آخر الأخبار

خلفيات الدعوة الأميركية

  

 


 

عمر حلمي الغول

 

صرح مصدر مسؤول أميركي مساء الثلاثاء الماضي الموافق 20 كانون 1 / ديسمبر الحالي، ان إدارة بايدن تجري من الآن الاستعدادات لعقد قمة تضم إسرائيل الاستعمارية والدول العربية الموقعة على اتفاقات التطبيع معها، تكريسا واستمرارا لقمة بئر السبع، التي عقدت في آذار / مارس 2022، وشارك فيها آنذاك وزراء خارجية غالبية الدول المطبعة مع إسرائيل باستثناء الأردن والسودان. وحسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية، فإن هدف القمة "تليين مواقف حكومة نتنياهو الفاشية السادسة" و"إنزالها عن شجرة التطهير العرقي والاستيطان الاستعماري".

 

لكن الحقيقة تقول عكس الاستنتاج الإسرائيلي، ولا تتوافق معه، لان مجرد عقد القمة بحضور ومشاركة الزعماء أو وزراء خارجية الدول العربية المذكورة يؤكد موافقتهم على وقبولهم بالحكومة الأكثر فاشية في إسرائيل؛ ومنحها الشرعية الإقليمية والدولية، وتعزيز مكانتها، وتبني سياساتها وبرامجها الإجرامية ضد الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية ولا اعرف، ان كانت تلك الدول تعلم او لا تعلم الحقيقة المذكورة انفا.

 

اضف الى ان إدارة بايدن تريد من القمة تحقيق مجموعة من الأهداف تتناقض مع ما ذكر إسرائيليا، منها: أولا تعزيز خيار صفقة القرن، والمضي به قدما. رغم ان الإدارة الحالية ادعت انها ضد الصفقة. لكنها في الحقيقة تعمل بشكل متسارع على تعميقها وترسيخها على الارض؛ ثانيا تحفيز بعض الدول العربية الأخرى من دول الخليج خصوصا للانضمام لقافلة الاستسلام؛ ثالثا منح الحكومة السادسة الدعم في خياراتها السياسية والقانونية والدينية. رغم ما تدعيه الإدارة ضمنا عن وجود تحفظات مبدأية على برامجها المعلنة، التي عكستها الاتفاقات الائتلافية بين الليكود وحلفائه، والقوانين التي مررت بالقراءات الأولى (قوانين: درعي وسموتيرش وبن غفير)؛ رابعا تبديد خيار السلام برمته، وخاصة حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية تدريجيا؛ خامسا استخدام فزاعة الملف النووي الإيراني كفزاعة لبناء صرح تحالف علني بين الدول العربية وإسرائيل المارقة والخارجة على القانون، بذريعة حمايتها من البعبع الفارسي الصفوي .

 

والهدف الأخير بودي ان أتعمق به نسبيا، لجهة التأكيد على ان الفزاعة الإيرانية مجرد تبادل أدوار بين ترويكا الحلف غير المقدس، إسرائيل وإيران بزعامة الولايات المتحدة لتبديد مصالح وحقوق العرب، ليس في فلسطين فقط، وإنما في باقي الدول العربية، ونهب ثرواتهم، وإخضاعهم جميعا دون استثناء للأجندة المشتركة لأعداء الأمة العربية.

 

اذاً القمة المنوي عقدها في الربع الأول من العام القادم 2023 لا تهدف لإقناع إسرائيل بالتراجع عن مخططاتها الأكثر فاشية، لا بل لمواصلتها، والعمل لتكريس الأهداف المتجذرة في الوعي الغربي الصليبي، التي سعى ويسعى لها الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا وصولا للاساطير اللاهوتية وبلوغ حرب "ياجوج وماجوج" الدينية، التي لا تبقي ولا تذر حسب الخزعبلات والهرطقات في أوساط الدولة العميقة للحكومة العالمية بقيادة اباطرة رأس المال المالي.

 

وهذا يملي على الحكام العرب ذات الصلة بالقمة التنبه جيدا لما تسعى اليه الإدارات الأميركية المتعاقبة. وما تسعى وتعمل عليه بشكل حثيث، وهو تقويض تطور شعوب الامة وانظمتها السياسية، وابقاءهم جميعا في دائرة المحوطة والتبعية، ليس لسوق الغرب الرأسمالي فقط، انما التبعية أيضا لدولة الاستعمار الإسرائيلية، التي تم تأسيسها ودعمها وتقويتها كاداة لسحق العرب، وابقاءهم في حالة من التيه والضياع والتشرذم، وتمزيقهم الى دويلات وهويات قزمية بعيدا عن هويتهم القومية العربية الجامعة والموحدة لمصالحهم واهدافهم في مجاراة روح العصر، وبناء الشرق الأوسط الكبير بقيادة اسرائيل.

 

وعود على بدء للتذكير مجددا بالهدف الاستراتيجي للغرب الصليبي، بأن إقامة الدولة اللقيطة الإسرائيلية لم يكن هدفها ينحصر في نكبة الشعب العربي الفلسطيني، انما هدفها الأهم نكبة العرب جميعا، والحؤول دون تبلور المشروع القومي العربي النهضوي. ومن يعود لقراءة للتاريخ القريب والمعاصر، وتأمل في تطور الاحداث منذ مطلع القرن العشرين حتى يوم الدنيا هذا، لادرك ان المستهدف الأساسي هو العرب من المحيط الى الخليج. فهل يدرك صناع القرار في الدول المعنية اخطار القمة الافتراضية القادمة؟

إرسال تعليق

0 تعليقات