آخر الأخبار

أبو صلاح الاقتصادي ... وقناة السويس!!

  


 

نصر القفاص

 

 

انهار "الاتحاد السوفيتي" فأعلنت "الولايات المتحدة الأمريكية" ودول الغرب, استعدادها للتعاون مع "روسيا" الضعيفة بعد نزع 17 دولة من جسم القوة العظمى الثانية.. جاء دعمهم بما يسمى "الاستثمار" مقابل ما يسمونه "القيم الغربية" وعنوانها "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" مع تمكين "القطاع الخاص" والالتزام بقوانين حرية التجارة.. إضافة إلى قائمة طويلة من الاشتراطات بينها حل "حلف وارسو" الذى كان يضم دول أوروبا الشرقية!!

 

ذهب "جورباتشوف" الذى تولى عملية "تفكيك" الاتحاد السوفيتي بما أسماه "جلاسنوست" أى الانفتاح والشفافية.. و"بريسترويكا" أى إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي.. جاء بعده "يلتسين" بالديمقراطية وشعبية جارفة, لكن الشعب فوجئ به "مخمورا" طوال الوقت..

 

استعذب "الحضن الأمريكي" بعد أن أنزله الإعلام الغربى منزلة "القديسين" كما فعل مع "جورباتشوف".. وخلال سنوات قليلة, كان الغرب قد نجح فى دمج دول أوروبا التى كانت شرقية فيما نعرفه اليوم باسم "الاتحاد الأوروبي" و"حلف الناتو" وتركوا "روسيا" تعانى الفقر وانهيارا اقتصاديا مذهلا.. راهنوا على أن أكبر دولة من حيث المساحة على الكرة الأرضية, دخلت فى غيبوبة لن تخرج منها!!

 

تولى "بوتين" دفة المسئولية فى ظروف عاصفة.. أصبح مسئولا عن دولة لم يعد مسموحا لها غير أن تبقى فى "غرفة الإنعاش" تتنفس فقط.. وافق الرجل على قبول التحدى.. راهن على شعبه وما يملكه من قدرات وثروات طبيعية.. تقدم خطوة.. خطوة خلال عشر سنوات.. نزع عن بلاده أجهزة التنفس الصناعى.. أدركت "واشنطن" والذين معها أن الأسد يستفيق.. راحوا يحاولون ترويضه, خاصة وأن أسدا آخر كان قد بدأ يزأر – الصين – كما ظهر نمر جديد – الهند – يضاف إلى ما يسمى "النمور الآسيوية".. فتم توجيه "سلاح الاستثمار" نحو كل هذه المنطقة.. راهنوا على افتراض سذاجة الذين يحكمون هذه الدول, وفى المقابل راهن هؤلاء الحكام على قراءة وفهم التاريخ!!
يعتقد البعض أن هذا صراع لا علاقة لنا به!!

 

أستأذن هؤلاء فى أن يركبوا "آلة الزمن".. ويعودوا بها للخلف أكثر من مائتى عام.. سيحكى لهم التاريخ ما حدث فى مصر عندما تولى "محمد على" دفة الحكم فى مصر.. كان يعلم أن هذه الدولة التى نصبه شعبها حاكما, تتبع "دولة الخلافة" كما يقولون عنها.. وأسميها "الاستعمار العثمانى" الذى زرع الجهل وقام بتصنيع الفقر, ووطن المرض فى أجساد أهل البلاد.. كانت مصر مقسمة فعليا.. فالعاصمة وما يحيطها يتولى أمرها حاكم يمثل "الخليفة" فى "إسطنبول".. وللوجه القبلى نائب عن هذا الحاكم.. والوضع نفسه بالنسبة للإسكندرية.. يعاون الحاكم فى العاصمة ما يسمى بـ"الديوان" ويحميه "المماليك", وهؤلاء وظيفتهم "الجباية" وجلد الفلاحين – أهل مصر – لصالح إمبراطورية ضمن خمس إمبراطوريات فى هذا الزمان!!

 

ما فعله "محمد على" هو نفسه ما فعله "بوتين" فى "روسيا" تقريبا!!
لا تندهش إذا قلت لك أن "الإسكندرية" عادت إلى حضن الوطن بعد 15 عاما من حكم "محمد على" بعد عودة "الوجه القبلى".. وكانت عودة "سيوة" والصحراء الغريبة بعد نحو عشرين عاما.. ثم كان ما تعرفه عن "زمن محمد على" الذى نهض بمصر ليجعلها سيدة على محيطها, كما كانت وقت أن حكمها رجال عظام فى عصور سابقة تركوا لنا أثرهم – آثارهم – الذى ينادينا أن لا طريق غير الاعتماد على شعب صنع معجزات, مازال العالم عاجزا عن تفسيرها!!

