آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! (من هنا نبدأ) الأخيرة !!

  

 


 

 

نصر القفاص

 

 

قامت "الجمهورية الثانية" على خداع "الديمقراطية" التى جعل "أنور السادات" لها "أنياب" واستخدم لإقرارها "المفرمة" وأعلن انتهاء "الشرعية الثورية" وانطلاق "الشرعية الدستورية" حتى راح للعبث بالدستور قبل رحيله بشهور!!

 

حافظ "حسنى مبارك" على "المنهج" مع إدخال تعديلات فى أسلوب الحكم.. وجعل شرعيته فى مهب الريح عندما ذهب للعبث بالدستور, رغبة منه فى فرض "التوريث" كنظام حكم!!

 

جاءت "ثورة 25 يناير" كما يسميها الدستور, بهدف إحداث القطيعة مع "الجمهورية الثانية" فتعرضت إلى "نكسة" بسبب "جماعة الإخوان" التى اختارت فرض إرادتها بآلاعيب ديمقراطية.. ثم كانت "ثورة 30 يونيو" كما يسميها الدستور.. تجدد الأمل فى أن تنطلق "الجمهورية الثالثة" باحترام دستورها, لكن الرياح جاءت بما لا تشتهيه السفن.. تعرض الدستور للسخرية والحط من شأنه, بزعم أن ما حدث فى "25 يناير" كان خساير.. ثم القول بأن ما شهدته مصر فى "30 يونيو" تسبب بإضافة المزيد من الخسائر.. ورغم العبث بالدستور,إستمر يحمل تأكيده على أن ما حدث فى "25 يناير 2011" كان ثورة, وأن ما حدث فى "30 يونيو 2013" كان ثورة.. هنا انتحر المنطق وتاهت السياسة, ووقف التاريخ مذهولا!!

 

السياسة لا يفهمها "الدراويش" ولا تهم "الناس الطيبين" حتى لو تحدثوا عنها طويلا!

 

المنطق لا يمكن تعريفه كما قال "سعيد صالح" فى مسرحية "مدرسة المشاغبين" الشهيرة!

 

بالسياسة والمنطق يخلع الحاكم عباءة شرعيته, إذا فرط فى حالة الرضا الشعبى عليه.. حتى لو استمر يحكم وقتا طال أو قصر!

 

علم "النظم الدستورية" لا يعرف جمهورية قديمة وأخرى جديدة, كما علمنا الدكتور "على الدين هلال" فى قاعات الدراسة بالجامعة.. وعلم "الدستور" يؤكد أن من يقسم على "الدستور" لا يجوز له تعديل أو تغيير الدستور.. لكننا عشنا لنرى واحدا من أساتذة الدستور – قيس سعيد – يحكم "تونس" وجرؤ على شطب الدستور وأقدم على تفصيل دستور يرتضيه!! والإشارة هنا ضرورية لأن زمننا هذا شهد لهوا وعبثا بالديمقراطية فى "أمريكا" كما فعل "ترامب" وتكرر المشهد فى "بريطانيا" بتنصيب رئيسة وزراء – ليز تراس – تم إقالتها بعد أقل من شهرين.. وللدقة يجوز القول "إستقالتها" تفاديا للتلبس بجريمة قتل الديمقراطية مع سبق الإصرار والترصد!

 

التوضيح واجب حتى لا يعتقد "الدراويش" فى أننى أطلق سهاما طائشة!

