محمود جابر
من خلال صفحات هذا البحث قدمنا أدلة متعددة من مصادر كثيرة نثبت من خلالها
تطابق عقائد اليهود والوهابية فى تجسيد الذات الإلهية، وحتى يكتمل بحثنا فإننا
نجمل العقيدة الصحيحة التى عليها كل أهل الإسلام الأصيل فى ذات الله تعالى:
أن عقيدة المسلمين سلفاً وخلفاً بلا شك ولا ريب أن الله سبحانه و تعالى هو
خالق العالم، قائم بنفسه مستغن عن كل ما سواه، فكلنا نحتاج إلى الله ولا نستغني
عنه طرفة عين، والله تعالى لا يحتاج لشئ من خلقه، ولا ينتفع بطاعتهم ولايضره
معصيتهم، ولا يحتاج ربنا إلى محل يَحُلُّهُ ولا إلى مكانٍ يُقِلُّهُ،وأنه ليس بجسم
ولا جوهر.
واعلم أن الحركة والسكون والذهاب والمجيء والكون فى المكان،والاجتماع
والافتراق، والقرب والبعد من طريق المسافة، والاتصال والانفصال، والحجم والجرم،
والجثة والصورة والشكل والحيز والمقدار والنواحي والأقطار والجوانب والجهات كلها
لا تجوز عليه تعالى لأن جميعها يوجب الحد والنهاية والمقدار ومن كان ذا مقدار كان
مخلوقاً، قال تعالى:{ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} الرعد:8.
واعلم أن كل ما تُصُوِّرَ فى الوهم من طول وعرض وعمق وألوان وهيئات يجب أن
يُعتقد أن صانعَ العالم بخلافه، وأنه تعالى لا يجوز عليه الكيفية والكمية والأينية
لأن من لا مِثلَ له لا يجوز أن يقال فيه كيف هو، و من لا عدد له لا يجوز أن يقال
كم هو، ومن لا أول له لا يقال مما كان، و من لا مكان له لا يقال فيه أين كان، فإن
الذى أين الأين لا يقال له أين، والذي كيَّف الكيف لا يقال له كيف.
فالله تعالى مقدَّس عن الحاجات ، منـزّه عن العاهات ، وعن وجوه النقص
والآفات ، متعال عن أن يوصف بالجوارح والآلات ، والأدوات والسكون والحركات ، لا
يليق به الحدود والنهايات ، ولا تحويه الأرضيون ولا السموات ، ولا يجوز عليه
الألوان والمماسّات ، ولا يجري عليه زمان ولا أوقات، ولا يلحقه نقص ولا زيادات،
ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات، موجود بلا حدّ، موصوف بلا كيف، لا تتصوّره
الأوهام، ولا تقدّره الأفهام، ولا يشبه الأنام، بل هو الموجود الذي لا يشبه
الموجودات واحد فى ملكه فلا شريك له.
والله سبحانه وتعالى خالق العالم بأسره علويّه و سفليّه. والأرض و السموات،
قادر على ما يشاء، فعال لما يريد، موجود قبل الخلق ليس له قبل ولا بعد ولا فوق ولا
تحت ولا يمين ولا شمال و لا أمام ولا خلف ولا كل ولا بعض ولا طولٌ ولا عرضٌ، كان
ولا مكان، كوّن الأكوان ودبّر الزمان، لا يتخصّص بالمكان، ولا يتقيد بالزمان، ليس
بمحدود فيحدَّ، وليس بمحسوس فيجسَّ، ولا يُحس ولا يُمس ولا يُجس.
وكل ما كان من معانى الأجسام وصفات الأجرام فهو عليه تعالى محال، وكل ماورد
فى القرءان أو السنة وصفاً لله تعالى فهو كما ورد وبالمعنى الذي يليق بالله تعالى
بلا تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه.
