عمر حلمي الغول
من المعروف ان
الإدارات الاميركية ترسل وفودها على مختلف المستويات السياسية والأمنية العسكرية
لأقاليم وقارات العالم وفقا لمصالحها الحيوية، وتتضاعف او تنخفض زيارات المسؤولين
الاميركيون ارتباطا بمدى تعرض تلك المصالح للخطر، وبالتالي زيادة وسرعة زيارات
المسؤولون الاميركيون للمنطقة لم تكن شكلية، او لمجرد الاستعراض، إنما حكمتها
أهداف وغايات محددة تصب في صلب خططها الاستراتيجية والتكتيكية، منها، أولًا ضبط
إيقاع المشهد الفلسطيني الاسرائيلي، وعدم خروجه عن السقف الافتراضي المقبول للإدارة
الاميركية؛ ثانيا دعم دولة الاستعمار الاسرائيلية، والتأكيد على اولوية وعمق
العلاقات الاستراتيجية معها؛ ثالثا الضغط على القيادة الفلسطينية لعدم مغادرة مربع
الانتظار والمراوحة في المكان، والتعامل مع جرائم الحكومة الاسرائيلية بصمت وسكينة
ودون ردود فعل، او حتى قول اخ؛ رابعا تقديم رشوة من فتات المساعدات المتواضعة
للقيادة الفلسطينية لتهدئ من خواطرها، مثال من لقاء بلينكن مع الرئيس محمود عباس
اول امس الثلاثاء الموافق ٣١ يناير الماضي، حيث أعلن عن تقديم خمسين مليون دولار
لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين؛ خامسا الدفع بحلفائها من أهل النظام العربي للضغط على
القيادة الفلسطينية لالغاء أية قرارات تتعارض مع مصالح الدولة الاسرائيلية الخارجة
على القانون، او تمس المصالح الحيوية الاميركية..
اذا زيارات كل من جيك
سوليفان، مستشار الامن القومي الاميركي، ووليم بيرنز، رئيس جهاز آل CIA،
وبلينكن، وزير الخارجية للمنطقة لم تحمل جديدًا باي معيار من المعايير السياسية او
القانونية، وهذا ما اكدته مواقفهم المعلنة الداعمة للدولة اللقيطة وحكومتها
الفاشية، ومارسوا الضغوط المباشرة وغير المباشرة على الرئيس ابو مازن خصوصًا
والقيادة الفلسطينية عموما.
لكن قيادة منظمة
التحرير الفلسطينية لم ترضخ، ولم تتراجع عن قراراتها وتوجهاتها الوطنية. لانها
انتظرت ٣٠ عاما، ولم تحصد سوى التسويف والمماطلة من الإدارات الاميركية المتعاقبة
وربيبتهم اللا شرعية اسرائيل، ليس هذا فحسب، إنما ذهبت اسرائيل بعيدا في غطرستها
ونازيتها، وتنكرها لخيار السلام الممكن والمقبول، وسنت القوانين وخاصة قانون
القومية الأساس للدولة اليهودية الصادر في تموز / يوليو ٢٠١٨ الذي انكر من حيث
المبدأ حق تقرير المصير الشعب العربي الفلسطيني على ارض وطنه الأم، فضلًا عن اتساع
نطاق جرائم حربها على الشعب الفلسطيني، وتعميق الاستيطان الاستعماري على اراضي
الدولة الفلسطينية المحتلة في الخامس من حزيران ١٩٦٧ عمومًا والقدس العاصمة خصوصا،
وغيرها من الانتهاكات والجرائم التي تتناقض مع القانون الدولي، والنتيجة الماثلة
للعيان، كلما تمادت اسرائيل في فاشيتها وعنصريتها وحربها على الفلسطينيين الآمنين
والسلام في آن، كلما توسع وزاد وتعمق الدعم الاميركي لها، بغض النظر عن الادارة
الحاكمة جمهورية ام ديمقراطية، وأي كانت طبيعة الجكومة الحاكمة في اسرائيل، وهو ما
يكشف زيف المواقف الاميركية المتكررة الداعية للسلام. لانها ترفض من حيث المبدأ الإقرار
بالحقوق الفلسطينية، وترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتضغط على دول العالم
لمحاصرة التوجهات الفلسطينية المنادية برفع مكانة الدولة الفلسطينية لدولة كاملة
العضوية، ليس هذا فحسب بل انها ترفض مجرد انضمام دولة فلسطين للمنظمات الأممية ...الخ
وعليه فإن زيارة
بلينكن لرام الله ولقائه الرئيس عباس لم يحمل جديدًا للفلسطينيين سوى الضغوط
والابتزاز وتكرار المفاهيم الجوفاء والتي تصب في مصلحة دولة المشروع الصهيوني،
وبالتالي جاء خالي الوفاض، ولم تكتشف القيادة الفلسطينية المعادلة الاميركية
وعلاقتها مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، لا بل عمقت دروسها المستفادة من تجربة
العقود الثلاثة الماضية.
ورغم ذلك أكدت
القيادة ممثلة بشخص الرئيس ابو مازن استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة ان
كانت معنية بتكريس خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧،
والضغط على إسرائيل وحكومتها الارهابية لوقف جرائمها وانتهاكاتها احادية الجانب،
وان كانت مستعدة لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وعقد المؤتمر الدولي
برعاية دولية والملزم لاسرائيل الفاشية، دون ذلك لم يعد مقبولا من القيادة والشعب
الفلسطيني.
0 تعليقات