 

الحقيقة تشير إلى أن العالم ينتقل من حال إلى حال, منذ مطلع القرن الواحد والعشرين.. ضمن ملامحه كانت الثورات الملونة التى هبت رياحها من هناك.. فى اوروبا الشرقية.. وامتدت إلى الشرق الأوسط, فيما سمى "الربيع العربى" ويطلق عليه رافضيه "الربيع العبرى" دون إدراك أن إسرائيل نفسها تتأرجح منذ عدة سنوات.. فقد شهدت خمس انتخابات عامة خلال خمس سنوات.. والبقية تأتى!!
الحقيقة تؤكد أن العالم يعيش "حالة ولادة" لنظام عالمى جديد.. وبناء عليه سيكون هناك نظام إقليمى – عربى وإفريقى – والواقع يدلنا على أن صراعا يدور, لانتزاع مكان ومكانة فى الزمن القادم.. هذا الواقع خلق فى مصر مناخا من القلق.. تحول إلى توتر.. ثم أصبح غضبا لأسباب كثيرة.. ظنى أننا لا نرى أهمها, الذى أعتقد أنه "مكان ومكانة" الوطن الحاضر, وكذلك فى المستقبل!!

 

يدهشنى أن "محمد حسنين هيكل" رصد كل هذا بدقة قبل رحيل "مبارك" رسميا!

 

غادر الدنيا وترك ما قاله بين دفتى كتاب "مصر إلى أين؟!" وذكر فيه بوضوح لا يحتمل تأويلا أن: "لا توجد أى قوة عظمى تستطيع أن تساعد نظاما, لم يعد قادرا على حماية نفسه".. وأضاف قائلا: "لا يوجد أحد بلا بديل, وإلا انتهت الحياة.. ولو لم يوجد بديل للرئيس مبارك.. فهذا الشعب يستحق أن يموت.. لأن الذى لا بديل له هو الشعب"!! شرح أكثر بقوله: "هناك نظم كثيرة رحلت.. حكام كثيرون رحلوا.. لم تتوقف الدنيا.. محمد على حتى الملك فاروق رحلوا.. جمال عبد الناصر والسادات.. رحلوا.. وربنا يعطى الرئيس مبارك العمر.. لكن ما أود قوله هو أن اختفاء فرد لا يعنى نهاية الكون.. فهذا رجل فى اعتقادى كان عليه إنهاء مهمته بعد فترة أو فترتين من الحكم"!!

 

تكلم "هيكل" فى لحظة صاخبة.. فلم نسمعه!!

 

بقى كلامه يحتاج أن نعود إليه.. ندقق فيه.. نناقشه.. لأنه كان يقول سياسة ومنطق.. وهو أوضح أن: "الأحزاب كلها منهكة.. النظام أنهك كل الناس, خاصة أن هذه الأحزاب لم تولد ولادة طبيعية.. بل جاءت بولادة قيصرية.. والنظام همشها بقسوة, لأنها ولدت فى أحضانه فظلت باقية بحالة عجز بدنى أعاقها عن التواصل.. إضافة إلى أن النظام ظن أن قوته فى تشجيع الانقسامات, وممارسة الضغوط على جميع القوى.. حتى الإعلام"!!

 

أعرف أن "الدراويش" لا يحتملون قراءة هذا الكلام القديم.. لا يطيقون سماع كلمة تحمل منطق أو سياسة.. فقد قال "هيكل" أيضا: "المفروض أن الحزب والنظام أدوات للخدمة العامة, وإذا سخرت أدوات الخدمة العامة لتحقيق بقائى الأبدى.. فأنا ذاهب فى داهية"!! ثم أضاف قائلا: "القوات المسلحة المصرية هى موطن القدرة فى فكرة الدولة وأساسها, وليست مجرد أداة تحت سلطة أى نظام يظهر على الساحة" ولمزيد من الشرح قال: "لو كانت الأحزاب قادرة فى زمن الملكية, لما كانت هناك حاجة إلى ثورة 23 يوليو أساسا.. فقد عجزت هذه الأحزاب لأسباب يطول شرحها عن إزاحة الاحتلال البريطانى.. كما عجزت عن وقف الفساد الملكى.. والحقيقة أن أكبر هذه الأحزاب وأجدرها بما يسمى حزبا – الوفد – أضاع قوته فى معاهدة 1936, وأضاع شرعيته يوم 4 فبراير عام 1942.. وفيما بعد ذلك.. فإن الأحزاب السياسية, لم تواتها الفرصة أو لم تواتها الشجاعة.. لكى تثبت وجودها وفاعليتها.. وحين عادت الأحزاب, فإنها جاءت بقرار من السادات, وفق حدود لم تستطع تجاوزها"!!

