نصر القفاص
الأزمة الاقتصادية
التى تخنق مصر, أخف بكثير من تطاول وسفالة الذين يتحدثون عن تاريخها وشعبها
باستعراض جهلهم وغرورهم!!
نحن نعرف أن التاريخ
علم.. نعلم أن الجغرافيا علم.. ندرك أن الاقتصاد علم.. تعلمنا أن السياسة علم.. لأننا
أمة صنعت مجدها بالعلم.. كما أننا شعب يتصدق بالعلم على كل جاهل أملا فى أن يتعلم!!
كل هذه حقائق لا تقبل
قسمة على اثنين!
حكم مصر قادة لا
يعرفون القراءة والكتابة – محمد على باشا – وصنعوا معجزات.. رفعوا رايات هذا الوطن
عالية خفاقة حتى أعتاب "الإمبراطورية العثمانية".. وفوق أرض "الجزيرة
العربية" من أقصاها إلى أقصاها.. ترك لنا هذا الحاكم مانزهو ونفتخر به, كما
ترك لنا أيضا أولاده وأحفاده من الذين عاثوا على أرضنا – وبأرضنا – فسادا.. عبثوا
بمقدرات وطن اعتقدوا أنه ميراثهم.. رهنوه.. باعوه.. لاعتقادهم أنه مجرد قصور
يسكنونها, وثروات يبعثرونها.. دفع شعب مصر ثمن ذلك فادحا, حتى غسل يديه من خيانتهم
وعارهم!!
عادت مصر ترفع رايات "العزة
والكرامة" بعد أن حررها شبابها من الاستعمار البريطانى, الذى سرقها من
الاستعمار العثمانى.. رفعت مصر رأسها, وحرصت أن ترفع الشعوب الراغبة فى التحرر رؤسها..
ويشهد على ذلك التاريخ الذى لا يمكن ذبحه "بساطور" أو تقطيعه "بمنشار"..
أو بشراء ذمم الذين ماتت كلماتهم لأن ضمائرهم ماتت!!
مصر "محمد على"
هى التى ننشدها.. لأنها مصر "أهرام الجيزة" وما قبلها وما بعدها!!
مصر "عبد الناصر"
هى التى نفخر بها.. لأنها "السد العالى" وتأميم قناة السويس!!
نحن نعلم أن "محمد
على" إنتصر وانهزم.. نعرف أن "عبد الناصر" إنتصر وانهزم.. لكننا
كنا – ومازلنا – نحترم تجربة كل منهما.. نقدر عطاءهما وما تعرضنا له من مؤامرات, كان
الوطن هو المستهدف بها.. ونعلم أن بعض حكامنا أقل شأنا بكثير من حجم الوطن والشعب!!
حكم "محمد على" مصر
على قاعدة "رفض الاستدانة" مؤمنا بأنه لا يجوز التورط فى مشروعات, تفوق
أعباؤها إيرادات البلاد.. أسس لسياسة "التنمية المستقلة" فحقق الاكتفاء
الذاتى من الغذاء.. إتجه بعدها إلى التصنيع على ضفاف الجيش الذى جعله "درع
وسيف" بمعنى الكلمة!!
كان يؤمن بأن قرار
مصر لا يمكن.. ولا يجب أن يكون رهينة, أو محل مساومة.. إمتلك ما يصدره إلى أوروبا –
القطن – وحدد ما يستورده من أساسيات, مع تجنب بريق سلع الرفاهية.. إهتم بالتعليم
الذى كان عنوانه "رفاعة الطهطاوى" و"على مبارك" وجعل الصحة
على رأس أولوياته وشهد بذلك "كلوت بك" الذى بقى بعده "القصر العينى"..
وأقام السدود مع حرصه على تأمين "نهر النيل" باعتباره يهب مصر حياتها.. حدث
أن "محمد على" إحتاج عام 1833 إلى المال لتمويل حملته إلى سوريا – يسمونها
حاليا مغامرة عسكرية – تدفقت عليه عروض تقديم القروض.. طالبه الذين يعرضون عليه
المال تخصيص إيرادات بعض المديريات لضمان السداد.. كان رده حاسما.. صارما.. بالرفض
حتى وإن تأخر فى دفع رواتب موظفيه!!
قل فى "زمن محمد
على" ما شئت فخرا أو رفضا!!
لا يمكن أن ننكر عليه
إعلانه أن: "التبعية تحدث عندما تضعف قدرة الدولة على التفاوض.. وإذا رضخت
للابتزاز من خارجها".. واعتبر ذلك مبدأ.. منهج حكم.. لا يقدر عليه سوى أصحاب
الإرادة الذين يحترمون أوطانهم.. وهنا يقول لنا بوضوح "جلال أمين" فى
كتابه "قصة الاقتصاد المصرى" الذى تم دفنه: "كانت مصر فى عهد محمد
على, كما كانت فى عهد عبد الناصر.. لأن كليهما كان يدرك أن الذى يتحكم فى درجة
الاعتماد على القروض.. ليس فقط حاجتك للاقتراض.. ولا مدى رعونتك أو حكمتك فى إدارة
شئون البلاد.. لكنه يتعلق بمدى تلهف من يعرض عليك القروض, لكى تتورط فى الديون"!!
