عز الدين البغدادي
قبل سنوات عقد في
طهران مؤتمر لدعم المقاومة الإسلامية في فلسطين، وكنت من المدعوين.. جلسة الافتتاح
صادفت في نفس يوم التصويت على د. حيدر العبادي رئيسا للوزراء وقد ألقى السيد صدر
الدين القبنجي كلمة في الافتتاحية كانت مملوءة تفاؤلا عجيبا وغير مبرر، حيث تحدث
عن التجربة العراقية الديمقراطية المتميزة التي تستحق ان تكون مثالا يحتذى به، حيث
تم في هذا اليوم التصويت على الحكومة الجديدة. الكلمة بصراحة كانت مثيرة للاشمئزاز
ومقرفة بسبب كم التفاؤل الموهوم فيها، والصورة غير الواقعية التي رسمها رغم أن
العراق كان في وضع صعب جدا بسبب سقوط الموصل وصلاح الدين ومناطق كثيرة بيد التنظيم
الإرهابي، وهذا ما لاحظته في وجوه كثير من المستمعين.
بعد الكلمة قال لي
صديقي س. ك معبرا عن انزعاجه رغم انه بعيد عن انتقادات الأخيرين في الغالب: ماذا
يقول هذا الرجل؟ لماذا يتكلم بهذه الطريقة؟ هل يسخر من الناس أم من نفسه؟
في عصر اليوم تم
افتتاح ورشات للنقاش في محاور متعددة، وقد وضع اسمي في احدها وكانت تحت عنوان "دور
الإعلام في دعم المقاومة"، وكان هناك حضور من شخصيات كثيرة من فلسطين ولبنان
والخليج وتركيا. بدأت المناقشات، وقبل أن يصل اليّ الدور دخل السيد القبنجي الى
القاعة وجلس كضيف لأن اسمه لم يكن أساسا ضمن أسماء المشاركين في النقاش، فرحت في
نفسي لكي أسمعه ما أريد أن يسمعه. فعلا وصل إلى الدور، وبدأت بالحديث عن دور الإعلام
في دعم المقاومة ثم انتقلت برشاقة الى الموضوع الأهم عندي وهو موضوع العراق، قلت: بأن
استهداف العراق جاء ضمن مخطط صهيوني يدرك ثقل العراق وأهميته في توازنات الصراع في
المنطقة ولإبعاده عن دور في دعم قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ثم قلت
لهم: أيها الإخوة جئتكم من العراق أحمل جرحي وجرح وطني وأهلي، ثم تطرقت الى
الاحتلال والنظام السياسي الذي أنشأه. وكنت انظر الى وجوده القوم لأقرأ ملامحهم -كعادتي
عندما أخطب في جمع- وهم ينصتون إلى باهتمام وتأثّر واضحين وكأن على رؤوسهم الطير.
كان يجلس على يميني
الشيخ اللبناني يوسف دعموش رئيس تجمع علماء جبل عامل الذي اقترب برأسه مني بعد
انتهاء كلمتي وقال لي:
أحسنتم كثيرا شيخنا،
كلمة هامة ومؤثرة وواقعا تمنيت لو أنها كانت بدل كلمة السيد في الافتتاح. وقبل ان
يكمل كلامه شعرت بيد على كتفي، استدرت وإذا به السيد القبنجي، سلّم علي فقمت له،
فأعرب عن تقديره الكبير للكلمة وطلب مني ان يكون هناك لقاء بيننا. قلت له: ان شاء
الله. تعجبه كان غريبا لأني ما قلته هو عكس ما قاله هو تماما‼
كانت هناك جلسة
استراحة، جلست لتناول الشاي مع صديق لي فجاءني السيد محمد الطالقاني (اذا لم أكن
مخطئا في اسمه) وهو سكرتير السيد القبنجي، وقال لي: سماحة السيد يدعوك إذا أمكن
للحديث وشرب الشاي معه. استأذنت من صاحبي ونهضت إليه، رحب بي وكان هناك حديث مختصر
وطلب منه بإلحاح أن أزوره في مكتبه في النجف، وأعطاني سكرتيره كارت عليه أرقام
التلفونات، قلت له: ان شاء الله.
تردد بعد ذلك في
زيارته كثيرا، وعندما بحثت عن الكارت لم أجده، قلت: الحمد لله، ما اختاره الله خير
مما أراده. ولم التق به منذ ذاك اليوم. رغم عشرات السنين التي قضاها في العمل
السياسي والتبليغي إلا أن السيد صدر الدين القبنجي لم يستطع أن يطور خطابا معقولا
ولو في حدّه الأدنى….
والله المستعان
0 تعليقات