 

تجاوز "هيكل" تشخيص الحالة.. إلى وصف العلاج كما يتصوره!!

 

قال: "يجب على القوات المسلحة إعلان ضمان فترة انتقالية, تفتح الطريق لوضع جديد يحكمه عقد اجتماعى متحضر يمهد لدستور.. لا يكتبه خبراء قانون.. لكن تصدره إرادة شعب حر.. بعدها يجئ دور الصياغة, ويجئ دور رجال القانون".. وأضاف شرحا أكثر وضوحا, حين قال: "الخطأ المتكرر فى تاريخنا باستمرار, هو أن مشروعات الدساتير كتبها قانونيون بطلب من سلطة.. ثم يتم عرضها على الشعب.. وفى هذا استهتار بالسياق التاريخى فى وضع الدساتير.. لأن الدستور عقد وطنى سياسى واجتماعى, يعبر عن مشيئة الأمة"!
طالب "هيكل" بأن تكون الفترة الانتقالية كافية لاستعادة الهدوء!
عندما يحصل المجتمع على فرصة فى التفكير بعقله.. يستطيع أن يراجع الماضى ويرى أخطاءه.. يقدر على قراءة الواقع بأزماته وآلامه.. يملك القدرة على رؤية المستقبل الذى يتوافق عليه, ويندفع إلى العمل لإنجاز ما يراه.. ليس ما يراه الحاكم.. وذلك جعل "هيكل" يقول: "تحت درع القوات المسلحة, تستطيع الجموع فى هذا الوطن أن تهدأ.. يستطيع العقل أن يؤدى دوره.. يستطيع الأمل أن يجد أفقه بعيدا عن ضياع الساسة وتخبطها.. وصخب الإعلام بألوانه وأضوائه"!
قيمة "ثورة 23 يوليو" أنها كانت استثمار فى المستقبل!!

 

أنتجت هذه الثورة "الجمهورية الأولى" الكثير من الإنجازات.. دعنا مما نختلف عليه, لكننا جميعا لا يمكن أن نختلف على أنها حققت الاستقلال وطردت الاستعمار.. لا يمكن أن نختلف على أنها قامت باسترداد حق مصر فى "قناة السويس" بإعلان تأميمها.. وأنها أنجزت بناء "السد العالى" وأقامت جيش وطنى نفخر به ونحترمه – مهزوما فى حرب 67 ومنتصرا فى حرب 73 – كما أنها طورت الزراعة وأضافت إليها عدالة اجتماعية.. نجحت فى تصنيع البلاد بمئات المصانع.. أضاءت أنوار الإبداع الفكرى والثقافى, وجعلت من مصر قوة إعلامية عظمى.. حملت مشاعل التحرير لمحيطها العربى والإفريقى, لتمد عباءة "العزة والكرامة" لكى تحميها وتحمى كل المؤمنين بها.. ولا مانع من قبول الاختلاف على غير ذلك من إنجازات هذه الجمهورية.. تحقق هذا بقيادة وزعامة حافظت على تماسك شعبها والتفافه حولها, حتى رحل "عبد الناصر" الذى أعلن اعترافه بمسئوليته عن هزيمة نكراء.. ربما لأن الشعب كان يدرك ويعرف أن المانيا انهزمت.. فرنسا انهزمت.. بريطانيا انهزمت على الأراضى الأمريكية وقت أن كانت تحتلها, وفى الحرب العالمية الثانية.. كما انهزمت اليابان.. وانهزمت الصين.. إنهزمت إندونيسيا.. حتى الاتحاد السوفيتى انهزم, حتى عادت روسيا.. وكل هؤلاء وغيرهم لم يظهر بينهم "جماعة" ولا "نظام" يجلد شعبه بأنه خسر جولة فى معركته مع الحياة, حتى يحقق لنفسه مكسبا يجوز وصفه بأنه رخيص!!