 

جاءنا الغرب ومعه "سحر الاستثمار" متمثلا فى مشروع "قناة السويس".. وراهن على سذاجة أولاد وأحفاد "محمد على" باعتبار أن "عباس الأول" حفيده.. قبل أن يحكم ابنه "سعيد" ثم حفيده "إسماعيل" إلى آخر القائمة وصولا إلى "الولد الذى حكم مصر" واسمه "فاروق".. ومن بوابة "قناة السويس" كانت "الديون" ثم ابتلاع "القناة" وبعدها احتلال البلاد.. تولى "كرومر" ما يسمونه فى زماننا هذا "الإصلاح الاقتصادي" لسنوات طوال وتحولت مصر إلى "بقرة جسمها على أرض الكنانة, وضرعها فى بريطانيا" كما قال نصا الدكتور "عبد الجليل العمرى" وهو اقتصادي بارز ورجل دولة فى وقت يصفه "خدم الملكية والاستعمار" بأنه "الزمن الليبرالى".. وأصبح وزيرا فى سنوات "ثورة 23 يوليو" الأولى.. ونحن نعلم أنه قبل الثورة كان أمر مصر بيد "المندوب السامى" ثم أصبح "السفير" بعد تصريح 28 فبراير 1922.. وسواء كان اسمه "المندوب السامى" أو "السفير" فهو قام مقام "الوالى" فى زمن "الاستعمار العثمانى".. وتولى الإشراف على أن تكون مصر مزرعة وسوق لشركاء "بريطانيا" فى استعمارها.. وهنا لا يمكن أن نغفل محاولات "مصطفى كامل" و"محمد فريد" و"سعد زغلول" و"مصطفى النحاس" مع عشرات الساسة لنيل الاستقلال.. ولا يجوز أن ننسى دور "طلعت حرب" فى بناء اقتصاد وطنى, واجه عمليات تخريب لا تتوقف حتى رحل مطلع الأربعينات!!

 

إستيقظت مصر على تحرك شبابها صباح 23 يوليو 1952 بحركة مباركة!

 

إكتشفت الدنيا أنها "ثورة" وهى كلمة يكرهها الاستعمار.. إعتمد قائد الثورة وزعيمها – جمال عبد الناصر – على الشعب وما تملكه البلاد من ثروات.. حقق الجلاء وأعاد مصر مستقلة بعد 600 سنة من الاستعمار, مملوكى ثم عثمانى وأخيرا انجليزى.. أعلن "الإصلاح الزراعى" الذى يخدعونك بأنه فتت الرقعة الزراعية, وهى كذبة بحجم الهرم الأكبر!! أراد بناء "السد العالى" وانتظر "الاستثمار" الذى يأتى دون رهن إرادة الدولة واستقلالها.. أعلن "تأميم قناة السويس" ووافق على دفع الثمن.. حقق ما أراد ثم اتجه إلى تصنيع مصر بنهضة تستحق أن نبكى عليها دما.. آلاف المصانع قامت على امتداد الوطن بنضال "عزيز صدقى" المهندس الذى جاء بالدكتوراه من "أمريكا" ليشارك فى استعادة بلاده لأمجادها.. كما سبق أن فعل "رفاعة الطهطاوى" بما تعلمه فى "فرنسا" وعشرات أو مئات من المؤمنين بأن مصر تستحق.

 

تعرضت مصر للحصار والمؤامرات.. كما حدث مع "روسيا" ويحدث مع "الصين" وغيرها!!

 

لعلى ذهبت إلى هذه "البانوراما" لأعلن فزعى بعد يوم حزن عميق لما يحدث حولى!!

 

إنتهت "ثورة 23 يوليو" برحيل "عبد الناصر".. وحكمها الذين بشرونا بالرخاء والرفاهية عندما نفتح "أبواب الاستثمار" ونقوم بما يسمى "الإصلاح الاقتصادى" الذى كانت خطوته الأولى "إنفتاح السداح مداح".. وصولا إلى تمكين "صندوق النقد" و"البنك الدولى" من رقبة وطن يعيش على أرضه أكثر من مائة مليون مواطن.. يتابع كل هؤلاء والدنيا من حولنا ما قالوا عنه "الخصخصة" ككلمة لطيفة تشبه "بريسترويكا جورباتشوف".. ثم زعموا ضرورة "أبو صلاح الاقتصادي" وهو لفظ أطلقه مواطن بسيط على الإصلاح الاقتصادي, قائلا: "أنا باكرهه أبو صلاح الاقتصادي دة.. جاب لنا الفقر"!!.. ولما كان يوما حزينا سمعت فيه عن "استثمار" يزحف كالأفعى على "قناة السويس" عبر بوابة "مجلس النواب" الذى انتفض فيه عدد من النواب يصرخون من هول الصدمة تحت قبة البرلمان.. بحثت عن التفاصيل.. قرأت وسألت كثيرين.. فهمت حجم "المصيبة" ووصفها بأنها "كارثة" لا يعبر عن هول ما يحدث!!

 

كلامى يستفز "الكلاب المسعورة" الجاهزة لنهش كل صاحب عقل!!

