عمر حلمي الغول
المصالح، ثم المصالح، ثم المصالح أساس ناظم للعلاقات بين الدول. ولا تقوم
علاقات ثنائية او ائتلافات وتحالفات اكبر دون وجود المصالح المشتركة، كونها تمثل
الدافع الأساس للتشبيك بينها. ومن يتجاهل من الزعماء والدول حساب المصالح، ويبقى
يدور في دوامة التبعية والاسترقاق، ولا محالة سيكون الخاسر الأكبر، واسيرا لأجندة
من يتبعوا لها من الدول، ولا يتخطى حاجز املاءات دولة المركز.
وفي خضم التطورات العاصفة بالعالم الناجمة عن حرب أوكرانيا المشتعلة منذ
نهاية شباط / فبراير الماضي، وأزمة الطاقة تتربع على عرش المشهد الدولي عموما، والأميركي
الأوروبي خصوصا، بعد ان شهدت أسواق الذهب الأسود ارتفاعا ملحوظا. الأمر الذي فرض
على الغرب الرأسمالي البحث عن مخارج تستجيب لمصالحه نسبيا، لإيجاد بديل عن الغاز
والنفط الروسي، ولمحاصرة الدب الروسي بأسلحة الاستقواء، التي يتمتع بها، واستنزافه
في المجالات كافة، ونزع مخالبه. ولهذا توجه الرئيس الأميركي بايدن لزيارة عدد من
الدول العربية منها العربية السعودية، والتقى بزعماء مجلس التعاون الخليجي في تموز
/ يوليو الماضي، وسبقه وأعقبه زيارات للعديد من زعماء دول أوروبا للمنطقة بهدف
تحقيق هدفين أساسيين، الأول زيادة انتاج الدول للطاقة من نفط وغاز لتعويض ما يمكن
الاستغناء عنه من روسيا؛ الثاني الوقوف الى جانب الغرب في معركته ضد روسيا
الاتحادية، وفي السياق تخفيض اسعار الذهب الأسود.
لكن الدول العربية المنتجة للنفط والغاز منذ بداية الأزمة حرصت على عدم
التورط في الحرب وتبعاتها، وتجاهلت بشكل واضح المطالب الأميركية الأوروبية. وحتى
من استجاب من تلك الدول لإمداد الغرب بالغاز والنفط، تبين ان إمكانية التعويض
تحتاج الى وقت طويل نسبيا، أضف الى ان الغاز المنتج في أراضيها اقل جودة، وله
انعكاسات سلبية على الدول المستهلكة له.
وتعزز الموقف يوم الأربعاء الماضي الموافق الخامس من تشرين أول / أكتوبر
الحالي بما تمخض عن نتائج اجتماع دول أوبك+ بقيادة روسيا، الذي تمثل بتخفيض حصص
الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل، مما أثار ردود فعل أميركية على العربية
السعودية وأميرها محمد بن سلمان. واعتبرت واشنطن ان هذه الخطوة ستضر الدول التي
تعاني أصلا من ارتفاع أسعار الخام؛ ليس هذا فحسب، بل اعتبرت ان السعودية قادت هذا
التحرك، وبالتالي كانت صفعتها قوية للرئيس الأميركي وحزبه الديمقراطي المتوجهين
لانتخابات نصفية مطلع الشهر القادم تشرين ثاني / نوفمبر. وهو ما فاجأ سيد البيت
الأبيض وفتح صفحة سلبية غير مسبوقة في العلاقات بين البلدين. لا سيما وان أميركا
ترى ان السعودية بموقفها مع الإمارات المتحدة وغيرها من دول المجموعة أدارت الظهر
لها، ونأت بنفسها عن الانخراط في صراع لا يعنيها من قريب أو بعيد، والاهم أنها من
المرات النادرة التي تتصالح مع مصالحها، وتتمثل دورها كعنوان في المنطقة، وليس رجل
كرسي. فضلا عن ان قراءتها لخارطة الصراع الدولي بين الغرب الرأسمالي وكل من الصين
وروسيا الاتحادية تشير الى، ان المعادلات الدولية في المدى المنظور تتغير، بغض
النظر عن نتائج الحرب، واي كان المهزوم او المنتصر فيها.
وفي رد على القرار السعودي الإماراتي، دعا أعضاء الكونغرس من الحزب
الديمقراطي، الى سحب جميع القوات الأميركية من الدولتين العربيتين، وخفض المبيعات
العسكرية للرياض. ولم تتوقف ردود الفعل عند ما ذكر، حيث أكد البيت الأبيض ان "جميع
الخيارات مطروحة." وهو تهديد واضح ومعلن، بان واشنطن ستقدم على اتخاذ خطوات أكثر
عدائية من دول الخليج العربي عموما، والسعودية والإمارات خصوصا. الأمر الذي سيضاعف
من حدة التوتر بين أميركا والخليج العربي، التي تعتبر في نظر راعي البقر، بمثابة
الحديقة الخلفية لمصالحه الحيوية. ولم يتوقع ان تشب تلك الدول عن الطوق الأميركي،
مفترضا انها مازالت في دائرة التبعية المطلقة.
وعلق تشاك تشومر، زعيم الأغلبية في الكونغرس في تغريدة نشرها عبر تويتر،
قائلا" سيتذكر الأميركيون لفترة طويلة ما فعلته السعودية لمساعدة بوتين على
الاستمرار في شن حربه الدنيئة والشرسة ضد أوكرانيا. نحن نبحث في جميع الأدوات
التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروع للغاية، بما في ذلك مشروع
قانون "نبك" (NOPEC) مشروع قانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط"، الذي
اقر من قبل لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي قبل أشهر، ويعرض دول أوبك وشركاءها
للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، وذلك لتنسيقها خفضا في الإمدادات بما يرفع
أسعار النفط العالمية."
ومن يسمع تشومر وغيره من المسؤولين الاميركين وردود فعلهم المجنونة، ويقرأ
تناقضاتهم بين ما يقرونه ويمارسونه من انتهاكات صارخة للشعب الأميركي وشعوب الأرض
كافة من خلال احتكاراتهم، التي لا تبقي ولا تذر قيما إلا وانتهكتها، وحقوقا إلا
وداستها بأقدام غرورها وسياساتها المتعجرفة، ومصالح الشعوب الا ونهبتها. ويتحدث في
نفس الوقت عن "الاحتكار" ومصالح المستهلكين، ويهدد الدول وزعماءها
بالملاحقة. لكن هذا التناقض ليس جديدا ولا مستغربا لان الولايات المتحدة منذ تأسست،
وهي تمارس البلطجة وتنتهك القوانين الأميركية والاممية على حد سواء.
ما يفترض ان تدركه الإدارة الأميركية، ان الدول تتغير، والمواقف قد تنقلب
رأسا على عقب في لحظات معينة من التاريخ، وتخطىء واشنطن ان افترضت ان الشعوب
والدول ستبقى رهينة املاءاتها. وعليها ان تعيد النظر في قراءة التطورات بعيدا عن
غطرسة القوة، والافتراض انها الحاكم بامره لشعوب الأرض عامة وشعوب العالم الثالث
خاصة. وامل ان تحافظ دول الخليج العربي على مصالحها بعيدا عن الغرب عموما وأميركا
خصوصا، وان تحرص على الخروج التدريجي من دوامة التبعية لتلك الدول.
0 تعليقات