آخر الأخبار

من أغتال تشرين

  

 


 

 

 

هادي جلو مرعي

 

     للناس حق الحديث، وللكاتب ان يكتب، وللمعلق أن يعلق بما شاء دون أن يتعدى الحدود، وقد يتحدث واحد مثلي عن أمر لافضل له فيه، ولاوجود، ولكنه مراقب لاأكثر فقد تقدم به العمر وخبر من الحياة ان النضال والمعارضة والتمرد والثورة والتضحية بالروح في بلاد العرب لاجدوى منها خاصة حين يتحالف ضدك اهل المصالح، وتتحالف مع الشيطان ضد نفسك، ويتحالف الأضداد عليك لأنك هددت وجودهم.. وللسلطة والمال والجاه والنفوذ العالي ضريبة  وللنضال ضد المتنفذين والطغاة ضرائب، وللمتنفذين سطوة ورغبة في الصمود في مواجهة الريح لعل أعمار الطغاة تطول، ولن تطول سوى إنها وهم  فلكل شيء نهاية والوجود كله الى نهاية ولايبقى غير الخالق المتحكم بكل شيء وله السلطان الأعلى والوجود الذي لاينتهي.

     

مررنا بتجارب عدة في ظل أنظمة الحكم الدكتاتورية والفوضوية التي لاتشبع، ولكن أخطر تلك الأنظمة هي الفوضوية التي تمزج بين الدكتاتورية والديمقراطية، وبين الورود والأشواك، وبين العسل والسم فهي تميتك حيا، ولاتبقي منك سوى مايعينها على الدوام لتسمع منك كلمات الثناء والإذعان. فإذا تنفست هواءا غير الذي تبثه من حولك قتلتك، وحرمت عليك الهواء، وفي النظم الفوضوية لاتحصل على حق، ولاتنفي باطلا، ولاتعرف من تواجه وتحاسب. فالجميع يظهر بوجه باسم، والجميع هم شرفاء وأتقياء وانقياء، ترفرف على رؤوسهم أجنحة الملائكة والقديسين والصالحين.

    

تشرين حركة رفض للسائد، محاولة لإجتراح معجزة مع نظام تعودناه ولم نتعود عليه، نظام نحن متماهون معه كارهون له، نعرف إنه ليس المنشود. قد نكون أكثر سكينة نحن الذين نؤمن بفرضية اللاجدوى، نحن الذين كنا نرش العطور على توابيت ضحايا الحرب في الثمانينيات لنطرد الذباب، ونتفادى رائحة الجثث المتفسخة التي نقلت من الجبهة بعد أن ظلت تحت الشمس لأسابيع، ونحن الذين عشنا جوع السنين، وعواصف الحزن في التسعينيات، ورغبة الهروب من وطن محاصر ومكبل، ونحن الذين عانينا من كل بلاء لم يتعوده أولادنا الذين مدوا أيديهم ليعوموا في بحر تشرين الذي نظروه ساكنا وملائما للسباحة دون أن يتبينوا ماتحت مياه البحر  والذين لم يتحملوا أن يعيشوا في ظل نظام سياسي متعدد الأقطاب، ومراكز القرار فيه مثل محلات الباله التي تبيع كل شيء.

    

كان يمكن أن لايغتال حلم الشباب لو أنهم فكروا بتأسيس كيان سياسي قبل ثلاث سنوات، أو كيانات، وإن قالوا لانأمن أن تغرنا الدنيا، وتستهوينا السلطة فلاداع للثورة. فالتغيير ليس بطول مدة البقاء في الشارع، ولاالموت على الجسور، ولابتحمل أدوات القوى الأمنية، بل في التفكير والإجتماع على الغاية الواحدة، والطمع وحب الدنيا يداعبان نفس كل إنسان، وكيف لك ان تنتصر وأنت ترفض منافسة من يملكون الأموال والجيوش وقوة السلاح والتحالفات، وأنت أعزل إلا من صوتك وقدميك اللتين تقفان على الإسفلت، وحينها لن تغير لأنك قصيدة شعر في مواجهة دبابة، كان مهما لتشرين أن تتشكل كقوة سياسية تزيح القوى التقليدية، لا أن تقف حزينة في مواجهة من يملكون أدوات القوة، الذي إغتال تشرين هو من منعها من إقتحام ميدان السياسة، ومنافسة الخصوم. الإكتفاء بالتظاهر لايحقق المأمول، ويظل في مكانه منتظرا مالايأتي، وكل التجارب السابقة على هذا الكوكب، وعبر عقود تثبت تلك الفرضية، أن تعترض لايكفي، وان تعارض لايكفي، بل عليك مزاحمة الخصوم حتى لو خسرت بعضا من الأشخاص الذين لايؤثرون في الأغلبية الراغبة في التغيير.

إرسال تعليق

0 تعليقات