العالم، ومطلوب منا كفلسطينيين، وخاصة جهات الاختصاص على المستويين الرسمي
والشعبي توثيق تلك اللفتات الرائعة، والمراكمة عليها، من خلال التواصل مع الشخصية،
او المجموعة او المؤسسة او المنبر الذي فعلها، وتوسيع دائرة التفاعل مع الاطار
المحيط داخل هذا الشعب او ذاك الحزب، او البرلمان او الجامعة او المجموعة.
لان التواصل وتعزيز الروابط مع أصحاب المواقف السياسية والديبلوماسية والقانونية
والاقتصادية والثقافية أولا ضرورة ومصلحة وطنية؛ وثانيا حق أصحابها علينا ان نقول
لهم شكرا على ما اتخذتموه من مواقف مشرفة؛ وثالثا لتطوير وتعظيم تلك المواقف في
المستقبل، والمراكمة الكمية عليها بهدف احداث تحول كيفي؛ ورابعا تسليط الضوء
عليها، وتعميمها ليس على الصعيد الفلسطيني، وانما على الصعد المختلفة الوطنية
والقومية والإقليمية والاممية، لتشكل حافزا قويا للقوى المترددة، او المحايدة،
ودفعها للاقدام على التماهي او الاقتراب من هذا الموقف الإيجابي او ذاك؛ خامسا
لتعميق عزلة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية ومن يقف خلفها.
ومن اللفتات الهامة مؤخرا، رفض الرئيس التشيلي، غابرييل بوريك قبول اعتماد
أوراق السفير الإسرائيلي الجديد، جيل ارتزيالي، رغم تحديد موعد مسبق له لهذا الغرض.
ولكن يوم الخميس الماضي الموافق 15 أيلول / سبتمبر الحالي وبعد وصول ممثل إسرائيل
القاتلة للقصر الرئاسي ، الغى الرئيس بوريك استقباله سفير دولة الإرهاب المنظم،
بعد اعدام الفتى عدي صلاح (17 عاما)، من كفر دان، وأيضا نتاج قصف إسرائيل في مطلع
اب / أغسطس الماضي لعائلة في مخيم جباليا ذهب ضحيتها خمسة أطفال. وانذاك ادعت
حكومة لبيد غانتس، ان قذيفة فلسطينية كانت السبب، ثم عادوا واعترفوا بجريمة الحرب.
وعلى اثر ذلك، قامت الدنيا ولم تقعد في مهاجمة الرئيس التشيلي، ومن بين
ردود الفعل، استدعت الخارجية الإسرائيلية السفير التشيلي لايجاد حل للازمة،
والتقاه وكيل الوزارة، غير ان الرئيس بوريك رفض استقبال السفير الصهيوني. حسب
ضحيفة "يسرائيل هيوم". واعتبر موقع "تايمز اوف إسرائيل" ان "ازدراء
الرئيس التشيلي بوريك للمبعوث الإسرائيلي، يعد انتهاكا خطيرا للبرتوكول البلوماسي،
ويهدد بتعتيم العلاقات بين البلدين." وأضاف الموقع، ان الحدث "يعتبر
إهانة غير مسبوقة لإسرائيل". ودان اتباع الديانة اليهودية من التشيليين رفض
الرئيس بوريك لاستقبال السفير، بانه "حادث دبلوماسي خطير"، وانتقدت "الايباك"
الأميركية هذه الخطوة، ووصفتها بانها "غير مسبوقة." ليس هذا فحسب، بل ان
اللجنة الأميركية الصهيونية طالبت الرئيس التشيلي ب"الاعتذار، والا يخاطر
بالحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالعلاقات مع إسرائيل."
ومازالت الحملة الإسرائيلية الصهيونية الأميركية قائمة ضد الرئيس التشيلي،
وتحاول تطويقها من خلال الضغوط من الداخل التشيلي عبر ادواتها المحلية بالإضافة
للصهاينة من اتباع الديانة اليهودية، ومن الخارج وخاصة من الولايات المتحدة
والمنظمات ومراكز الأبحاث الصهيونية او المتصهينة. لكن الرئيس بوريك، ذات الخلفية
اليسارية، والذي فاز العام الماضي بالانتخابات الرئاسية، وهو لا يتجاوز ال36 عاما،
لا يأبه بتلك الحملة، ويعلم بتداعيات خطوته الجريئة مسبقا. لا سيما وان علاقاته مع
المتطرفين من اتباع الديانة اليهودية في تشيلي، لم تكن على ما يرام، واصابهم القلق
والتوتر بعد فوزه، واعتبروه متناقضا مع خياراتهم السياسية.
ولا يملك المواطن الفلسطيني الا ان يثمن ويشكر الرئيس غابرييل بوريك على
موقفه الشجاع، ومواقف حزبه الشيوعي، الذي يعكس اصالة اليسار بشكل عام، واللاتيني
الأميركي بشكل خاص. وكان الانسان يفترض ان يبادر زعيم عربي او من دول منظمة
التعاون الإسلامي اتخاذ هكذا خطوة. ولكن هيهات في هذا الزمن الصعب والمعقد ان تجد
صدى لاي صوت رسمي (ولا أقول شعبي) يتسامى مع هكذا مواقف.
شكرا تشيلي، شكرا للرئيس بوريك، ونراهن على تعميق الموقف السياسي
والدبلوماسي التشيلي في ظل قيادة الرئيس المناضل بوريك.
0 تعليقات