آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! حوار وراء الأسوار !!( 38)

 





نصر القفاص

 

إنتصرت إرادة "أنور السادات" فى قبره, لنشهد تنفيذ مشروع "مثلث ماسبيرو" الذى ستندهش أنه قديم.. تعثر تنفيذه عشرات السنوات.. حتى أصبحنا نراه حقيقة تخطف أنفاس الذين يعرفون أصل الحكاية!

 

إنتصرت إرادة "أنور السادات" فى قبره, بتفكيك الإعلام المصرى.. وبعثرة أوراق "القوة الناعمة" بسياسات "الأيدي الناعمة" المستمرة, والتى تقوم على "الخداع الاستراتيجي" للشعب.. فقد كان مؤسس "الجمهورية الثانية" يرى أن مصر يجب أن "تحلم" بعد أن أرهقها "العمل" وذلك يتحقق بضبط البوصلة على "واشنطن" ودول الخليج!!

 

انتصرت إرادة "أنور السادات" فى قبره, عندما ذهبت "هضبة الأهرام" إلى أيدي "رجال المال" الذين قهرتهم الدكتورة "نعمات أحمد فؤاد"ذات يوم, وأجهضت سعيهم للتجارة فى تاريخ عريق!!

 

قبل أن تنفعل.. حاول أن تتحكم فى غضبك.. راجع الوقائع لأنها وحدها تشرح وتفسر, ما قد تعتقده ألغاز أو محاولة انتصار لهذا أو تشويه ذاك.. يجب أن أكون واضحا بإعلان قناعتى, أن "جنرالات الثقافة" تم توظيفهم فى مشروع "الجمهورية الثانية" حتى لفظتهم بعد أن قبلوا وظيفة "حانوتية الثقافة" ووافقوا على دفن الحقيقة.. لأن "تزوير التاريخ" كان عائده كبير, ونتيجته أصبحنا نراها على وجوه الملايين الذين يذهلهم مصير "حطام النخبة" وراحوا يطلقون عليها "النكبة"!!
يقول "أنور السادات" فى كتابه "البحث عن الذات" عن قراراته ضد الصحفيين والمثقفين والطلبة قبل حرب اكتوبر: "فى خطابى يوم 28 سبتمبر عام 1973 – ذكرى رحيل عبد الناصر – أعلنت أننى عفوت عن الطلبة والصحفيين من المتهمين.. أسقطت التهم الموجهة لهم.. كانوا كلهم من اليسار, ففسروا ذلك على أنه مصالحة وطنية دعما للجبهة الداخلية.. لم يخطر لهم أن هذا كان جزء من تخطيطى للمعركة"!!

 

التخطيط للمعركة كان يشمل سجن وتشريد الطلبة والصحفيين!!

 

إستمر المنهج ذاته, لنراه قبل رحيله بأيام يقرر اعتقال – أسماه تحفظ – المئات من كل ألوان الطيف السياسى.. حين ذهب إلى ما نطلق عليه "أحداث سبتمبر" وجعلته جريدة "الجمهورية" وكان رئيس تحريرها "محسن محمد" فى مانشيت يوم 6 سبتمبر: "ثورة 5 سبتمبر"!! ثم ظهرت قرينته أكثر من مرة لتقول أنه كان ينوى الإفراج عن الجميع بعد رفع العلم المصرى على أرض سيناء فى إبريل!!

 

سبتمبر 1973 صدر العفو.. سبتمبر 1981 كانت قرارات الاعتقال!!

 

أكتوبر 1973 كانت الحرب والانتصار.. أكتوبر 1981 كانت النهاية!!