ولا يجوز حمل المتشابه من الآيات والأحاديث على ظواهرها، ومن فعل ذلك فقد
كذَّب القرءان وخرج عن إجماع الأمة الإسلامية.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام الحافظ البيهقي رحمه الله:" وفي الجملة يجب
أن يُعلم أن استواء الله سبحانه وتعالى ليس باستواء اعتدال عن اعوجاج،ولا استقرار
في مكان، ولا مماسة لشئ من خلقه، لكنه مستو على عرشه كما أخبر بلا كيف بلا أين ،
وأن إتيانه ليس بإتيان من مكان إلى مكان ، وأن مجيئه ليس بحركة ، وأن نزوله ليس
بنقلة ، وأن نفسه ليس بجسم ، وأن وجهه ليس بصورة ، وأن يده ليست بجارحة ، وأن عينه
ليست بحدقة ، وإنما هذه أوصاف جاء بها التوقيف فقلنا بها ونفينا عنها التكييف ،
فقد قال تعالـى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. وقـال: { وَلَمْ يَكُن لَّهُ
كُفُوًا أَحَدٌ}. وقال:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}" انتهى من كتابه
الاعتقاد و الهداية ص/72.
وعلى هذا الاعتقاد إجماع أهل الإيمان ونقل هذا الإجماع النووي فى شرح مسلم 5
/ 24 - طبعة دار الفكر - بيروت عن القاضى عياض المالكى أنه لا خلاف بين المسلمين
قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارِهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله فى
السماء كقوله تعالى:{ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}. ونحوه ليس على ظاهرها بل
متأَوَّلَة عند جميعهم.
بين الوهابية والخوارج
مما يثير الدهشة كثرة أوجه الشبه بين الوهابية والخوارج في ما شذوا به عن
جماعة المسلمين، حتى أنه ليخيل للدارس أن هؤلاء من أولئك وإن تباعد بينهم الزمن!
ومن أوجه الشبه والتوافق بين الطائفتين:
ا - شذ الخوارج عن جميع المسلمين فقالوا: أن مرتكب الكبيرة كافر.
وشذ الوهابية فكفروا المسلمين على ما عدوه من الذنوب.
ب - حكم الخوارج على دار الإسلام إذا ظهرت فيها الكبائر أنها دار حرب، وحل
منها ما كان يحل لرسول اللّه(ص) من دار الحرب، أي تهدر دماءهم وأموالهم.
وهكذا حكم الوهابية على دار الإسلام وإن كان أهلها من أعبد الناس للّه
تعالى وأكثرهم صلاحا، إذا كانوا يعتقدون جواز السفر لزيارة قبر النبي ومشاهد
الصالحين ويطلبون منهم الشفاعة.
ويلاحظ في النقطتين معا أن الوهابية شر من الخوارج فالخوارج نظروا إلى أمور
أجمع المسلمون على أنها كبائر بينما ركز الوهابية على أعمال ليست هي من الذنوب
أصلا بل هي من المستحبات التي عمل بها السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن
بعدهم بلا خلاف، كما تقدم بينه.
ج - تشابه الوهابية والخوارج في التشدد في الدين والجمود فى فهمه.
فالخوارج لما قرءوا قوله تعالى (إن الحكم إلا للّه) قالوا من أجاز التحكيم
فقد أشرك باللّه تعالى، واتخذوا شعارهم (لا حكم إلا للّه) كلمه حق يراد بها باطل،
فقولهم هذا جمود وجهل كبير، فالتحكيم في الخصومات ثابت في القرآن الكريم وفى بداهة
العقول وفى السنة النبوية وسيرة الرسول والصحابة والتابعين.
وكذلك الوهابية لما قرءوا قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) وقوله
تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) و(لا يشفعون إلا لمن ارتضى)، قالوا: إن
من قال بجواز طلب الشفاعة من النبي والصالحين فقد أشرك باللّه، ومن قصد زيارة
النبي وسأله الشفاعة فقد عبده واتخذه إلها من دون اللّه، فكان شعارهم (لا معبود
إلا اللّه) و(لا شفاعة إلا للّه)، وهى كلمه حق يراد بها باطل، وهى جمود أيضا وجهل
كبير، وجواز هذه الأمور ثابت في سيره الصحابة والتابعين كما تقدم.
د - قال ابن تيميه: (الخوارج أول بدعه ظهرت فى الإسلام فكفر أهلها المسلمين
واستحلوا دماءهم) وهكذا كانت بدعة الوهابية وهى آخر بدعة ظهرت فى الإسلام.
هـ - الأحاديث الشريفة التي صحت في الخوارج ومروقهم من الدين، انطبق بعضها
على الوهابية أيضا.. ففي الصحيح عنه(ص) قال: (يخرج أناس من قبل المشرق يقرءون
القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم
التحليق).
