محمود جابر
الكتابة ليس فعلا
عبثيا يمارسه أصحاب هذه المهنة أو الهواة لإفراغ شحنة مكبوبة فى الفراغ، فحتما الكتابة
عمل يراد منه فعل شيء وتحريك طاقة معرفية فى محيط القارئ، والمتلقى من اجل دفعه
لانتهاج سلوك ما من هنا نقرأ فعل الكتابة سواء كان مقالا صحفيا أو فنا
من فنون الادب، او عملا بحثيا.
واليوم كتب عمرو
الزنط - أستاذ بالجامعة الأمريكية- مقالا بالمصرى اليوم تحت عنوان، "الهوية
وهروب الرؤوس والأموال..."
وبالنظر الى العنوان،
ومحتوى المقال وبقليل من التدبر والتأمل وفق ابسط الحقول التحليلية، نخرج بان
الكاتب يرى أن التمسك بالهوية والدم والوطن والقومية، وحتى التدين هو العامل الكبر
فى هروب رؤوس الأموال من مصر ...
وهذا يجعلنا نخرج من
دائرة تحليل مقال "الزنط" بأياد فارغة، من اى انتماء، ووقوع الكاتب وفق
منهج قراءته للواقع فى أخطاء معرفية وتاريخية وقع فيها لا اعرف عن عمد ام عن جهل
أو حتما عن سوء اطلاع، ولما لا فقد انتهج الكاتب منهج جامعى اعقاب السبارس فى
قراءته للواقع المصري، وهو يتحدث عن القومية التى وصفها بأنها ( زاعقة)... اى صوت
بلا مضمون ..
والكاتب يرى القومية
والقوميين كما يراهم غيره من أصحاب نظرية الليبرالية الجديدة بان القومية حالة
تعصب ضد التاريخ وضد التقدم، وبالرجع إلى ابسط ما يؤمن به القوميين نجد الأنشودة
التى كتبها فخرى البارودى الشاعر السورى وهو يقول لادُ العُربِ أوطاني
منَ الشّـامِ
لبغداد
ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ
إلى مِصـرَ فتطوانِ
فـلا حـدٌّ يباعدُنا
ولا ديـنٌ يفـرّقنا
فالقوميين لا يعرفون أفق
للتعاون والتشارك، ويكفينا شرف أن مصر القومية الناصرية هى التى أسست حركة عدم
الانحياز التى ضمت فى مؤتمر باندونج عام 1955 اكثر من (29) دولة من إفريقيا واسيا وأمريكا
اللاتنينة وآوبا، ومصر التى استطاعت أن تتعاون مع الصين والهند والاتحاد السوفيتى،
وكافة حركات التحرر، كانت حرة لم تتخلى عن هويتها ولا عن دينها ولكن تمسكها بالأرض
وبالقومية دفعها ان تكون دولة منتجة بنت أعظم مشاريع هندسية فى تاريخ القرن
العشرين من السد العالى الى النصر للسيارات الى الحديد والصلب الى كيما للكيماويات،
وما يزيد عن 1200 ما تبقى منهم الآن هم نصب أعين اؤلئك الذين لا يؤمنون بوطن و
بقومية..
فمصر القومية كانت مؤثرة
على الصعيد الاقليمى العربي والافريقى وعلى مستوى العالم اجمع، مصر القومية
استطاعت ان تسعى لحلم الوحدة وقبلها أخرجت انجلترا وفرنسا من مصاف الدول الأولى والإمبراطورية
التاريخية عبر حرب الكرامة فى 1956...
التمسك بالهوية يا
زنط يصنع وطنا ويصنع إنتاجا ويصنع استثمارا وطنيا حقيقيا، أما أصحاب نظرية دع يعمل
دع يبيع، فهم لم يصنعون ولم ينتجون وغاية
ما يصنعون يحولون الوطن إلى سلعة تباع وتشترى سواء عبر وسطاء أو أقلام أو سماسرة...
وما أكثرهم لو نظرت فى المرآة..
0 تعليقات