 

وقع "السادات" مع الاتحاد السوفيتي "معاهدة الصداقة" وبعد الحرب استقبل الرئيس الأمريكي "نيكسون" فى القاهرة يوم 14 يونيو 1974.. وتم إعلان مبادئ التعاون مع "الولايات المتحدة الأمريكية" وفى صدارتها الاتفاق على تحقيق السلام عبر المفاوضات.. ودعم التعاون الاقتصادي والعلمي والفني والسياحي.. واعتبار اجتماع الرئيسين – المصري والأمريكي – أول اجتماعات لجنة التعاون المشتركة.. وتضمنت هذه المبادئ: "دعم الولايات المتحدة لمركز مصر المالى" إضافة إلى: "تشكيل مجموعات عمل مشتركة لتعميق قناة السويس, وزيادة الاستثمارات الأمريكية فى مصر.. مع تكوين مجلس اقتصادي مشترك يضم ممثلين عن القطاع الخاص فى البلدين"!! واتفق الطرفان على توثيق أواصر الصداقة.. لتتفرد مصر بتوقيع اتفاقية صداقة مع "الاتحاد السوفيتي" والتوقيع على إعلان "مبادئ صداقة" مع الولايات المتحدة فى ذروة اشتعال الحرب الباردة بين القوتين العظميين – آنذاك – رغم أن "معاهدة الصداقة" كانت تنص فى مادتها العاشرة على أن: "يتعهد الطرفان بعدم الدخول فى أية اتفاقات تتنافى مع المعاهدة" التى وافق عليها البرلمان.. إستمر هذا الوضع حتى 14 مارس 1976.. عندما تقدم "السادات" بمشروع قانون للعرض على نواب الشعب, لإلغاء الصداقة مع موسكو!!

 

كانت مصر ما زالت فى حالة حرب.. أصدر الرئيس يوم 15 نوفمبر 1973 قراره رقم 1905 بشأن الموافقة على اتفاقيتي قرض لتنمية واستغلال حقل غاز "أبو قير" مع الصندوق الكويتى للتنمية.. ويوم 26 يناير 1974 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم "6" بالترخيص لشركة ألمانية – ديمنكس – للبحث عن البترول فى خليج السويس.. ويوم 30 يناير 1974 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم "7" بتأسيس الشركة العربية لأنابيب البترول – سوميد – بين مصر وكل من السعودية والكويت وقطر والإمارات.. ويوم 17 مارس 1974 صدر قرار إنشاء "جهاز التعاون الاقتصادي العربي والدولي" لتشجيع الاستثمار.. ثم صدر القانون رقم "43" لسنة 1974 الخاص بالاستثمار العربى والدولى والمناطق الحرة.. وهو القانون الذى نسف ما قبله من سياسات وتوجهات اقتصادية, ينص عليها دستور البلاد!!

 

نشرت الصحف كل ذلك مع التبشير بالرخاء والتنمية!!

 

تم التعتيم على أن الرئيس يوقع كل شئ وعكسه!!

 

راح المجتمع "يحلم" ويلعن "العمل" مع انطلاق الحملات ضد الاشتراكية التى أفقرت مصر.. ضد القطاع العام الذى حرم العمال من الثراء.. ضد "الإصلاح الزراعى" الذى "فتت الأراضي الزراعية" وعلم الفلاح الكسل.. فهذا هو بطل العبور العسكري, يخوض معركة العبور الاقتصادي.. أصبحنا شركاء القادرين على انتشال مصر من بين فكى "الجمهورية الأولى" وقائدها وزعيمها الذى فتحت عليه الصحف نيرانها!! وفى الخلفية يجرى توقيع الاتفاقيات مع إسرائيل برعاية أمريكية, وتهميش "الاتحاد السوفيتى" الذى تحول من أنه أعطانا السلاح دون مقابل – كما كان يقول السادات – إلى أن "السوفيت بياخدوا معلوماتهم من بتوع البطاطا"!! ولنا أن نتخيل هذا الإسفاف عناوينا للصحف على لسان الرئيس!!

دخلنا فى "انفتاح السداح مداح" بأسرع من الصوت!

 

بدأنا نسمع عن ديون بلغت ستة مليارات دولار ما بين عامى 1973 و1975, وبدلا من أن كنا نحتل مكانة القيادة لقارة إفريقيا.. أصبحنا نطلب من دول القارة الامتثال للإدارة الأمريكية.. بل ذهبنا إلى إجهاض "مؤتمر كمبالا" الذى انعقد لاتخاذ قرار يطالب بطرد إسرائيل من الجمعية العامة للأمم المتحدة لعدم رضوخها لقرارات المنظمة الدولية.. وقال "السادات" قبل أن يشارك فى المؤتمر: "لا فائدة من طرد إسرائيل من المجتمع الدولى الذى يلزمها بقراراته.. فإسرائيل ستكون أسعد الأطراف بهذا الطرد, لأنها ستكون طليقة اليدين بعيدا عن الشرعية الدولية"!!

