عمر حلمي الغول
لا اعتقد ان من استمع لردود الفعل الأميركية على العملية الفدائية
البطولية، التي نفذها الشهيد خيري علقم ضد المستعمرين في مستعمرة النبي يعقوب،
المقامة على أراضي العاصمة الفلسطينية الأبدية المحتلة، القدس يوم الجمعة الماضي
الموافق 27 يناير الحالي إستغرب الموقف الاميركي، او تفاجأ به، العكس صحيح. لان من
يعرف طبيعة العلاقات الاستراتيجية بين زعيمة الغرب الرأسمالي، احد الأقطاب المؤسسة
لدولة المشروع الصهيوني الفاشية، الدولة اللقيطة يعي الخلفية السياسية والاقتصادية
والأمنية الناظمة للخطاب الأميركي تجاه الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية،
التي يسعى الاميركيون إلى تقزيمها الى ابعد الحدود، إن لم يكن تبديدها كليا تساوقا
مع اهداف ومخططات الحركة الصهيونية ودولتها المارقة والخارجة على القانون، التي هي
اهداف الغرب عموما وأميركا خصوصا.
لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة لا تتورع في قول الشيء ونقيضه، تتحدث عن
السلام، والتمسك بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وترفض
الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتصف منظمة التحرير الفلسطينية، كمنظمة "إرهابية"،
ولم ترفعها حتى الان من قوائم الإرهاب، حتى تبقى سيفا على رقاب الشعب الفلسطيني
وممثله الشرعي والوحيد. ولم تحاول يوما منذ اتفاقات أوسلو في العام 1993، التي
وقعت في البيت الابيض إدانة جرائم الحرب الإسرائيلية المتواصلة، لا العكس صحيح،
قامت بشكل مثابر ودائم بتبرير تلك الجرائم، والمجازر ضد أبناء الشعب العربي
الفلسطيني.
وهذا ما لمسناه بعد دقائق من تنفيذ العملية الفدائية النوعية، التي نفذها
الشهيد خيري علقم بعد ان بلغ السيل الزبى من جرائم دولة التطهير العرقي
الإسرائيلية، والتي كان اخرها مجزرة جنين يوم الخميس الفائت، قبيل عمليته ب24
ساعة، حيث اعتبرتها (المجزرة) الإدارة الأميركية بلسان الناطق باسم وزارة
الخارجية، نيد برايس، بانها "عملية لمكافحة "الإرهاب" قادتها قوات
الإرهاب المنظم الإسرائيلية. وهو ما يعني التبرير الذرائعي للحكومة الفاشية بقيادة
نتنياهو لمواصلة خيار المجزرة، وإرهاب الدولة المنظم، والتغطية عليها، وتامين
الحماية لها من عقاب المجتمع الدولي، وحرمان أبناء الشعب الفلسطيني من حق الدفاع
عن انفسهم.
ولم تفصل دقائق بين عملية الشهيد خير ابن القدس العاصمة واتصال الرئيس
الأميركي بايدن مع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، الذي اوضحه بيان رسمي عن
البيت الأبيض، جاء فيه، إنهما ناقشا "الهجوم "الإرهابي المروع" الذي
وقع الليلة (ليلة الجمعة السبت الماضية) في القدس. وأوضح بايدن أن "هذا يعد
هجوما على العالم المتحضر." كما عرض تقديم جميع وسائل الدعم المناسبة لحكومة
إسرائيل الفاشية، ولم ينس التشديد على إلتزام اميركا الصارم بأمن إسرائيل.
وقبل ان أورد بعض ردود الفعل الأخرى، اسأل الرئيس بايدن، عن أي عالم متحضر
يتحدث؟ هل إسرائيل اللقيطة واللا شرعية دولة متحضرة؟ وهل رفض السلام، وتصفية
القضية الفلسطينية وارتكاب سلسلة متواصلة من جرائم الحرب والمذابح ضد الفلسطينيين،
هو عنوان التحضر؟ والا يعكس ذلك، تماهي ادارتكم مع تلك الجرائم والمذابح؟ وكيف
يمكنك التوفيق بين اتهام أبناء الشعب العربي الفلسطيني الواقع تحت نير الاستعمار،
والمدافع عن الحد الأدنى من حقوقه ب"ارتكاب اعمال إرهابية"، وفي الوقت
نفسه تبرر بذرائعية وقحة مجازر الفاشيين الاستعماريين؟ وهل يستقيم ذلك مع حديث ومواقف
الإدارات الأميركية المتعاقبة عن تمسكها ب"خيار" حل الدولتين على حدود
الرابع من حزيران عام 1967؟ والاسئلة كثيرة ومرة التي يمكن طرحها على صناع القرار
في البيت الأبيض.
وكان جيك سوليفان، مستشار الامن القومي الأميركي، ووليم بيرنز، مسؤول ال CIA، وباربرا
ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركية، ووزير الخارجية بلينكن نفسه، وباقي اركان
الإدارة جن جنونهم من اعلان القيادة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني، وحجوا
للمنطقة، واجروا الاتصالات المكثفة مع عدد من اركان القيادة الفلسطيني لثنيها عن
هذا الخيار، لانه حسب باربرا ليف، بلا فائدة او مغزى؛ وكذلك مناشدات المنظمات
الأممية دون جدوى، وفي ذات الوقت، لم يشجب او يدين أي من الاميركيين المجزرة
الوحشية الإسرائيلية في مخيم جنين، لا بل دافعوا عنها، وبرروها، وتبنوا بالنص
الرواية الإسرائيلية الكاذبة. وكان لسان حالهم، عليكم ان تموتوا بصمت، ولا يجوز
لكم الصراخ، او قول "اخ"، لإن سفك دمكم "حلال"، و"مشروع"،
ولا يحق لكم الدفاع عن النفس مهما كانت بشاعة ووحشية جرائم النازية الصهيونية.
وندبوا وصرخوا باعلى صوتهم بعد الإعلان عن خبر عملية القدس البطولية في
مستعمرة النبي يعقوب، ووصفوها بابشع الصفات، التي تليق بهم جميعا من المقيم في
البيت الأبيض إلى آخر جوقة الإدارة الديمقراطية الداعمة لفاشية حكومة نتنياهو
السادسة، وكأن عملية الشهيد علقم جاءت لتعري حقيقة إدارة رعاة البقر الأميركيين. وهو
ما يؤكد ان اميركا الرسمية شريك أساسي في جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وهي
راعية إرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، وليست راعية سلام نهائيا.
0 تعليقات