آخر الأخبار

سبت النور وأحد السعف

 




 

قبل حقبة الثمانينيات التي وضعت فيها موجات الرياح السلفية الوهابية رواسبها الثقيلة المظلمة الملوثة في أوصال المجتمع المصرى لم تكن طقوس الاحتفال بسبت النور وأحد السعف بتجلياتها المصرية الخالصة قاصرة على أصحاب ديانة أوطائفة مذهبية مصرية بعينها بل كانت طقوساً يشارك فيها كل المصريين .
، وهكذا شهد من هم في جيلي والأجيال السابقة كيف كنا نحن المصريون نخرج من بيوتنا صباح سبت يوم النور مكحلي الأعين ذكوراً كنا أو إناثاً ..

 

، لازلت أتذكر كيف كانت أمي والجيران عندما كنا نقطن في مساكن إمبابة يحتفلون بسبت النور ، فتنهض أمي مبكراً لتجد الوقت المناسب كي تكحلنا في الصباح أنا وأخوتي ، لنضرب أجرس أبواب جيراننا أو كان أولادهم يسبقوننا ويقرعون باب شقتنا لنتبادل المعايدات بسبت النور ومن ورائنا أمهاتنا تتبادلن تحيات صباح سبت النور بوجهوهن المكحلة الأعين من وراء الأبواب التي فتحت للتو في شقق المبني الذي كنا نسكنه ، فتحفل طرقة الدور الذي تتشارك فيه شققنا مع شقق جيراننا وكذلك طرقات الأدوار من تحتنا ومن فوقنا بالإبتهاج المفعم بالمودة الإنسانية والضحكات الصافية ، مع كثير من كلمات وعبارات تبادل المعايدات فالإطراءات على مافعله الكحل من جمال في الوجوه فتتألق الابتسامات والتعليقات التي تمتزج بالقفشات الضاحكة عما تبدو عليها أشكال وجوهنا المبتهجة الضاحكة وحال أعيننا نحن الصبية تحت تأثير خطوط الكحل التي تشبه الكحل الذي يخط أعين أجدادنا الذين رأيناهم فيما بعد علي جداريات الحضارة المصرية القديمة .

 

، وهكذا لننطلق بهذه الحالة البهيجة إلي ألعابنا ، أومدارسنا نحمل طاقة صباحية منفتحة على تشعلها صباحات هذه الأيام النسيمة المشبعة بروائح الزهور في بساتين المدن أو الجالبة لروائح اطراف الأرياف المحملة بروائح حقول الموز أو تلك البساتين الحافلة بأشجار البرتقال والليمون .

 

لم تكن هناك أية كوميديا صارخة أو أمر خارج عن المألوف في أن يجدني أصدقائي مكحل العينين ، ولم تكن سوي البهجة والفرحة والسعادة كشعور يغمرنا مع نسمات صباح يوم هذا السبت من كل عام فقد كانت الغالبية الساحقة من المصريين يتكحلون في يوم سبت النور ..

 

ولازلت اذكر كيف كنا نحمل في أحد السعف السعف المجدول مع اقراننا من الأولاد والبنات الخارجين من الكنائس بنصيبهم ونصيبنا من عرائس السعف المجدول بل كان جميع المصريون يبدأون في هذا اليوم بتعليق العرائس المجدولة بعيدان القمح المسنبل الذي لم يفقد كل اخضراره بعد فهو على بعد أسابيع قليلة من تمام النضوج والحصاد بحيث لاتزال عيدانه لينة تستجيب للمسات أيادي النساء اللواتي يقمن بجدله وتضفيره بشكل جمالي فائق وبديع في مثل هذه الأيام فيعلقونها في البلكونات وصالات البيوت فوق الحوائط التي كانت تستند عليها مساند الكنبات أوعلى أعلى مداخل البيوت وردهاتها

 

في تلك الأيام التي كانت شمسها تعلن عن بشائر فصل الربيع المشع بالحياة والمفعم برائحة الورد البلدي الذي كان يجلس به الباعة مفترشين الأرصفة بجوار أسوار المدارس ، والنواصي والمنعطفات في شوارع الأحياء ، كنا نلعب من أترابنا الذين يحتفلون بأحد السعف في فناءات الكنائس وهم يصطحبوننا ساعة خروجهم من الكنيسة بعد أن يمنحونا هداياهم البهيجة من السعف الجدول لننطلق سوياً إلى طرقات الشوارع حاملين سعفنا المجدول ، وقد كان آبائنا وأمهاتنا يصطحبوننا في المساءات المتألقة لهذا اليوم لنمارس طقوس التهنئة بالعيد على جيراننا المسيحيين الذين كانوا يفعلون نفس الشئ في أعياد الفطر والأضحى ، خلافاً لتبادل أطباق الكعك المرشرش بالسكر المطحون خلافاً لعادات وطقوس تبادل أطباق البصارة أو المربى أو الحلبة المطبوخة أوقطع الكيك التي كانت طقوساً تجري طوال العام دون انقطاع لأنه كان من العيب الشديد أن يصنع بيت في مصر أياً من هذه الأنواع دونما أن يتذوقها الجيران حتي ولو كانوا متخاصمين لسبب أو لآخر فقد كانت هذه الأطباق هي رسل السلام التي لاندري نحن الصغار أنها كذلك عندما نحملها إلى جيراننا لنعود بالأطباق محملة بالحلوى إن لم يكن لدى الجيران أحد هذه الأطباق أو حتي بالفول النابت كحد أدني لأن العيب كل العيب أن يعود الطبق فارغاً ، وهذا كان حال كل الجيران بغض النظر عن أصولهم ومذاهبهم الدينية التي لم تكن من الأصل موضوعاً للحديث وقتها ..

 

رحم الله من كانوا يصنعون تلك البهجة وحفظ من يسعون إلى صنع مايماثلها الآن ..

 

وكل عام وكل المصريين بخير وسلام وأمل تفاؤل وإرادة تقدم نحو أحوال أفضل من احوالنا الآن ..

 

حمدي عبد العزيز


7
إبريل 2023

إرسال تعليق

0 تعليقات