قال القسطلانى فى شرح هذا الحديث: (من قبل المشرق: أى من جهة شرق المدينة
كنجد وما بعدها).
ونجد هي مهد الوهابية وموطنها الأول الذي منها ظهرت وانتشرت وهذا سنتناوله
تفصيلا فى الصفحات التالية .. وأيضا فان حلق الرؤوس كان شعارا للوهابية يأمرون به
من اتبعهم وحتى النساء. ولم يكن هذا الشعار لأحد من أهل البدع قبلهم، لذا كان بعض
العلماء المعاصرين لظهور الوهابية يقولون: (لا حاجه إلى التأليف في الرد على
الوهابية، بل يكفى فى الرد عليهم قوله(ص): (سيماهم التحليق) فإنه لم يفعله أحد من
المبتدعة غيرهم)..
و - جاء فى الحديث النبوي الشريف في وصف الخوارج: (يقتلون أهل الإسلام
ويدعون أهل الأوثان). وهذا هو حال الوهابية تماما، فلم يشنوا حربا إلا على أهل
القبلة، ولم يعرف فى تاريخهم أنهم قصدوا أهل الأوثان بحرب أو عزموا على ذلك، بل لم
يدخل ذلك فى مبادئهم وكتبهم التي امتلأت بوجوب قتال أهل القبلة!!
ز- روى البخاري عن ابن عمر أنه قال فى وصف الخوارج: (أنهم انطلقوا إلى آيات
نزلت فى الكفار، فجعلوها على المؤمنين).
وورد عن ابن عباس قال: (لا تكونوا كالخوارج، تأولوا آيات القرآن فى أهل
القبلة، وإنما أنزلت في أهل الكتاب والمشركين، فجهلوا علمها فسفكوا الدماء
وانتهبوا الأموال).
وهذا هو شأن الوهابية، انطلقوا إلى الآيات النازلة في عبدة الأوثان فجعلوها
على المؤمنين، بهذا امتلأت كتبهم، وعليه قام مذهبهم.
الوهابية والصابئة والايزدية:
كافة شيوخ الوهابية وأسلافهم مجمعون على قبول يزيد بن معاوية كخليفة شرعي
للمسلمين، وإذا عرفت أن يزيد هذا قتل من الصحابة 700 صحابي ومن أهل المدينة 10الاف
إنسان، وتم اغتصاب 1000امراة وفتاة كلهن حملن سفاحا، ومن تبقى من الصحابة قام بختم
أعناقهم بالرصاص.... هنا سوف تصاب بحالة من الدهشة العجيبة والصدمة كيف قبل هؤلاء
يزيد هذا، ومن هم هؤلاء الشيوخ الذين اعتبروه حاكما مسلما شرعيا... أقول لك الذين
قالوا بهذا هم: الالبانى، وابن باز، وابن عثيمين، وأبو بكر الجزائري، ومحمد على
الصلابى، وسعد البريك، ومحمد بن إبراهيم الشيبانى، ومقبل بن هادى الوادعى، وابن
جبرين، ويوسف القرضاوى، وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
فتوى رقم (1466).. وهذا الكلام قاله قبلهم ابن تيمية الحرانى وابن العربي المالكي
فى كتابه (العواصم من القواسم).
هذا المدح والثناء يتعدى يزيد إلى عدى بن مسافر، وقال عنه ابن تيمية فى
كتابه " الوصية الكبرى":"هو الشيخ الإمام القدوة شيخ الإسلام عدى
بن مسافر بن إسماعيل بن موسى الزاهد الشامي الهكارى.ولقبه شرف الدين وشيخ الإسلام
وحجته. وكنيته: أبو الفضائل وكنى أيضا بأبي محمد.
ورغم أن ابن تيمية الذي يزعم الوهابية أنه قدوتهم وإمامهم، وموقفه من إحدى
الفرق الغالية.. وهى الفرقة اليزيدية التي غلت بيزيد بن معاوية، ومنهم (العدوية) نسبه
إلى عدى بن مسافر الذي كان قدوتهم أولا ثم غلوا فيه وفى يزيد إلى درجة الألوهية،
وقد عاصر ابن تيمية فترة نمو هذه الفرقة وكان له معهم موقف يثير الكثير من الشكوك
وعلامات الاستفهام.
