نصر القفاص
تأخذنى نوبة ضحك كلما
سمعت كلمات من نوعية "ترند" و"هاشتاج".. بقدر ما أسمع "شفافية"
و"رقمنة" و"مصداقية".. إلى آخر الكلمات ذات المعنى.. لكننا
تعودنا لنحو نصف قرن, "هتك عرض الكلمات" ببراعة منذ أن صدعنا "صفوت
الشريف" بما أسماه "السيادة الإعلامية" و"الريادة الإعلامية"..
ليصبح أهم رجال "زمن مبارك" الذى استخدم لحن "البنية الأساسية"
ليفرضه علينا خلال السنوات الخمس الأولى فى سنين حكمه الطويلة.. ولما شعر بأن هذه
الأغنية تجاوزتها الأحداث, راح يقدم لحن "الإصلاح الاقتصادي" وأسند
توزيعه للدكتور "عاطف صدقى" ليتم إعادة توزيعه بأكثر من "نوتة
اقتصادية" قدمها "كمال الجنزورى" ثم "عاطف عبيد" وصولا
إلى "أحمد نظيف" حتى ثار الشعب من طول الصبر والملل!!
كان "أنور
السادات" هو "المبدع الأول" فى "هتك عرض الكلمات" منذ أن
قدم أغانى "مراكز القوى" وبعدها "الديمقراطية لها أنياب" ثم "الانفتاح
الاقتصادى" و"دولة العلم والإيمان" و"بطل الحرب والسلام"
فى إطار موسيقى "الرخاء والرفاهية" التى سرقت عقل "الشعب المصرى
الشقيق" حتى اكتشف أنها كانت سرابا, مازلنا نجرى خلفه املا فى اللحاق به!
بحثنا عن موسيقى
جديدة لنكتشف عودتنا إلى سراب "الرخاء والرفاهية" لأننا أردناه عبر "نوتة
أبو صلاح الاقتصادى" كما أسماه مواطن طيب, وقال لى: "جاب لنا الفقر"
ليتركنى فى حالة ضحك مكتوم خشية فهمه سخريتى مما قال!!
لا تشغلنى الكلمات
التى يشاغلنا بها "فقراء العقل والفكر".. لذلك لا أتوقف أمام حكايات "عامل
النظافة" و"خناقة رديئة بين مغنية وزوجها" و"أرجل الفراخ"
و"قانون الأحوال الشخصية".. وغيرها من الحكايات التى تستهلك الوقت
والأعصاب, مما يقدمه "إعلام سامسونج".. كإسم "دلع" لاختراع "السيادة
الإعلامية".. الذى تأكدنا أنه لا يختلف عن اختراع "المية الساقعة" فى
"الثلاجة" التى سترها صاحبها!
شغلتنى قضايا مهمة.. بينها
تعديلات دستور كنا قد اتفقنا عليه.. كما شغلتنى مسألة "عودة مجلس الشيوخ"
لأنه أكد أن "التوريث" أصبح منهج وليس فكرة.. وشغلتنى كذلك مسألة "إتفاق
القصد الجنائى" الذى أسفر عن "مجلس النواب".. لا أستغرب أنه وافق
على مشروع قانون "صندوق قناة السويس" من حيث المبدأ.. هنا وقعت الكارثة!!
سبق أن قال "أحمد
بهاء الدين" بحسم: "عندما يتحالف الجهل مع الفساد.. تقع الكارثة" وكانت
الكلمة عنده لها معنى ومغزى وقدسية.. قبل أن يصبح الكلام بلا معنى ولا مغزى, لدرجة
أن التسابق على الفوز بجائزة "الشرشوح الأكبر" تحول إلى أهم ما يشغلنا..
