آخر الأخبار

أسباب حيوية الصراع

 




عمر حلمي الغول

 

على مر التاريخ دافعت الجماعات البشرية بمكوناتها المختلفة وفق تطور علاقات وقوى الإنتاج في الحقب التاريخية وصيرورتها عن نفسها في مواجهة الأخر الغزاة، أو هاجمت الأقوام والجماعات المجاورة بحثا عن الكلأ والماء، او لتعزيز مكانتها في الجغرافيا المشتركة. وتطورت أشكال الصراع الداخلي والخارجي ارتباطا بتطور الجماعات البشرية، الى ان تحررت من مراحل العبودية والاقنان الاقطاعية، وتمكنت من إقامة صروح الشعوب القومية بالتلازم مع بناء أسواقها الاقتصادية مع صعود البرجوازية، ومازالت البشرية رغم ديمومة الحروب والحروب المضادة تصنع معادلاتها ارتباطا باهداف ومصالح كل شعب، صغيرا كان، ام كبيرا، ضعيفا ام قويا، جزءا من دول المركز ام من دول المحيط.

لكن كل الشعوب الاصلانية مهما وهنت قوتها، واستبيحت دولها، ونهبت ثرواتها، وفرض الاستعمار القديم والجديد عليها حمت هويتها من التبديد، وتشبثت بها في مختلف مراحل الصراع مع الاخر المستعمر أي كانت طبيعة استعماره، ونهلت منها قوة بقاءها، وديمومة حضورها على مسرح الحياة، وادراكا منها عبر تجربتها، ومن تجارب الشعوب الأخرى، ان كل اشكال الاستعمار إلى زوال مهما طال الزمن او قصر.

 

خلفية ما تقدم، مقولة استخدمها صديق عزيز رددها بثقة مفادها أن "الشعب الحيوي في المنطقة، هو الشعب الإسرائيلي!" وأعاد السبب الى ما يجري داخل دولة التطهير العرقي الإسرائيلية من صراع بين الموالاة والمعارضة المتواصل من 14 أسبوعا خلت. وبصراحة لم أناقش صديقي لاعتبارين الأول، كنت استعد لمغادرة المكان بسبب ارتباط آخر؛ الثاني النقاش حول هذا الاستنتاج يحتاج الى استفاضة ووقت كبير. لذا قررت ان اكتب حتى يكون ردي اكثر تعميما على كل أصحاب وجهة النظر آنفة الذكر.

 

