نصر القفاص
ظنى – وليس كل الظن
إثم – أن مناقشة مرضى "فائض الثروة" تستحق التحريم!!
الجاهل يتكلم.. قد
يعرف القراءة السطحية.. يمكنه أن يكتب ما يصيبك بالقرف.. وقد تضطر للرد عليه, لتهدئة
خواطر نحترمها ونقدرها تمثل أغلبية ساحقة من الشعب المصرى.. ربما لأن هذه الأغلبية
لم تلتفت بالتدقيق فى "عيال أمريكا" من "خدم الملكية والاستعمار"
الذين أصبحوا فى حالة نشاط هذه الأيام. داخل مصر وخارجها!!
فى مذكرات "حلمى
سلام" ما يستحق أن نتوقف عنده ونتأمله!!
يقول: "كنت أجلس
مع جمال عبد الناصر فى صالون منزله.. كان ثالثنا فى الجلسة البكباشى عبد الرحمن
أمين، وكان يشغل منصب السكرتير العام للاتحاد الرياضي العسكري.. تنقل بنا الحديث
فى مواضيع شتى.. أنتهز عبد الرحمن أمين فرصة توقف الحديث للحظة، وباغت عبد الناصر
بسؤال: موش آن الآوان ياريس، علشان تخلصنا من تماثيل أسرة محمد على اللى مالية
الميادين؟!.. ركز عبد الناصر عينيه الحادتين على وجه عبد الرحمن أمين، وسأله: زى
مين يا عبد الرحمن؟! قال: زى إبراهيم باشا مثلا!!
وما إن سمع عبد
الناصر اسم إبراهيم باشا، حتى قفزت الدهشة فاحتلت مساحة وجهه كله.. راح يهز رأسه
الكبير يمينا ويسارا، قبل أن يقول: مؤكد يا عبد الرحمن أنت طول عمرك ما قريت تاريخ..
قال عبد الرحمن: ليه بس ياريس؟!
فقال عبد الناصر: لأنك
لو قريت تاريخ ماكنتش فكرت أبدا إنك تطالبنى بإزالة تمثال إبراهيم باشا.. إزاى يا
عبد الرحمن تبقى راجل عسكرى، وما تعرفش إن أمجاد الجيش المصرى مرتبطة باسم إبراهيم
باشا اللى انت عايزنى أهد تمثاله.. حتى محمد على نفسه مستحيل إنكار دوره الضخم فى
بناء مصر الحديثة، رغم المظالم اللى أصابت جموع الشعب وخصوصا الفلاحين على إيده"!!
أعتقد جازما أن الذى
يشار إليه بأنه "حامل دكتوراه" قبل اسمه "تركى الحمد" وكذا
قرينه "خالد الدخيل".. وكليهما يستمتع بوظيفة "ساعى البريد" لتوصيل
رسائل من سيدهما!! ومقصود توصيلها للعنوان الخطأ.. فهما يخاطبان الشعب المصرى، مع
أن المرسل إليه معلوم بالضرورة!! لأنهما يعرفان جيدا تاريخ "محمد على" والقائد
"إبراهيم باشا" وما فعلاه فى لحظات ضعف مصر.. قبل أن تكتمل قوتها.. ويعرفان
معنى اسم "جمال عبد الناصر" الذى تكلموا بعد رحيله!!
هناك خط فاصل.. واضح..
بين "محمد على" وابنه "إبراهيم".. وبين الذين حكموا مصر
بعدهما.. لأن الحاكم الذى يتحمل المسئولية، لا
علاقة له بحاكم يعبث بمقدرات وطنه.. ونحن نعلم أن أسرة "محمد على" بداية
من "عباس الأول" وانتهاء "بالولد الذى حكم مصر" واسمه "فاروق"
فرطوا فى أمانة الأب والجد – محمد على – كما فرط الذين حكموا مصر فى أمانة "عبد
الناصر" واختاروا الابتعاد عن "ثورة 23 يوليو 1952" التى انتهت
برحيل قائدها وزعيمها!!
رفض "محمد على"
السقوط فى "مصيدة الديون" بحسم!!
رفض "عبد الناصر"
فكرة ومنهج "مصيدة الديون" بصرامة ووعى!!
حكم مصر بعد "محمد
على" رجلا لا يتذكر التاريخ له،
غير أن "غلمانه" قتلوه
– عباس الأول – وأنه أنجز فقط موافقته على إنشاء أول خط للسكة الحديد فى تاريخ
البلاد.. ولا ينسى التاريخ أنه كان عدو العلم والعلماء.. فقد أقدم على إبعاد "رفاعة
الطهطاوى" إلى السودان ومعه جمع من العلماء.. مات أغلبهم قهرا هناك!!
