نصر القفاص
يختلف اقتصاد الدول
عن اقتصاد الشركات!!
حسابات "رجال
المال" تأخذ اتجاه عكسى لحسابات "رجال السياسة".. لأن الذين يلعبون
بالمال يفكرون فى أنفسهم فقط.. أما الذين يديرون السياسة, ستجدهم يحملون هموم
مجتمع ويحلمون برفاهية شعب!!
نظرة "رجال المال" يجوز
وصفها بأنها "إنتهازية".. ونظرة "رجال السياسة" هدفها المصلحة
العامة.. وإذا تحكم "رجل المال" فى سلطة سيأخذ شعبه إلى الهاوية.. ولو
انشغل "رجل السياسة" بالثروة سيسقط فى حضيض الفساد!!
يبقى "برج
الجزيرة" عنوانا ومفتاحا لفهم معان كثيرة.. فهذا البرج تم بناؤه ليبقى:
"شاهدا على حماقة المخابرات المركزية الأمريكية".. وهى جملة كانت محفورة
على الجدران فى مدخل البرج.. ولا أعرف إذا كانت مازالت موجودة أو تمت إزالتها!!.. حين
حاولت المخابرات الأمريكية اختبار نظافة يد حاكم.. فأرسلت له ثلاثة ملايين دولار
على سبيل الرشوة.. كان رد "عبد الناصر" على هذا الانحطاط, ببناء "برج
الجزيرة" بهذه الأموال.. واختار مكانه بعناية.. فجعله تجاه "مركز شباب
الجزيرة" الذى اقتطعه من "نادى الجزيرة" ليكون متنفسا لأبناء
الفقراء.. مجاورا لمكان ترفيه الأثرياء.. فى قلب جزيرة الزمالك التى كان لا يقربها
غير "خدم الملكية والاستعمار"!! وكل ذلك يفسر سعادة الرئيس الروسى "بوتين"
بتناول العشاء فى "برج الجزيرة" يوم أن زار مصر بعد "ثورة 30 يونيو"
كفرصة ضائعة.. كما "ثورة 25 يناير" التى جعلوها فرصة ضائعة على الوطن!!
كانت "ثورة 23
يوليو 1952" تمثل أعظم انتصارات مصر فى العصر الحديث.. أقامت "الجمهورية
الأولى" التى انتهت برحيل قائدها وزعيمها – جمال عبد الناصر – نهضة صناعية
وزراعية وثقافية واجتماعية.. إستمرت عمليات هدمها منذ أن أطلت "الجمهورية
الثانية" التى عاشت طويلا لأنها نالت "الرضا الأمريكى" لقبولها التورط
فى "الديون".. ثم اعتمادها كأسلوب حكم ومنهج اقتصاد!!
عاش "عبد الناصر"
52 عاما.. وغاب منذ فترة تساويهم!!
حكم مصر بعده 5 رؤساء
ومجلس عسكرى لفترة انتقالية.. كلهم لم يكفوا عن الزعم بأن "عبد الناصر" هو
سبب أزمتهم.. ينكرون عليه تحرير البلاد من الاستعمار الانجليزى.. ينكرون أنه أعاد
للوطن حقه فى "قناة السويس" ويتجاهلون "السد العالى" ورغم
أنهم يبيعون ما أنجزه من مصانع, لا يكفون عن تحميله مسئولية عجزهم وفشلهم!!
بعد سنة من غياب "عبد
الناصر" كان إجمالى ديون مصر لا يتجاوز 1,3 مليار دولار.. أى أكثر قليلا من 400
مليون جنيه مصرى, لأنه غاب والجنيه يساوى ثلاثة دولارات.. وهى حقيقة لا تقبل كذبا
أو تشكيكا.. خاض خلال فترة حكمه ثلاثة حروب.. حرب السويس 56, وهزيمة 67, وحرب
الاستنزاف.. التى لم تنتهى محاولات طمسها.. وترك الجنيه يساوى ثلاثة دولارات.. كما
ترك تاريخا يتعرض للتزوير والتشويه, بما لم يتعرض له حاكم من قبل فى التاريخ!!
إقترض "عبد الناصر" لكى
يبنى "السد العالى" ويقيم صناعات ثقيلة ومتوسطة, دون أن يتورط فى "ديون"
ترهن قرار مصر وسيادتها.. قام ببناء جيش تكررت محاولات ضربه, وكرر عمليات إعادة
بنائه حتى انتصر فى حرب اكتوبر 1973.. بعد رحيله بثلاث سنوات فقط هو ذات الجيش.. ثم
كان "السلام" الذى جرفنا للقروض وأسقطنا فى مستنقع "الديون" لنصل
إلى لحظة شديدة القسوة والمرارة.. فقد تجرأ على "جيش مصر" الذين كانوا
يتشرفون بذكر اسمه والإشارة إليه!! ينافق هؤلاء الشعب المصرى بادعاء الفصل بينه
وبين الجيش.. الذى أذهله ما فعلته القروض والديون, دون أن يوافق عليها أو يطلب
الذهاب إلى طريقها البطال!!