ومن البداية اود التأكيد على أكثر من عامل ذات صلة باستنتاج صديقي، أولا رغم مرور 75 عاما على تأسيس وقيام إسرائيل، ووجود علم ونشيد وجيش ومؤسسات ووزارات حكومية وقضاء وبرلمان للدولة اللقيطة، الا انها لم تتمكن من خلق شعب على ارض فلسطين التاريخية، لان المجموعات البشرية التي جاؤوا بها، مازالت أسيرة اثنياتها الام، وهي عبارة عن عصابات من المرتزقة تحكمها مرجعياتها الكولونيالية، وتوحدهم الشكلي طيلة العقود الماضية قام ارتكازا على تحقيق مآربهم النفعية، ومصالح اسيادهم، وظلوا في دائرة الأداة الوظيفية. وبالتالي كما قال البرفيسور اليهودي، شلوم ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي" هذا الخليط الاثني والديني والطائفي والمذهبي، هو إختراع مشترك تضافرت وتكاملت فيه مصالح الغرب الرأسمالي مع زعماء الحركة الصهيونية لتحقيق مآربهم المالية الاقتصادية والسياسية العسكرية والدينة في آن، وقاموا بانتزاع اتباع الديانة اليهودية من بين ظهراني شعوبهم في أوروبا تحديدا، وقبل وجود النازية الألمانية بعقود، وزجوهم فيما أطلقت عليه الحركة الصهيونية "ارض الميعاد" تنفيذا لمقولة وشعار اكثر رجعية وفاشية ارتكز على عمليات التطهير العرقي والنفي الكامل للشعب الاصلاني، أي الشعب العربي الفلسطيني "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض"، وأقاموا الدولة اللا شرعية على انقاض نكبة صاحب الأرض والتاريخ والهوية الوطنية المنغرسة في الوطن الفلسطيني منذ وجود الانسان الأول في فلسطين قبل اكثر من عشرة الاف عام؛ ثانيا صناع دولة المشروع الصهيوني الأساسيين، هم الاشكناز الغربيين، أي يهود الخزر (القبيلة الثالثة عشر) الذين لا صلة لهم بالسامية ولا بالاسباط الاثني عشر وتفرعاتهم، واتيانهم باليهود العرب ومن قارات العالم الأخرى (السفارديم)، لم يكن حبا، ولا نتاج الانتماء المشترك، انما لاستغلالهم في العمل الأسود، ليكونوا عبيداً واجراء، واداتهم في تنفيذ مخططاتهم الاستعمارية ومجازرهم الاجرامية ضد أبناء الشعب الفلسطيني وغيرهم من العرب. لان الهدف كان ومازال تمزيق وحدة شعوب الامة العربية، ونهب ثرواتهم والحؤول دون وحدتهم وتطورهم، ولهذا كل ما تابع الحروب الامبريالية الأميركية الأوروبية على الوطن العربي لمس وبما اعلنوه بالسنتهم، وبوثائقهم، انهم يخوضون حربا لابادة العرب كأمة، ولتحقيق باقي الأهداف الكولونيالية، ولتسييد إسرائيل عليهم، وتحقيق الاساطير والخزعبلات الدينية في بلوغ حرب ياجوج وماجوج، ومجيء المشيح المنتظر، وفناء اليهود؛ ثالثا اما الصراع الدائر بين مكونات المجتمع الإسرائيلي، فهو صراع بين الاشكناز المؤسسون للدولة، والسفارديم الاتباع العبيد، الذين يصارعون على مركز القرار في الدولة، وليس صراعا على النظام السياسي القائم فحسب، وبالتالي الصراع ليس تناقضا طبقيا اجتماعيا، ولا صراعا قوميا، انما صراع على النفوذ، ومن يحكم الدولة اللقيطة، بين مجموع العصابات المكونة لها. لا سيما وان المتدينيين والحريديم باتوا يشكلون قرابة نصف اتباع الديانة اليهودية الموجودين في إسرائيل، وهم عالة على الدولة، وتنتشر في صفوفهم الامية والارتجالية والعصبية الدينية المتزمتة والتعاليم اللاهوتية الخرافية، والتطرف الفاشي، وكون الاشكناز يرفضون من حيث المبدأ تغير المعادلة والانقلاب على منظومة الحكم السائدة خلال ال75 عاما الماضية، لذا صبوا كل طاقاتهم وثقلهم في الشارع لاعادة الاعتبار لموقعهم ومكانتهم، ولقناعتهم ان جزء من الاشكناز ومنهم نتنياهو باعوا انتماءهم للعصابة الام، مقابل الحسابات الشخصية الضيقة، وبالتالي اخرجوهم من دائرة العصابة والشراكة. ولهذا أيضا دعمت الولايات المتحدة الاشكناز، وتقف بقوة خلفهم، لانهم الاقدر على المحافظة على الدولة الأداة الوظيفية لاطول فترة ممكنة، وبالتالي الاقدر على حماية المصالح الحيوية الأميركية، والعكس صحيح في حال سيطر السفارديم على الحكم، فإنها ستكون في حالة حرج وارتباك، وستضطر لادانتها نتاج فجاجة ورعونة وهمجية العبيد السفارديم، رغم انها مازالت حتى الان تدافع عن الدولة الأداة، وتحاول بكل الوسائل مع الاشكناز على تقويض سيطرة الشرقيين اليهود. الا انها لاحقا في حال سيطروا (السفارديم) على الدولة، فإن واشنطن سيكون لها موقف آخر.

 

وعليه فإن الاستنتاج بحيوية ما يسمى الشعب الإسرائيلي، لا أساس لها من الصحة، ومنافية للقراءة الموضوعية، وبعيدة عن سبر اغوار خلفيات الصراع الدائر. واذا كان هناك شعب حيوي، وممتلىء بالزخم والعطاء فهو الشعب العربي الفلسطيني، رغم كل النواقص والهنات والعيوب والمثالب والفساد الموجودة في أوساط النخب السياسية. وانا لا اقارن بين الشعب الاصلاني العربي الفلسطيني وبين عصابات الغزاة الراحلين عما قريب، ولكن من باب المسؤولية العلمية والوطنية والقومية، ولهذا مجال نقاش في زاوية أخرى.

إرسال تعليق

0 تعليقات