نصر القفاص
ضبطت نفسى أعيش يوما
عجيبا, رأيت فيه الفصول الأربعة.. غضب.. سعادة.. ذهول.. هدوء بعد تفكير!
أما "الغضب"
فكان سببه أننى قرأت خبرا, عن بيع محتويات مصانع "الحديد والصلب" بحلوان
فى "مزاد علنى".. وتفاصيل المزاد "مهزلة" بكل ما تحمله الكلمة
من معنى.. قل أنها "مأساة" تعيشها مصر, ستجعلنا نبكى فى المستقبل دما
إذا جاز التعبير.. إختار الذين قرروا البيع, يوم "28 سبتمبر 2022" كموعد
تتم خلاله هذه "النكبة" دون مبالغة.. اليوم نفسه – 28 سبتمبر 1961 – تم
خلاله إعلان انتهاء الوحدة بين مصر وسوريا.. وهو اليوم ذاته – 28 سبتمبر 1970 – الذى
لا ننسى تفاصيله, ولا ما حدث بعده عندما رحل "جمال عبد الناصر" عن
الدنيا.. قد يكون الاختيار "صدفة" سببها جهل وتبلد إحساس, الذين يتولون
مواقع المسئولية.. وقد يكون "مقصودا" للزعم بأن "مصر تبلد إحساسها"
ووافقت على أن تفقد مكانها ومكانتها!!
ثم كانت "السعادة"
عندما هربت إلى شواطئ كرة القدم المنعشة.. استغرقت فى متابعة مباراة "ليفربول"
الانجليزي أمام "أياكس" الهولندى فى بطولة أوروبا للأندية.. حقيقة أننى
ارتبطت بمتابعة كرة القدم الأوروبية, منذ أن هبت من هناك نسمة مصرية.. إسمها "محمد
صلاح" الذى أرى فيه فتى ذهبى, ليس لإبداعه الكروى فقط.. ولكن لأنه "مصرى"
فى شكله ومضمونه.. فهذا شاب أصبح عنوانا للأمل عند أجيال تستمتع معه وبه مثلى.. والأروع
أنه أصبح نموذجا لأجيال قادمة أراهن عليها.. أستطيع القول أن "محمد صلاح"
فيه كل ملامح الشخصية المصرية دون أدنى مبالغة.. أسعدني أن "مو صلاح" كما
ينادونه هناك, ويغنون له باعتباره "الملك المصرى" سجل هدف.. وأضاف إلى
رصيده واحدا من عشرات الأهداف التى تأخذ عقول مشجعى كرة القدم.. تضاعفت سعادتى
لأنه كان مفتاح فوز فريقه بعد مباراة مثيرة.. مرهقة.. ممتعة.. ليأخذ قطاع من الشعب
الانجليزى إلى حالة مختلفة عن أجواء رحيل "الملكة إليزابيث".. التى صدقت
على العدوان الثلاثى عام 1956, بعد إعلان "تأميم قناة السويس" لتحقيق
حلم "بناء السد العالى" دون أن يفارقنى كابوس "سد النهضة"!!
رحت إلى "الذهول"
بمرور سريع على القنوات التى يتقافز على شاشاتها "أراجوزات التنوير" من "أهل
الخير" عندنا فى مصر الرسمية, و"أهل الشر" التى تمولها "قطر"
و"تركيا" لحساب عصابة "الإخوان" دون أن أتردد فى إطلاق هذا
الوصف عليها!!
توقفت أمام "قزم
المرحلة" وهو يستعرض جهله وسطحيته, ويعرض قدراته فى تقديم أرخص وأردأ أنواع "النفاق"
أملا فى أن أضحك كما تعودت.. إستخدمت "الريموت كنترول" لأرى منافسيه من "جامعى
أعقاب السجائر" فوجدتهم ينفذون تعليمات "سامسونج" حرفيا التى تنص
على تجاهل زيارة رئيس مصر إلى قطر – إلا قليلا – ووجدتهم لا يختلفون عن النشرات
المطبوعة ومازالوا يطلقون عليها صحفا.. إنتقلت إلى "قنوات أهل الشر" فوجدتنى
أضحك.. لأنهم يعيشون على كشف بضاعة النفاق الرخيصة والرديئة.. أزعجنى أن مصر تحولت
إلى تلك الحالة, التى تجعل أعداءها يحتفلون بإنجاز تحويلها إلى "تياترو"
يقدم عروض الشتائم المتبادلة بين السفراء!! لم أصدق الذين لا يخجلون من الحديث عن
متانة العلاقات "المصرية – القطرية".. وهم أنفسهم الذين استمروا يلعنون
ويسبون أميرها وأمه وأبوه.. وكنت – ومازلت – أسميهم "غلمان بنى تميم" كما
كنت – ومازلت – أرى فى "قطر" مجرد "زائدة دودية" على الخريطة
العربية.. ولن أندهش حين يتكرر الفعل نفسه, يوم أن نذهب إلى مصالحة مع "تركيا"..
كما لن أندهش إذا انقلب الهرم, وذهبنا إلى خلاف مع الإمارات والسعودية.. طالما أن
ما يحدث يسمونه سياسة.. لأن للسياسة الآن "جهابذة" يتحدثون عنها, ويقولون
لك أنها تفرض عدم وجود صداقة دائمة أو عداء دائم.. دون أن يحدثونك عن أسباب الخلاف,
وأسباب الذهاب إلى الصداقة.. ربما لأنهم يؤمنون بأن الشعب يرقص على استحسانه
للإيقاع.. هكذا يعتقد "خبراء الغبرة" الذين تربوا فى "واشنطن"
وتولت أجهزتها "تسمينهم" ليمسكوا بخيوط المال والإعلام والسياسة عندنا!!