أحيانا لا أصدق أن ساذج يتألم عندما يتحدث عن حكاية "أرجل الفراخ" بأنها
تسئ إلى مصر وأبنائها العاملين بالخارج.. رغم أن "الساذج" يعلم أن مبتكر
الحكاية معهد التغذية التابع للدولة.. ويعلم أن الذى قام بالترويج لها هو إعلام
الدولة.. بل أن أحد مسئولى الدولة – وكيل وزارة التموين – أفزعنا بتأكيده على أن "الفضيحة"
حقيقة, لدرجة أنه جرؤ على القول بأن "أرجل الفراخ" ضمن ما نصدره إلى "الصين"
التى تعتبرها أكلة مفضلة.. وهذا الهراء تعرضه شاشات مملوكة للدولة, ونقله "الشرشوح
الأقصر" بدهشة فى لحظة ارتباك.. وبلغت "الوقاحة" ذروتها حين قدم
المعهد التابع للدولة صورة "مزورة" للنجم "كرستيانو رونالدو" أمام
طبق فيه "أرجل فراخ" بينما صاحب أعلى "جعورة" يفتى فى السياسة
والاقتصاد والفن, بقدر براعته فى الأكل على الهواء.. وقد يكون عنده الحق لأن
المالك "شوال الرز" الذى كشف عورات نجوم الرياضة والفن والإعلام فى مصر!!
كل ما سبق من أخطاء
وجرائم.. يهون ويمكن أن نصلحها أو نغفرها!!
مستحيل أن تغفر مصر
حكاية "صندوق قناة السويس" الذى وصفه الفريق "مهاب مميش" بأنه
"سرطان" بما هو معلوم عن هذا المرض الخبيث!!
كانت "قناة
السويس" فعلا "سرطان" دفعت مصر ثمن علاجه من حريتها واستقلالها.. تحملت
بسببها آلاما لعشرات السنوات.. جرف "السرطان" آلاف "الجثث" لمواطنين
شاركوا فى حفرها.. ماتوا دفاعا عنها لمقاومة الاحتلال الانجليزى.. حتى تعافى الوطن
يوم إعلان تأميمها, وتحول المرض الخبيث إلى أهم عناوين "العزة والكرامة"
وأصبحت تعطينا ما نستحقه من قيمة وثروة.. وأصبحت عنوان شرفنا الذى لا يجوز التفريط
فيه, ويستحيل الاقتراب منه عند الشرفاء!!
لا يعلم الذين ينظرون
إلى "قناة السويس" على أنها مجرد "ممر مائى" أن "الحملة
الفرنسية" جاءت إلى مصر من أجلها.. وقتها حدث خطأ فى التقدير, بأن أحد
البحرين – الأبيض والأحمر – أعلى منسوبا من الآخر.. وحين تم عرض هذه الدراسة على "نابليون"
قال: "هذه الفكرة سيأتى يوم تخرج إلى حيز الوجود"!! ذهبت جيوش الحملة
الفرنسية, وبقى رسلها من علماء وسماسرة.. أحاطوا بالحاكم "محمد على" من
كافة الاتجاهات.. نافسهم أقرانهم من الانجليز, وقت صراع الدولتين على التحكم
بمقادير العالم.. فهم الرجل أن المسألة تتعلق بأمر جلل وخطير.. سمع لفرنسى اسمه "لينان
بك" وكاد يمضى فى تنفيذه.. تراجع بعدها لأنه اشتم رائحة كريهة.. طارده بعدها"
موجيل بك" فأخذه إلى إنشاء "القناطر الخيرية" ومات قبل أن ينتهى
منها, وقال وقتها: "لا أريد أن يكون وادى النيل طريقا دوليا, لأننى أخشى أن
تكون هذه الترعة بسفورا جديدا"!!.. لإيمانه بأن مصر تختلف عن "تركيا
الحالية" و"الدولة العثمانية السابقة".. وفسر ذلك "جمال حمدان"
حين قال عن تركيا: "هى طاووس يمشى برجل دجاجة"!!
أشير إلى جذور
المسألة, لأننى أخذتنى الشفقة بالجالس على مقعد رئاسة "مجلس النواب" الذى
يعتقد أن "قناة السويس" هى "ممر مائى" لا يمكن المساس به.. ربما
لأنه لا يعلم أن الشروع فى حفر القناة فتح باب الاستدانة.. وبعد انتهاء حفرها
وافتتاحها, كانت مصر قد غرقت فى ظلمات الديون.. قام "دليسبس" الذى نجح
فى الفوز بتوقيع "سعيد باشا" على امتياز حفر القناة, باستدراجه مع
البلاد كلها إلى هذا المستنقع.. وكانت "فرنسا" قد عينته سفيرا لها فى
مصر, حتى ينجح فى الفوز بالفريسة – مصر – بعد أن زين للحاكم طريقها.. مات "سعيد"
وهو يدرك أنه اشترى "وهما" وجاء "إسماعيل" ليمارس ألوانا من
الذكاء المحدود.. انتهى به إلى أوهام العظمة, بعد أن جعلوه "خديوى" وسمحوا
له بأن يورث الحكم بعده لابنه "توفيق".. أرخوا له حبال الديون لتأخذه
إلى حيث غرق!!