وعلى الرغم من أن ابن تيمية مشهور بحدته وهجومه على سائر الفرق الإسلامية
ووصفها بالضلال والزيغ والانحراف، فكيف خاطب هؤلاء الغلاة المشركين؟
لقد كتب إليهم – العدوية الايزدية- كتابا استهله بكلام عجيب يصفهم فيه
بالإسلام والإيمان، ويسدى لهم النصح بأسلوب أخوى هادى لا تجد منه حرفا واحدا في
كلامه عن الفرق الإسلامية الأخرى كالأشعرية والشيعة الأمامية والزيدية والمعتزلة
والمرجئة وغيرهم. فقال:
(من أحمد بن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى
السنة والجماعة، المنتمين إلى جماعه الشيخ العارف القدوة أبى البركات عدى بن مسافر
الأموى رحمه اللّه، ومن نحى نحوهم، وفقهم اللّه لسلوك سبيله وأعانهم على طاعته
وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعلهم معتصمين بحبله المتين، مهتدين لصراط الذين
انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين... سلام عليكم ورحمه
اللّه وبركاته، وبعد...) .
هكذا جعلهم من المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة مع إنهم من الغلاة
بلا خلاف، والغلاة مشركون خارجون عن الإسلام بإجماع الفرق الإسلامية، وبمقتضى
الكتاب والسنة، لأنهم اخلوا بالتوحيد فخرجوا منه إلى الشرك!
فهل سيكون فى هذه المواقف عبره؟!
الوهابية في خدمه من؟
- هل فكر الوهابية يوما ما بمصالح المسلمين الكبرى؟
- هل فكروا يوما فى التصدي للمطامع الاستعمارية في بلادنا الإسلامية؟
- هل شغلهم الغزو الغربي للبلاد المسلمة؟
- ماذا قدموا فى مواجهه النفوذ الصليبي والصهيوني في بلاد الإسلام؟
- ما هو موقفهم من الولاء للغرب وفتح الأبواب أمامه ليبسط يديه على
ثروات المسلمين وعلى سيادتهم وكرامتهم؟
ولا تجد فيه أثرا لتحسين وجه الحياة، وتحقيق التقدم العلمي والاقتصادي
والاجتماعي..ولا أثرا للسلم والرخاء..
بل لا تجد فيه سوى تكفير المسلمين ورميهم بالشرك، وإيجاب قتالهم واستباحه دمائهم
وأموالهم!!
إن كل الذي يشغلهم هو وجود قبر هنا، ومسجد هناك، ورجل يقول: يا نبي الرحمة
اشفع لي عند اللّه!!
هذا هو شغلهم لا غير، وهذا هو همهم الوحيد الذي انطلقوا تحت غطائه يسفكون
دماء المسلمين ويستبيحون المحرمات ويثيرون الفتن واحدة بعد الأخرى، ولا يهمهم بعد
ذلك أن تكون بلاد المسلمين غرضا للأعداء.
إنها لمن دواعي الأسى أن تنفق كل هذه الأوقات والجهود والأموال والطاقات
الفكرية في الخوض في سفاسف الأمور وتوافه الكلام التي لا ينشد لها إلا الجهلة
والغوغاء والعاطلون من الناس.
إن الذي جعل الوهابية يجدون شغلهم الشاغل فى هذه المواضع عدة أمور كلها
تصدق عليهم:
منها: الضحالة الفكرية وضيق الأفق.. فهم لا يحسنون شيئا إلا هذا النوع من
الكلام، ولا تستوعب أذهانهم سوى هذا المدى من التفكير.
ومنها: العجز عن فهم الحياة وعن مواكبة العصر.. فهم عاجزون تماما عن التقدم
فى البحوث الدينية والعلمية والاجتماعية تقدما مقبولا فى هذا العصر الحديث،
فينكبون على الكلام البالي والمتهرىء فيبالغون في تعظيمه وتقديسه لكي يجدوا
لأنفسهم منفذا يطلون منه على هذا العالم المتقدم.
ومنها: ضيق صدورهم وامتلأ قلوبهم بالحقد وكراهية الخير وحب الشر لهذه الأمة..
فمن تتبع لهجاتهم ونبراتهم المتشنجة والمتوترة وانسدادهم انسدادا في غير محله
وتهورهم فى الخطاب، لمس فيهم الضحالة وضيق الأفق والحقد والبغض والهمجية والتخلف
بكل معانيها.
0 تعليقات