تسلم "محمد على"
دفة حكم مصر, فى لحظة شديدة القتامة والكآبة..
كان الوطن ممزق إلى
أربع أقاليم يتحكم فى كل منها "الخليفة", عبر "الوالى" الذى
يعاونه "ديوان" وظيفة أعضائه أن يبصموا للوالى على ما يريد.. يمارسون
وظيفة "هز الرأس" بالموافقة مقابل أموال لا يستحقونها.. ويحمى الوالى
أولئك "المماليك" الذين يدافعون عن كل من يدفع لهم أكثر!!
لا يوجد فى تاريخ هذه
الفترة أى إشارة إلى أن "محمد على" قال للشعب: "لقد ورثت تركة
ثقيلة.. أو مهلهلة"!!.. لأن هذه كانت الحقيقة المجردة التى وافق على حكم مصر
فى ظلها.. فرضت عليه "دولة الخلافة" أن يذهب إلى "الجزيرة العربية"
لمواجهة "الوهابية" بعد أن عجزت عن ردعها.. بدأ مشوار هذه "المغامرة
العسكرية" حسب التوصيف المعاصر.. بما نسميه "مذبحة القلعة" لكى
يتخلص من "الطابور الخامس" فى الداخل.. تحرك لإنجاز المهمة المفروضة
عليه.. دفعت فيها مصر أرواح آلاف من أبنائها.. دفعت ثروات وأموال طائلة, لسبع
سنوات شهدت هزائم كما حققت انتصارات.. انتهت بأن رفع رايات مصر على أرض "الجزيرة
العربية" بعد أن اقتحم "الدرعية" وأخضع الذين يتحصنون فيها.. أمتد
نفوذه وسيطرته حتى ساحل "سلطنة عمان" فقدم للجميع الأمن والغذاء مع
العلم والمعرفة!!
يذكر التاريخ أن "زمن
محمد على" شهد استعادة مصر وعيها وقوتها, بعد مئات السنين من الضعف.. لكنها
كانت مصر القادرة على أن تزأر, عندما يراهن السفهاء على احتقارها!! دون أن نخوض فى
تفاصيل تحملها مئات الكتب التى تنطق بالحقائق.. والحقيقة لا يمكن أن تموت "بساطور"
أو يتم إخفاء معالمها "بمنشار".. كما يعتقد نفر من "المغامرين"
الذين ذاقوا مرارة السجون لمجرد أنهم حاولوا التفكير..
ولأننى أعرف "تركى
الحمد" وغيره, وأقدر لهم أنهم يقرأون ويكتبون.. أرفض الذهاب إلى ما يمارسونه
من انتحال وظيفة "ساعى البريد" بتوصيل رسائل الذين تلطخ الدماء أياديهم
وجلابيبهم!!
قضيتى هى مصر وشعبها!!
لا أدافع عن رئيس
حكمها.. لكننى أعرف تاريخها وأضعه تاجا على رأسى!
إذا كانت مصر قد هانت
على نفر يحملون جنسيتها, فهذا ليس جديدا علينا.. لأننا وطن قدم "طومان باى"
الذى أنفقوا الملايين لتقديم سيرته فى عمل درامى.. ونحن أيضا الوطن الذى خرج عنه "خاير
بك" الذى انتهى ذليلا, وما بقى منه فى يقين شعبنا وصفه, "خاين بك"..
فهى طريقتنا فى لعن الذين لا يعرفون قيمة وطننا.. ونحن الوطن الذى خرج منه "أحمد
عرابى" ليبقى علما, كما خرج عنه "على خنفس" الذى تواطأ مع دليسبس
والانجليز.. كما أننا وطن "عبد الناصر" الذى حرر مصر وكثير من شعوب
المنطقة.. الذى أعلن تأميم قناة السويس وشيد السد العالى.. واستضاف "الملك
سعود" لاجئا فى مصر, رغم مؤامرته لتدمير الوحيدة بين مصر وسوريا.. التى كشفها
"عبد الناصر" فى خطاب على الهواء.. فاضطر مجلس العائلة السعودية
الاجتماع وأخذ القرار بإبعاده وتنصيب "فيصل ابن عبد العزيز"..
والتفاصيل يعلمها
جيدا "تركى الحمد" وغيره لأنهم درسوا فى أمريكا التى تحمل وثائقها حقيقة
ما حدث!
ويبقى.. ما حدث بعد "محمد
على" فى زمن أولاده وأحفاده.. ولأن القضية هى الديون.. فسأعيد قراءة تاريخ
الديون فى مصر, لإنعاش ذاكرة "تركى الحمد" وغيره!!
0 تعليقات