يترافع التاريخ
ببراعة وحسم شديدين عن "عبد الناصر" و"ثورة يوليو"!!
ترفض الحقيقة تزويرها
وتشويهها, رغم كل ما يتقاضاه الذين يخدمون هذا المشروع!!
كذبوا بادعاء أن "حرب
اليمن" استنزفت احتياطي مصر من الذهب..
كل الوثائق
والمستندات والشهادات تؤكد أن هذا لم يحدث.. إدعوا أن "عبد الناصر" كان "مغامرا"..
وهذا صحيح بالمعنى الذى أكده "جلال أمين" فى كتابه "قصة الاقتصاد المصري"
بقوله: "مازلنا نجنى بعض ثمرات مغامرة عبد الناصر وجسارته".. لأنه أضاف
لهذا الاقتصاد ما يعبث به الذين حكموا بعده!!.. أنكروا عليه "حرب الاستنزاف"
العظيمة, بذكر "هزيمة يونيو" ليل نهار, كأنها أول و آخر هزيمة تعرضت لها
دولة.. يتعامون عن هزيمة اليابان والمانيا وفرنسا وبريطانيا.. وهزائم أمريكا
المتكررة, من فيتنام وأفغانستان إلى العراق والصومال ولبنان وغيرها!! ربما لأننا
سقطنا أسرى الذين يلعبون "الثلاث ورقات" بالتاريخ!! وصلنا إلى "زمن
أراجوزات الإعلام" الذين يمارسون "الردح" على أنه وظيفة وهواية.. لذلك
ظهر "غلمان الأمير" ليتطاولوا على تاريخ فرطنا فيه, بقبول الانحناء أمام
هذا "الأمير", وكل "أمير" طلبا للقروض والهبات والمنح!!
رفضت "الجمهورية الأولى"
التورط فى ديون دون مبرر.. وافقت على دعم عربى تقرر فى "قمة الخرطوم" بعد
"هزيمة يونيو" وكانت قيمته 286 مليون دولار, من أجل الإعداد لمعركة
قادمة حدثت فى اكتوبر 1973.. لم تطلب مصر وقتها هذا الدعم.. قرره قادة الدول
العربية بعد أن تأكدوا من أن "عبد الناصر" لم يسقط أمام شعبه وأمام
الأمة العربية.. ضاعفوا المبلغ بعد غياب "عبد الناصر" وأضافوا إليه بعد
حرب اكتوبر, حتى تأكدوا من أن الذى يحكم مصر أدمن القروض والمنح وسقط أسيرا للديون,
فقرروا حرمان حاكم مصر مما أدمنه لكى يذهب إلى "السلام" الذى خططت له "واشنطن"
مع أتباعها!!
إختلف "محمد على" عن
الذين حكموا بعده.. لأنه احترم مصر!!
إختلف "عبد الناصر" عن
الذين حكموا بعده.. لأنه عرف قيمة وقدر مصر!!
خسرت مصر عندما تعرض
جيشها للانكسار بمعاهدة 1840 التى فرضوها على "محمد على".. وخسرت عندما
تسبب "سعيد باشا" ومن بعده "الخديوى إسماعيل" فى تهميش جيش
مصر, حتى تواطأ "الخديوى توفيق" مع الانجليز لكى يتم "حل الجيش
المصرى" وغاب لسنوات طوال.. عادت الروح عندما وجدت "بريطانيا" أنها
على أعتاب "الحرب العالمية الثانية", فوافقت على معاهدة 1936, وبموجبها
فتحت أبواب الكلية الحربية لأبناء الطبقة الوسطى.. وداخل هذه الكلية, تشكل جيل حرر
مصر.. تكررت محاولات ضرب هذا الجيش, فى "زمن عبد الناصر" الذى قبل
التحدى فانتصر وانهزم دون أن تسقط راية الجيش.. ولما كان "السلام" والرهان
على "واشنطن" وثروات أتباعها, وصلنا لتجرع مرارة وصف "غلمان الأمير"
للجيش المصرى بأنه "عسكر".. فى تلاقى مذهل مع "خدم الملكية
والاستعمار" وجماعة "الإخوان".. حدث ذلك لأننا دخلنا ببلاهة "مصيدة
الديون" من جديد!!
تعفينى الحقيقة من أن
أكرر ما هو معلوم بالضرورة عن اقتصاد مصر بعد "ثورة 23 يوليو" لأن المهم
هو أن "الجمهورية الأولى" رفضت بحسم أن تسقط فى "المصيدة".. حتى
كانت "الجمهورية الثانية" التى امتد عمرها لنرى أخطر لحظاتها باستهداف "الجيش
المصرى" و"قناة السويس" اللذان يتم طرح مستقبلهما فى "المزاد"..
بواسطة رجل اسمه "مصطفى مدبولى" تنفيذا لأوامر عليا!!
كيف يفكر الرئيس؟ " اللورد كرومر! "5"
يتبع
0 تعليقات