 

لا يهم.. لأن الصمت فى هذه اللحظة "خيانة" بمعنى الكلمة, ورفض مناقشة الذين يختلفون "جريمة" لن يغفرها التاريخ ولا الأجيال القادمة.. أعرف من التاريخ أن "محمد فريد" الثرى إبن الأثرياء أنفق ما ورثه دفاعا عن حق مصر فى الاستقلال.. وأعرف أن الذى قام بتطبيق "الإصلاح الزراعى" كان واحدا من طبقة الإقطاع – سيد مرعى – ولا أنسى كفاح الدكتور "مصطفى الحفناوى" لأجل استعادة "قناة السويس" ودفع أثمانا فادحة.. دون أن يغيب عنى عشرات من الذين شاركوا فى بيع الوطن.. تكاثروا حتى أصبحوا آلاف.. وغير ذلك من تفاصيل واضحة أمام عينى.. بما فيها محاولة الانجليز عام 1910 "مد امتياز قناة السويس".. إعتقدوا وقتها أن مصر أصبحت جثة هامدة.. تملك جمعية تشريعية – برلمان – أغلبيته تبصم على ما يريد "المندوب السامى".. وتدير شئونها حكومة يرأسها "بطرس غالى" المبهور بالاستعمار.. ويتولى أمرها "الخديوى عباس الثانى" المشغول بالثروة والحياة اللذيذة.. كلهم "بصموا" على "مد امتياز قناة السويس" حتى عام 2008.. وكان سينتهى عام 1968.. وقتها طار عقل شاب مصرى – مسيحى – كما غيره من الشباب.. تصدى لاغتيال رئيس الوزراء – بطرس غالى – ليصاب الجميع بالذهول.. خاف "حسين كامل" وأصابه الرعب, وكان يشغل موقع رئيس الجمعية التشريعية واستقال من موقعه – فيما بعد عاد سلطانا على مصر – والمدهش أن ابنه "منصور" رفض أن يخلفه واعتذر عن أن يكون سلطانا على البلاد.. وبالمناسبة كان قصره هو مقر "وزارة الخارجية" القديم على النيل!!

 

أدرك الانجليز أن فتح هذا الملف يمكن أن يشعل البلاد نارا.. لأن الشعب الذى خدعوه بما أسموه "الاستثمار" بحفر "قناة السويس" ودفع فيها دما ودموعا لمئات الآلاف, يمكن أن يصحو من ثباته.. إعتبروا الموضوع سحابة صيف, وحسنا فعلوا لأنهم كانوا يعلمون أن نارا تحت الهشيم!! ثم كانت "ثورة 1919" التى تفجرت حين قال "وينجت" كمندوب سامى عن الشعب المصرى "أمة من العبيد" وهو القول الذى سمعه ورد عليه "سعد زغلول" و"على شعراوى" و"عبد العزيز فهمى" يوم أن ذهبوا إليه يطالبون بالاستقلال بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.. ثم خرجوا من عنده ليصرحوا بما حدث للصحف التى نشرت وقتها.. وعلم الشعب بكل التفاصيل.

 

كان حديث بيع "قناة السويس" و"سيناء" أهم أسباب ثورة "30 يونيو 2013" المفترى عليها!!.. كان حديث "الفساد" وانتقال "استبداد مبارك" إلى "استعباد" للشعب أهم أسباب "ثورة 25 يناير 2011" المفترى عليها.. لأن "التوريث" كان عنوان "عودة العبودية" بما لم يقبله شعب يمكن أن يتحمل ويصبر لدرجة لا يستوعبها عقل.. لكنه "بركان" ينفجر فى وجه كل من يستخف به وبقدراته!!
أدهشنى أن "خالد أبو بكر" المحامى الذى سخر من الرئيس وقال فى برنامج كان يقدمه: "رئيس الجمهورية سايب اسكندرية بتغرق.. وقاعد مع رئيس شركة سيمنس".. ورد عليه الرئيس بجملة واحدة: "مايصحش كدة".. خالد أبو بكر المحامى كان جالسا إلى جانب رئيس هيئة قناة السويس كمستشار له, ليوزع الابتسامات يمينا ويسارا والكاميرا لا تكذب.. ربما لأنه أصبح "عنوان المرحلة".. التى تعلى شأن "الرجل المناسب" وتضعه فى "المكان المناسب".. أما الذى "لا يناسب" فيتم إطلاق "الكلاب المسعورة" عليه!!

 

أنا مواطن لا يملك غير عقله.. والعقل يعرف أن ما قاله الرئيس خلال المؤتمر الاقتصادى: "الأشقاء والأصدقاء لا يرون لمصر نهوضا" كان حقيقة.. وعقلى يستوعب أننا على "حافة بركان" بسبب أزمة اقتصادية خانقة.. وكل ما ذكرته هدفه التأكيد على أن كل أزمة لها حلول.. إذا أردتم حلا راجعوا تجربة "محمد على".. حاولوا فهم ما فعله "بوتين".. أو ادرسوا "تجربة الصين".. ولا تلتفتوا إلى "ثورة عبد الناصر" الذى جعله كل من حكموا بعده عدوا لهم!!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات