آخر الأخبار

ألمانيا تخلط الأوراق عمدا

 





عمر حلمي الغول

 

مازالت جمهورية ألمانيا الاتحادية تعاني من عقدة ولوثة النازية والهولوكوست. رغم انها دفعت منذ 75 عاما فاتورة عالية تعويضا عن جريمة النازية الهتلرية، التي لوثت تاريخ ألمانيا وشعبها، ومازالت تدفع لليوم أموالا بملايين الدولارات واليوروات لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية، ولأحفاد اليهود ضحايا المحرقة. كما ساهمت ألمانيا بقسط أساسي في بناء الاقتصاد الإسرائيلي، وأمدته بكل مقومات التطور والاستدامة كجزء من استحقاقات التعويض، وللتبرؤ من جرائم الهتلرية. لكن ألمانيا المسكونة بعقدة النقص، لم تحاول الفصل بين جرائم النازيين ومساعدة العائلات اليهودية المكلومة، وبين دولة نبتت بشكل شيطاني، وتأسست على ركيزة النازية ذاتها، وأنتجت الإرهاب والتطهير العرقي والعنصرية الوحشية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني حتى قبل قيامها، ومن خلال عشرات المجازر والمذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، ومنها "الهاجاناة" و"شتيرن" و"اتسيل" و"الارغون" "والبالماخ" ... الخ، والتي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي الصلبة، الذي اعتمد نظرية امنية محور رحاها الأساسي: قتل وطرد الفلسطيني على أساس الهوية الوطنية، ونهب ثرواته وارضه، وفرض الرواية الصهيونية المزورة، والتمييز في العمل والسكن والمدرسة وفي القانون والثقافة، وفي كل مناحي الحياة.

 

ولم تتوقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تشكيل أول حكومة في إسرائيل عام 1948 بزعامة ديفيد بن غوريون حتى الحكومة السادسة الراهنة بزعامة بنيامين نتنياهو عن ارتكاب الجرائم والمذابح وشن الحروب والاجتياحات وإقامة المستعمرات على أراضي أبناء الشعب الفلسطيني، وانتهاك القانون الدولي والاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير، وترفض خيار السلام جملة وتفصيلا.

 

ومع ذلك لم تحاول أي من الحكومات الألمانية اعتماد معايير واحدة، ووفق القوانين والمعاهدات الدولية، بل انتهجت ذات المعايير المزدوجة، التي انتهجها الغرب الرأسمالي الأميركي والأوروبي عموما، وكالت بمكيالين، وأغمضت العين عن مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني. وآخر خطايا ألمانيا إعلان الحكومة الاتحادية عن اعتماد "إستراتيجية وطنية" نشرتها في كتيب من 52 صفحة، حمل العنوان التالي "الاستراتيجية الوطنية ضد معاداة السامية ومن اجل الحياة اليهودية" وارفقتها بالتركيز على تاريخ وحاضر اليهود المعاصر في المانيا، والمسؤولية التاريخية عن المحرقة "الهولوكوست". وتضمن الكتيب بعض المظاهر التقليدية لمعاداة السامية وكيفية محاربتها. وبين الجملة والجملة اكدت حرصها المتكرر والممجوج والمبتذل على أمن ووجود إسرائيل بصفتها "ملاذا آمنا لليهود حول العالم"، واعتبرت ذلك جزء أساسي من أمن الدولة الألمانية، وتناست القيادة الألمانية، ان كل يهودي صهيوني يفد الى فلسطين، يأت على انقاض طرد فلسطيني من ارضه، وزيادة الانتهاكات وجرائم الحرب الوحشية لتحقيق غايتين الأولى ممارسة السادية النازية على الفلسطيني والثانية تنفيذ الترانسفير له. وعلى الرغم من ورود كلمة "إسرائيل" 39 مرة في الكتيب الأصفر، الا ان الذين صاغوه، شاؤوا عن سابق عمد وإصرار الخلط بين إسرائيل والصهيونية واليهود بهدف تضليل الشعب الألماني. 

 

ولم تقتصر خطايا المانيا على ما تقدم، وانما تم عقد مؤتمر لوزراء الداخلية الالمان في مطلع كانون 1 / ديسمبر 2022، الذي يضم كافة وزراء الداخلية في الولايات والمؤسسات الأمنية التابعة لها، والذي يجتمع بشكل دوري مرتين في كل عام، والهدف منه تبادل المعلومات وتعزيز التعاون فيما بين المشاركين في المؤتمر، وصدر عنه تقرير لمجموعة عمل امنية عملت على مدار اكثر من عام تحت عنوان "الحاجة الى العمل بسبب تزايد خطاب الكراهية المعادي للسامية والمناهض لإسرائيل على خلفية الصراع في الشرق الأوسط" ربط بين حماية الدستور و"الاستخبارات الداخلية" بالإضافة لمحاربة "معاداة السامية" على المستوى الاتحادي، ونسب التقرير ما يسمة معاداة السامية لمجموعات فلسطينية ويسارية وإسلامية بالإضافة لمجموعات يمينية متطرفة. هو ما يعكس التحريض المباشر على الفلسطينيين وكل من يدعم كفاحهم الوطني التحرري، ومن يدعم خيار السلام، ويرفض النازية الصهيونية وجرائم الحرب والمحارق الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

 

النتيجة التي تهدف الحكومة الألمانية الوصول اليها، أولا تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل النازية؛ ثانيا تقديم الدعم اللا مشروط في كافة المحافل الإقليمية والاممية وخاصة في هيئة الأمم المتحدة على حساب الحقوق الفلسطينية؛ ثالثا وقف تمويل المنظمات الفلسطينية والعربية وحتى الأممية التي تشكك في وجود إسرائيل، او التي تدعو لمقاطعتها، او تدعم ذلك؛ رابعا تجريم المواقف والتصريحات والرموز والرسوم والاعمال الفنية والثقافية بمختلف تلاوينها التي تستهدف أمن أو وجود إسرائيل المارقة والخارجة على القانون، ومنها الخرائط التاريخية لفلسطين قبل قيام دولة إسرائيل اللا شرعي، وحتى الهتافات التي تنادي بحرية واستقلال فلسطين من البحر الى النهر.

 

و حسب موقع "عرب 48" يوم الجمعة الموافق 30 /12/2022 فان المحامي الفلسطيني / الألماني، احمد عايد، المكلف من المبادرة الفلسطينية اليهودية (BT3P) رفع دعوى قضائية ضد البوندستاغ بسبب قراره المناهض لحركة المقاطعة (BDS)، واكد عابد، ان المبادرة نجحت بالطعن ضد القرار في عدة مدن المانية، واعتبرته مجرد بيان سياسي  صادر عن البرلمان، وليس قانونا ملزما، حتى ان محكمة شتوتغارت الإدارية أقرت مؤخرا، بأن حركة المقاطعة لا تشكل أي خطر على اليهود في المانيا، وان المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان قضت بأن تجريم حركة المقاطعة هو أمرً ممنوع وغير قانوني. وأضاف المحامي الفلسطيني الألماني "لم يعد لهذا أي علاقة بمكافحة معاداة السامية. بيد ان الحكومة الألمانية تعمل بشكل حثيث على دعم وحماية نظام الفصل العنصري في إسرائيل واستعمارها غير القانوني واللا شرعي.

 

كما واكد عابد ان الكتيب وما تضمنه مناف للدستور الألماني، الذي يحفظ حرية التعبير، كما انه ضد اتفاقية مناهضة الفصل العنصري التي تلتزم بها المانيا.

 

اذا الحكومة الاتحادية الألمانية لا تخرق دستور البلاد فقط، انما ترتكب انتهاكا فاضحا ضد قانون حقوق الانسان، وضد المعاهدات الأممية التي وقعت عليها، وتورط الشعب الألماني في معاداة حقوق الشعب العربي الفلسطيني والتنكر لمكانته التاريخية ولخيار السلام المستند لقرارات الشرعية الدولية، وتتعمد باصرار على دعم حكومة الفاشيين الجدد بزعامة بنيامين نتنياهو، وما صدور الكتيب الا للتغطية على تهافت الحكومة الاتحادية وتورطها في ارتكاب جريمة توازي من حيث تدري او لا تدري جريمة المحرقة الهتلرية. لانها تناصر الهتلريين الجدد، فهل تراجع حكومة المستشار شولتس نفسها، وتخرج نهائيا من دوامة عقدتها التاريخية، وتتبنى معايرا واحدا في التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتدعم خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.

إرسال تعليق

0 تعليقات