أعرف أننى أطلت فى
التوقف عند "الذهول" ربما لأن زيارة رئيس "مصر" إلى "قطر"
جددت حالة عشناها يوم أن زار "القاهرة" أميرها.. ما زلت أذكر واقعة "تورتة"
الاحتفال بالذكرى السابعة لتولى عدو الأمس حكم بلاده, ثم يصبح صديق اليوم.. وهذا
لا يجعلنى أنسى أن "حسنى مبارك" قام بزيارة إلى "الدوحة" يوم "24
نوفمبر 2010".. أتذكره لأنه يوم مولدى فى الخمسينات.. ولا أنسى أن الذى
يسمونه "الأمير الوالد" زار مصر يوم "29 نوفمبر 2010" دون
سابق إنذار.. ثم كان ما حدث فى مصر بداية من "25 يناير 2011" الذى يؤكد
دستورنا أنه "ثورة" مجيدة!! ولا يمكن أن أنسى أن "محمد مرسى" قام
بزيارة إلى "قطر" يوم "26 مارس 2013".. لحضور ما أسموه "قمة
الدوحة" و"مجلس الأعمال المصرى القطرى" بحثا عن طوق نجاة للنظام
الإخوانى.. والمدهش أن "الأمير" لم يستقبله, وصدر عن الخارجية المصرية
وقتها بيان, أوضح أن السبب هو وصوله متأخرا عن موعده!! وهذه إشارات لا تفوت على
أمثالى من "عواجيز الفرح" الذين يملكون ذاكرة وعقلا!!
زيارة رئيس مصر إلى
قطر جاءت يوم 13 سبتمبر 2022.. وهو بالمناسبة يوم لا يمكن أن تنساه الذاكرة
المصرية.. فهذا اليوم عام 1882.. شهد هزيمة الزعيم "أحمد عرابى" فى
معركة "التل الكبير".. وبداية الاحتلال البريطانى لمصر.. كما شهد بعدها
بسنوات.. عام 1970.. بداية الصدام المسلح بين الجيش الأردنى ومنظمة التحرير
الفلسطينية, فيما عرف بأحداث "أيلول الأسود"!!.. ليحمل نفس اليوم عام 1993..
أخبار اتفاقية "أوسلو" بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية!!
يجب أن أغادر "الذهول"
بسرعة بحثا عن "الهدوء" الذى أعادنى للتفكير!!
ذهبت إلى "شخصية
مصر" مع مؤلفها "جمال حمدان" لأقرأ شرحه معان كثيرة.. بينها أن مصر
"كلما زادت تغيرا وتطورا.. زادت شخصيتها تأكيدا واستمرارا".. والتفاصيل
تجعلنى أطرح سؤالا.. هل الذين يديرون الدولة ويعرفون معنى الدولة.. قرأوا ذلك؟! ثم
رحت أفكر فى معنى فسره هذا العبقرى حين قال: "مصر كانت مصنع حضارة ثم أصبحت
متجرا لها" ويمضى فى الشرح ليقول: "لم تتحول مصر نافورة الحضارة القديمة,
إلى مجرد بالوعة للحضارة الجديدة؟!"!! ثم يقول: "حين تعيش مصر حالة
انبهار حضارى وانهيار نفسى.. ترى نفسها قزما أمام عمالقة"!!.. حتى وصلت إلى
قوله: "إذا كان الخليج العربى هو خليج الزيت بامتياز.. فإن قناة السويس هى
قناة الزيت بالضرورة, لأن حركة البترول فيها تمثل 72 بالمائة من مجموع الحمولة"!!
ليصل إلى قوله: "المشاريع غير العربية فى إيران وتركيا وإسرائيل هى مشاريع
سياسية أكثر منها اقتصادية.. وهى فاشلة بحكم موقع وقيمة مصر"!!.. لدرجة أنه
قدم شرحا مستفيضا حين ذكر أن: "العلاقة بين موانئ الخليج العربى ومصر فى جذب
وشد, وجذر ومد.. ودرس التاريخ يؤكد أنه كلما ازدهر الخليج إنحدرت مصر.. والعكس
صحيح.. وكل ذلك تحكمه العوامل الطارئة كالحروب والسياسة والأمن"!!.. وكفى أن
أذكر من "شخصية مصر" قول "جمال حمدان" بوضوح: "تركيا هى
نقيض تاريخى وحضارى لمصر.. فهى قوة شيطانية مترحلة.. إتخذت لنفسها وطنا بالتبنى فى
الأناضول, وهى بلا حضارة.. كانت طفيلية حضارية أخذت من العرب حتى كتابتها.. وهى
تمثل قمة الضياع الحضارى.. فهى بين الدول كالغراب يقلد مشية الطاووس"!!
أطلت فى وصف يوم غريب
عشته!!
أخشى ما أخشاه أن
أكون سببا فى أن يتفق "أراجوزات التنوير" الذين يصرخون فينا يوميا
لتمثيل "أهل الخير" فى مواجهة "أهل الشر".. لأنهم سعداء بمزاد
بيع "الحديد والصلب" ولأنهم لا يفهمون فى كرة القدم, وإن كانوا يجيدون
التجارة باسم "محمد صلاح" باعتباره مفتاح "التريند" عندهم!! والطرفين
يملك أمرهما "سامسونج" مع اختلاف الموديل!! وستكون طامة كبرى لو أن
كليهما فتح النار على "جمال حمدان" بعدما أشرت إليه.. لأن هؤلاء وأولئك
ليس لديهم وقت للقراءة والفهم, فهم سعداء بأن يكونوا ماكينة حديثة تمارس فعل "عد
أوراق البنكنوت" وللقارىء شديد أسفى إذا أزعجته!!
0 تعليقات