غرق "إسماعيل"
وذهب إلى الجحيم على ظهر "المحروسة" مطرودا.. كما حملت حفيده "الولد
الذى حكم مصر" واسمه "فاروق".. والتفاصيل يشيب لها شعر الولدان.. يمكنك
أن تقرأها فى كتاب "تاريخ مصر" الذى ألفه "عمر الإسكندرى" و"سليم
حسن" وحققه "خالد أحمد خالد".. إضافة إلى مئات الكتب عن "قناة
السويس" صدرت بالعربية ولغات أخرى!!
لأنها "قناة
السويس" التى يعرف قيمتها وخطورتها العقلاء فقط!!
أحتاط "محمد على"
وتردد فى أن يبلع الطعم.. لأنه كان حاكما بحجم مصر!!
سقط ابنه "سعيد"
فى "الفخ" لسذاجته.. تذاكى حفيده "إسماعيل" فأخذوه إلى مصيدة "الديون"
لإدراكهم انشغاله بذاته, مع الإقرار بإنجازاته التى لا ينكرها واع.. وتحملها كتب
التاريخ, التى حكمت بما له وما عليه.. لكنه غادر مصر وتركها لابن ساذج – توفيق – وحركة
وطنية حاولت تحرير مصر من الاستعمار العثماني, لتجد نفسها فى مواجهة "إنجلترا"
و"فرنسا".. فيفوز الانجليز بالأرض – احتلالا – والفرنسيين بنفوذ وثروة "قناة
السويس".. وتركوا فتاتا للطليان واليونان والبلجيك, مع غيرهم من الذين يحدثك
الجهلاء بأنهم كانوا يعملون عندنا.. والحقيقة أنهم كانوا يتقاسمون أمرنا!!
ترك حفيد "إسماعيل"
الذى حكم مصر وعمره 17 عاما – عباس الثانى – أمر "قناة السويس" لمغامرين
مصريين, كان على رأسهم "بطرس غالى" وكادوا أن يوقعوا على تمديد امتياز
قناة السويس لأربعين عاما أخرى, قبل نهاية الامتياز بأكثر من نصف قرن.. رفع
الاستعمار الانجليزى "الراية البيضاء" خداعا بعد ثورة 1919 للحفاظ على "قناة
السويس" فقط.. لأنهم يعلمون أن القناة هى مفتاح مصر وروحها وشرفها!!.. ولما
كانت "ضربة المعلم" – عبد الناصر – بإعلان تأميمها.. جاء الاستعمار..
"جاب سلاحه.. وطياراته.. غواصاته ودباباته.. واعتدى علشان نسلم.. هو مين.. لأ
دة بعده.. هو اللى اتلقى وعده"..
كما قدمها بصوته "عبد
الحليم حافظ" من كلمات "أحمد شفيق كامل" وألحان "كمال الطويل"..
الأغنية الممنوعة فى إعلام "سامسونج".. وأرجوكم أن تسمعوها.. أنشروها.. وعنوانها
"حكاية شعب".. ستعرفوا أن "قناة السويس" هى "حكاية شعب"..
وليست "ممر مائى" أو شركة يجوز البكاء على بيعها, كما بكينا على "الحديد
والصلب" و"الكوك" و"المراجل" و"عمر افندى".. ومئات
الشركات والمصانع التى سرقت من بين أيدينا.. لمجرد أن "أبو صلاح الاقتصادي"
يلاعبنا بالثلاث ورقات فى "مولد الاستثمار" المنصوب منذ نصف قرن!!
صعب أن نستعيد حقنا
فى مياه النيل بعد "سد النهضة".. وصعب جدا أن نعيد بناء ما فرطنا فيه من
مصانع.. وصعب استعادة هيبة مصر.. لكنه ممكن.. أما ضياع قناة السويس, فهى المستحيل
بما تحمله الكلمة من معنى.. لذلك وصف الفريق "مهاب مميش" المساس بها
بأنه "سرطان" ظهرت علاماته فى "حكاية أرجل الفراخ" والبقية
تأتى!!
0 تعليقات