أحمد مجدي
و وقف الكاهن الأعظم
من حيث موقعه في الصف الأول مصفقاً ليؤكد ما قاله الزعيم .
وهنا يحدد هيجل
العلاقة بين الدولة السياسية والدين تحديدا صحيحا تماما حين يقول : " كي تقوم
الدولة كواقع واع وأخلاقي للعقل ، فإنه من الضروري تمايزها عن شكل السلطة والعقيدة
. ولكن هذا التمايز لايظهر إلا بمقدار ماتقوم به المؤسسة الدينية من جانبها بالفصل
. هكذا فقط إكتسبت الدولة بوقوفها فوق المؤسسة الدينية الخاصة شمولية الفكر ومبدأ
شكلها الذي تظهره للوجود.
"
حقا تتشكل الدولة
هكذا فقط مرتفعة فوق العناصر الخاصة كمؤسسة للمجموع . الدولة السياسية المكتملة
طبقا لطبيعتها هي حياة النوع الإنساني على العكس من حياته المادية . فجميع الشروط
لهذه الحياة الأنانية تبقى موجودة في المجتمع البرجوازي خارج مجال الدولة ، ولكن
كخصائص لهذا المجتمع . فحيثما بلغت الدولة نموها الحقيقي يعيش الإنسان حياة مزدوجة
ليس فقط في الفكر أو الوعي وإنما في الواقع ، في الحياة ، حياة سماوية وأخرى أرضية
، الحياة في المجتمع السياسي حيث يعتبر نفسه كائنا عاما والحياة في المجتمع
البورجوازي حيث يمارس حياته الخاصة ، ويعتبر الآخرين وسيلة ، ويتحول نفسه إلى
وسيلة ولعبة في أيدي قوى غريبة . وتقف الدولة السياسية إزاء المجتمع البوجوازي
بمثل روحانية السماء إزاء الأرض . إنها تقف في نفس التناقض معه وتتغلب عليه بنفس
الطريقة التي يتغلب بها الدين على محدودية العالم الدنيوي. هذا يعني بأن تعترف به
أيضا ، تنشئه ، وتصبح خاضعة له . الإنسان في واقعه الأكثر مباشرة في المجتمع
البورجوازي هو كائن دنيوي . هنا حيث يعتبر بالنسبة لذاته وللآخرين فردا يكون ظاهرة
غير حقيقية . وعلى العكس في الدولة حيث يعتبر الإنسان نوعا يكون العضو الخيالي
لسيادة وهمية ، وتسرق منه حياته الفردية الحقيقية وتملأ بجماعة غير واقعية.
إن الصراع الذي يجد
الإنسان فيه نفسه كمعتنق لدين خاص و مواطن لدولة مع الناس الآخرين كأعضاء في
المجتمع يتقلص إلى الإنتشار الدنيوي بين الدولة السياسية و المجتمع البورجوازي . حقا
أن البورجوازي يبقى في حياة الدولة مثل اليهودي بصورة سفسطائية ، كما يبقى المواطن
سفسطائيا يهوديا أو برجوازيا . لكن هذه السفسطة ليست شخصية ،
إنها سفسطة الدولة السياسية نفسها . الفرق بين الإنسان المتدين والمواطن هو الفرق
بين التاجر وبين المواطن ، بين العامل بأجر يومي والمواطن ، بين المالك العقاري
والمواطن ، بين الفرد الحي و المواطن.
يتحرر الإنسان سياسيا
من الدين بإقصائه من الحق العام إلى الحق الخاص .إنه لا يعود روح الدولة حيث يتصرف
الإنسان ككائن نوعي ، بالإشتراك مع الناس الآخرين ، وإنما يكون قد أصبح روح
المجتمع البورجوازي ومجال الأنانية وحرب الجميع ضد الجميع . إنه لم يعد جوهر
المجموع وإنما جوهر الإختلاف. وأصبح تعبيرا عن إنفصال الإنسان عن طبيعته
الإجتماعية بينه وبين الناس الآخرين وهو ما كانه في الأصل . إنه لم يعد سوى
الإعتراف المجرد بالخطأ والنزوة الشخصية الإعتباطية.
ليست الدولة المسماة
إسلامية والتي تعترف بالمسيحية كأساس لها وكدين للدولة وتميز نفسها عن الديانات
الأخرى هي الدولة الإسلامية الكاملة ، وإنما الدولة الملحدة ، الدولة الديمقراطية
، الدولة التي تضع الدين ضمن باقي عناصر المجتمع البورجوازي . لم تنجح بعد الدولة
التي لا تزال لاهوتية والتي تقر بإعتناق الإسلام بصورة رسمية ، التي لا تجرؤ بعد
عن إعلان نفسها كدولة ، لم تنجح هذه الدولة بعد في التعبير عن الأساس البشري في
شكل دنيوي بشريى، يكون الإسلام التعبير الدافق عنه . إن مايسمى بالدولة الإسلامية
هو ببساطة اللادولة ، إذ لا يستطيع الإسلام كدين وإنما الخلفية البشرية للدين
الإسلامي فقط أن يطرح نفسه في إبداعات إنسانية حقيقية .
إن مايسمى بالدولة
الإسلامية إنما هو النفي الإسلامي للدولة ، ولكنه ليس تحقيقا للإسلام من قبل
الدولة بأي حال من الأحوال . الدولة التي لا تزال تقر بالإسلام على شكل دين ، لا
تقر به على شكل دولة ، فهي لا تسلك سلوكا متدينا إزاء الدين ، هذا يعني إنها ليس
التحقيق الفعلي للأساس الإنساني ، لأنها لا تزال تقود إلى الوهم ، إلى الهيئة
الخيالية لهذه النواة الإنسانية . إن ما يسمى بالدولة الإسلامية هي الدولة الغير
مكتملة ، والدين بالنسبة لها تكملة وعلاج لنقصها ، من هنا يصبح الدين بالنسبة لها
بالضرورة وسيلة وهي دولة النفاق . إنه لفرق كبير فيما إذا إعتبرت الدولة المكتملة
الدين ضمن شروطها بسبب نقص يكمن في الطبيعة العامة للدولة ، أو أعلنت الدولة الغير
كاملة بسبب النقص الذي يكمن في وجودها الخاص كدولة ناقصة للدين كأساس لها. ويصبح
الدين في الحالة الأخيرة سياسة غير كاملة .
وفي الحالة الاولى
يظهر نقص السياسة الكاملة في الدين ، يحتاج ماتسمى بالدولة الإسلامية إلى الدين
ليكتمل كدولة . أما الدولة الديمقراطية ، والدولة الحقيقية فهي لا تحتاج إلى الدين
من أجل إكتمالها السياسي . وأكثر من ذلك فهي تستطيع أن تطرح جوانب كثيرة من الدين
لأن الاساس الإنساني للدين متحقق فيها بطريقة دنيوية .
وعلى العكس تقف
الدولة المسماة إسلامية موقفا سياسيا إزاء الدين ودينيا إزاء السياسة ، وحين تحط
هذه الدولة من الأشكال السياسية ظاهريا فإنها تحط من الدين ظاهريا بنفس القدر.
----------
النص
الأصلي لكارل ماركس
" حول المسألة اليهودية " وقد قمت بتعديل وتبديل بعض
الكلمات
.
0 تعليقات