 

يجب أن تحمل "الجمهورية الثالثة" أملا بحجم آلام نصف قرن مضى!

 

نقطة البداية تأتى من دستور بمعناه المقدس.. دستور لا يسمح لحاكم أن يعبث به.. ثم يتيح صياغة ضمانات للحرية بقوانين صارمة يضمنها الدستور.. يتم تحرير الأحزاب قبل تحرير سعر صرف الجنيه.. فإذا كان تحرير سعر الصرف يخدم الأثرياء, فإن تحرير السياسة يخدم المجتمع كله.. وعلينا أن نأخذ بتجربة "البرازيل" فى أن يكون التصويت يالانتخابات والاستفتاءات إلزاميا.. بحرمان من لا يصوت فى هذه الانتخابات والاستفتاءات من التمتع بما توفره الدولة من مزايا وخدمات للأغنياء والفقراء معا.. وهذا يستتبعه تجريم شراء الولاء والصوت الانتخابى.. لابد من تجريم الكذب على الشعب لكل من يتولى موقع مسئولية.. يجب وضع خط فاصل وواضح بين الدين والسياسة, ليصبح الخلط بينهما جريمة تستوجب أقصى عقاب.. يجب أن يكون مجلس الوزراء مسئولا أمام البرلمان – وزراء ومحافظين – كما يجب إعلان قانون يحاسب "النائب" على خلطة بين مصالحه ومصالح الوطن.. وكل هذا يفرض إطلاق يد القضاء لكى يتمتع باستقلاله.. وأن يتم تحرير الإعلام.. كما يجب تحرير سعر صرف التعليم والصحة, فلا يجوز أن يكون هناك سعر واحد للدولار واليورو, مع الحفاظ على سوق موازية – سوداء – فى مجال الصحة والتعليم.. والذى امتد إلى ممارسة الرياضة والنشاط الاجتماعى.. ويجب أن تبقى الأجهزة السيادية فى خدمة الدولة – شعبا ونظاما – وتحريرها من التبعية للحاكم على حساب المجتمع!!

 

يجب أن نعترف بخطورة ما حدث بعد "25 يناير" ثم "30 يونيو" مع الفارق!!

 

إذا كان الشعب قد ثار على الفساد عام "2011" وثار على الفاشية عام "2013" فلا يجب أن نعاقب الشعب لمجرد أن الفاشية والفساد عبرا الحواجز, بالتحايل واستخدام "الديمقراطية" كوسيلة للتحكم مع رفض ضوابط الحكم.. فى الوقت الذى نلزم فيه هذا الشعب بضوابط تحرير سعر الصرف للدولار واليورو, لأن هذا معناه فرض "التبعية" وجعل "المجتمع مهزوما فى عقله".. وهى أخطر هزيمة يمكن أن تقع على رأس وطن!! وإذا وصلنا إلى لحظة يقول فيها كل مواطن ما عنده.. يحاسب القانون كل مواطن على جريمته.. يحصل فيها كل مواطن على ما يستحقه بقوة القانون, الذى ينحنى له الساسة وحتى رجال القانون.. هنا يمكننا القول أن أنقذنا "المنطق" وأعدنا للتاريخ احترامه.. كما يمكننا القول أننا فهمنا مكان ومكانة مصر.

 

لا أشك لحظة واحدة فى أن "الجمهورية الثالثة" قادمة.. رضى من رضى, ورفض من رفض!!

 

فى "الجمهورية الثالثة" لا مكان لجماعة "الإخوان" ولا مكان لجماعة "الفساد" لأن "الشعب هو القائد والمعلم" والأيام بيننا!!

 

سبق أن قالها "خالد محمد خالد" قبل "ثورة 23 يوليو" فى كتاب عنوانه "من هنا نبدأ".. وأجدنى مضطرا إلى قول الكلمة ذاتها.. وإلى رفع الصوت بالصيحة نفسها!!..

 

الجمهورية الثالثة !! الثورة جريمة (56)

تمت

 

إرسال تعليق

0 تعليقات