ثم حكم "سعيد باشا" الذى سلم نفسه مع
البلاد إلى "دليسبس" ليمنحه ترخيص حفر قناة السويس.. ثم استجاب لنصيحته
بالاقتراض من البنوك الأوروبية، التى كانت قد جاءت إلى الإسكندرية.. تورط "سعيد
باشا" فى أذون خزانة تتراوح مدتها بين ستة أشهر وثلاث سنوات.. حاسبوه على سعر
فائدة بين 15% و18% وقت أن كان سعر الفائدة لا يتجاوز 7% فى كافة البنوك.. لجأ "سعيد
باشا" لأول قرض فى تاريخ مصر الحديث عام 1860 من بنك فرنسى.. كان القرض باسمه
وليس باسم الحكومة.. قيمته كانت 1,2 مليون جنيه استرلينى.. أعجبته اللعبة فذهب إلى
الاقتراض باسم الحكومة المصرية عام 1862 من بنك المانى، بقيمة 2,5 مليون استرلينى وسعر فائدة 11% بضمان
ضريبة الأطيان على أراضى الدلتا.. أعطوه القرض على ثلاثين عاما، ليصل إلى 8,2 مليون جنيه استرلينى وقت انتهاء
موعد سداده!!
من هنا بدأت لعبة "رهن
إرادة الوطن" مقابل الديون!!
مات "سعيد باشا"
عام 1863 لتجد مصر أن عليها سداد 8 مليون استرلينى كقيمة قرض طويل الأجل.. ثم
اكتشفت توقيعه على قرض قيمته مليون استرلينى لمدة ثلاث سنوات, غير 9 مليون
استرلينى كقروض قصيرة الأجل.. أى أنه مات وترك مصر مديونة بمبلغ 18 مليون استرلينى,
بما يعادل خمسة أضعاف إيرادات الحكومة المصرية!!
السقوط فى "مصيدة
الديون" يعنى إهمال الزراعة والصناعة!!
هكذا فعل "سعيد
باشا" الذى انخفض تصدير السكر فى عهده.. لم يضف مصنعا ذا قيمة.. عالج إهماله
للزراعة بتخفيض عبء الضرائب على الفلاحين.. رفض الإنفاق على الجيش.. بل ذهب إلى
توظيفه فى حفر قناة السويس, بأن خفض مدة الخدمة العسكرية ليخرج الجنود للعمل فى "سخرة"
الحفر.. استخدم الجيش فى مجاملة السلطان.. أرسل وحدات منه للحرب فى "القرم"
و"المكسيك" لينال رضاه, ويكسب ود صديقه "نابليون الثالث" كما
كان يعتقد.. إنشغل بشراء سلع رفاهية.. فأصبح المعروض عليه من الديون كثيرا!!
قانون "مصيدة
الديون" يؤكد أن نهايته فقدان الدولة مناعتها!!
الدول الدائنة لا
تهمها قيمة ما تقدمه من ديون.. يهمها بالدرجة الأولى أن تدمن الدولة المستهدفة هذا
النوع من المخدرات.. لأن الذى يقدم الديون يملك "فائض ثروة" يبحث عن
أعلى ربح.. أطماعه تجعله يفكر فى السيطرة على وطن, بدلا من نهب ثرواته!!
يستفيد من الديون
حاكم مثل "سعيد باشا" والذين حكموا بعده.. يستفيد – أيضا – كل انتهازى
أو لص يحترف خداع الحاكم ونفاقه.. يتكاثر حوله كل من يفاخر بوظيفة "متطفل"..
ويسعده أن يسخر منه الناس بأنه "منافق" حتى صار "النفاق" مهنة
تطورت لتصبح "مطبلاتى" فى العصر الحديث!!
التاريخ يكرر نفسه مع
الذين يسخرون من التاريخ!!
يعلم "تركى
الحمد" وقرينه "خالد الدخيل" أن وظيفتهما مع أقرانهما عندنا فى مصر، لها نصيب من "شوال الرز" يعوضهم عن
أيام وشهور السجن عندما يتجرأون على التفكير.. كل منهما سمع "ترامب" ساخرا
من حكام بلدهما.. كل منهما شاهد – كما شاهدنا – سيدهما ساجدا يقبل قدم الذى أطاح
به فيما بعد!!.. هذه حقائق لا يمكن قتلها "بالساطور" أو تقطيعها "بالمنشار"!!
ونحن نعلم أن مصر
حكمها سذج وصغار.. ونعتز بأننا نمارس "النرجسية" بما نملك من حضارة.. نزهو
بحكام نحترمهم من أمثال "محمد على" وابنه "إبراهيم" وبالقدر
نفسه نعتز بالزعيم "جمال عبد الناصر" وكل منهم جرح غائر فى عقلكم الباطن
لأسباب يصعب نسيانها أو شطبها من الذاكرة!!
0 تعليقات