 

تجاوز هذا المنطق أن إسرائيل لم تعترف بكل قرارات الشرعية الدولية!

 

تناسى رئيس مصر تحدى إسرائيل لقرارات التقسيم.. نسى اعتداءها على مصر عامى 1956 و1967.. وما بينهما من ضرب العمال فى "أبو زعبل" والأطفال فى "بحر البقر".. وراح الذين يعزفون موسيقى "الخلاص" من "زمن الجمهورية الأولى" يرفعون الصوت!!

 

ينخفض دخل الفرد.. ترتفع الأسعار.. تتفاقم الأزمات.. يقل الإنتاج الزراعى.. تأخذنا عربة الديون التى ركبناها حسب تقرير "البنك الأهلي" عام 1974 مع تدهور الخدمات.. يتعالى الصراخ ضد "عبد الناصر" باعتباره السبب.. تضحك بالدموع حين تسمع الكلام نفسه, بعد أكثر من نصف قرن على طى صفحة "الجمهورية الأولى" التى تركت جنيها مصريا يشترى أكثر من ثلاثة دولارات.. ويتمخض البرلمان عن قانون يحرم الخمر, مع المطالبة بقطع يد السارق وتحريم صوت المرأة باعتباره عورة.. فإذا كنا قد أخذنا طريق الرأسمالية والليبرالية.. فهذا لا يمنع من المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية.. فنحن الذين تفردنا بمعاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتى, وإعلان مبادىء صداقة مع الولايات المتحدة.. كما تفردنا بدستور يعتبر القطاع العام هو القائد.. وتطبيق سياسات تقول أن القطاع الخاص هو القائد للتنمية الاقتصادية.. كما تفردنا بدستور ينص على الحزب الواحد - الاتحاد الاشتراكي – بينما الكل يلعن هذا الحزب, لمجرد أن الملك "فيصل" تمسك بضرورة إلغاء الاشتراكية, وتطبيق أصول الحكم الإسلامي فى مصر حتى يقدم لنا مساعدات!! وقت أن كان "السادات" يعلن عام 1975 أن مصر تعانى أزمة اقتصادية, وتحتاج ثمانية مليارات دولار.. تعلن السعودية تقديم 300 مليون دولار للمشاركة فى مشروعات مشتركة.. يصبح إطلاق يد "جماعة الإخوان" فى مصر هو "الحل"!!

 

تظهر على سطح المجتمع الأبنية الفاخرة.. السيارات الفارهة.. يتزايد السماسرة.. يتفاقم التهريب.. يتقدم رجال المال إلى الواجهة.. يعلن "أحمد أبو اسماعيل" وزير المالية أن عام 1975 هو الأسوأ اقتصاديا فى تاريخ مصر الحديث.. يؤكد الكلام الدكتور "إبراهيم حلمى عبد الرحمن" باعتباره وزير التخطيط.. لأن الرأسمالية المصرية لا تجيد سوى "أخطف وأجرى" ليغضب الرئيس, ويتخلص منهما مع اعتبارهما أعداء للرخاء والرفاهية!! يكتب "فؤاد مرسى" بعد أن اعتذر عن الاستمرار كوزير للتموين.. يحذر من علاقة حميمة بين القطاع الخاص وأجهزة الدولة وكوادر يتم تعيينهم فى القطاع العام, لتعبيد الطريق أمام مغامرين وأفاقين وأقطاب فى السوق السوداء.. مع تسهيل عمل السماسرة والمضاربين فى البورصة والذين يتربحون من الشقق المفروشة والملاهى وعلب الليل.. ويطالب بحماية البلاد من طبقة طفيلية تغرق البلاد فى نمط استهلاكى.. يرد عليه "السادات" فى خطاب رافعا لافتة "سيادة القانون" ويقرر تصفية صحف ومجلات تنشر أى انتقادات ضد "الانفتاح الاقتصادي".. كما حدث مع "الكاتب" و"الطليعة" بعد تنصيب "على أمين" رئيسا لتحرير "الأهرام".. فالأولى كانت تطبع فى الأهرام.. والثانية كانت تصدر عن الأهرام.. أزيح "محمد حسنين هيكل" الذى تحول من صديق إلى عدو لجرأته على أن يكتب ما يراه.. ويصل الأمر إلى تحويله لمحكمة التفتيش المستحدثة باسم "المدعى العام الاشتراكي".. وقد نشر تفاصيل هذا التحقيق فى كتابه "وقائع تحقيق سياسى"!!

 

قوانين تشجيع الاستثمار تصدر تباعا.. قرارات دعم المستثمرين تنهمر.. تنفيذا لرغبات "واشنطن" ودول الخليج.. تنشر الصحف أخبار الأمل وهبوب رياح الرخاء والرفاهية.. يتم الإعلان عن شركة مشتركة برأسمال مصرى – سعودى لإقامة فندق جديد محل "سميراميس" القديم.. وتديره شركة أمريكية.. مزرعة لتربية الأغنام برأسمال مصرى – بريطانى.. شركة بواخر نيلية برأسمال يونانى.. مصنع لتفصيل الملابس الجلدية برأسمال مصرى – المانى.. شركة أتوبيسات سياحية برأسمال عربى.. ثم كان الإعلان عن عودة البنوك الأجنبية لتمارس أعمالها دون قيود.. وتبقى ضرب "الإصلاح الزراعى" بقانون صدر يوم 24 يوليو 1975 يقضى برفع القيمة الإيجارية على ألا تتجاوز سبعة أمثال الضريبة الزراعية, مع جواز تحويل العلاقة الإيجارية إلى أسلوب المزارعة.. إضافة إلى طرد الفلاح إذا تخلف عن دفع الإيجار شهرين.. وهذا معناه العودة إلى ما كان قبل 9 سبتمبر عام 1952.. أنتصر الإقطاع.. تمكن "رجال المال" مع الأجهزة الأمنية من محاصرة شركات ومصانع القطاع العام!!

 

موسيقى "الخلاص" من "الجمهورية الأولى" صاخبة.. تشويه "عبد الناصر" لا يتوقف.. يصل الأمر إلى حد لا يحتمله عقل ولا ضمير.. لا يصدقه عدو أو صديق.. يصدر كتاب "حوار وراء الأسوار" بقلم "جلال الدين الحمامصى" على طريقته حين أصدر "الكتاب الأسود" مع "مكرم عبيد" ضد "الوفد" و"مصطفى النحاس" قبل الثورة.. يشتعل الغضب داخليا وخارجيا.. فالطعن فى ذمة "عبد الناصر" أمر لا يمكن احتماله.. تتشكل لجنة تقصى حقائق من البرلمان, وتنتهى إلى إدانة الكتاب ومؤلفه – تم دفن الكتاب – الذى تم ضبطه متلبسا بممارسة فعل من أفعال العار.. الكذب.. وتم إيداع نتائج أعمالها ضمن وثائق البرلمان.. لم ينجح كما حدث مع "عودة الوعى" الذى صاغه "توفيق الحكيم".. لأن هذه "الحرب المجنونة" كان مطلوبا أن تتوقف مرحليا.. فقد انفجرت مصر يومى 18 و19 يناير عام 1977.. فيما وصفه الشعب "انتفاضة الخبز".. وقال عنه "السادات" بعد أن استفاق من الصدمة "انتفاضة حرامية" ليصبح مفروضا عليه الذهاب لخطوته الحاسمة.. تم الإعلان عن "مبادرة السلام" المطبوخة فى "البيت الأبيض" كما ذكر "جيمى كارتر" فى مذكراته.. تنفجر القنبلة فى وجه المنطقة العربية كلها.. تتولى "ماكينات الإعلام الغربى" تحويلها إلى حفل عالمى عنوانه "السلام".. وبعد الانتهاء منه يتم طرح مشروع "مثلث ماسبيرو" وتصفية "إمبراطورية الإعلام المصري" مع "هضبة الأهرام" دفعة واحدة.. وقد استلزم الحديث عنهم المرور على كل هذه المحطات بسرعة أعتذر عنها!!..

 


الجمهورية الثالثة !! فضائح مدفونة (37)

يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات