آخر الأخبار

تاريخ المعتقدات والأفكار الدينية (جـ1) – مرسيا الياد – ترجمة عبد الهادي عباس

 


 

الجزء الأول من العمل الأساسي لمؤرخ الأديان مرتشيا الياد، والذي نشر بالفرنسية بعنوان Histoire des croyances et des idées religieuses وعنها ترجم للعربية، وهذا الجزء أشبه بسياحة هادئة بين تاريخ الأديان عامة، يعرض أفكارها على قدر ما توفرت له الأدلة، وهو في عرضه هذا منهجي أكثر من كثير من يزعمون أنهم دارسي لتاريخ الأديان، فلا يقطع إلا بما صدر عن صاحب فكرة ووصلنا – أو تحديد وصل الكاتب – بما يغلب على الظن صحته، ولذلك تجده خاصة عندما تناول الأفكار الدينية لما قبل التاريخ المسجل، يؤكد على أن هذا التناول هو محض تأويلات وتفسيرات لما بقي من أثار هذا العهد البعيد، وعندما أنتقل إلى الهندوسية وعقائد اليونان، كان أكثر ثقة فيما يناقشه من أراء ويطرحه، إذ أنه يستند إلى ما دونه أصحاب هذه العقائد، وإن كان في رأي الشخصي يعوزه التفريق ما بين ما دون باكرًا فهو فكرة خالصة لأصحابه، وبين ما دون متأخرًا بعدما تفاعل أصحابه مع غيرهم من الأمم وثقافاتها.

 

جاب الياد في سياحته هذه تاريخ الأديان القديمة، مبتدأ بعهود ما قبل التاريخ المدون، قبل أن ينتقل إلى تاريخ الدين في الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر، ولاحقًا بين الأمم الآرية في الهند وإيران واليونان، متوقفًا مع الأفكار المبكرة المدرجة اليهودية المبكرة.

 

أكثر ما آلمني في قراءة الكتاب هي ترجمته، ولعلها المرة الأولى التي أقرأ فيها ترجمة غاية في السوء دون أن أحمل على المترجم، فلقد أقر الرجل في مقدمة ترجمته بأنه ليس مترجمًا محترفًا، وليس مختصًا في موضوع الكتاب، وقد خاض تجربة ترجمة الكتاب دون ما يجد ما يدعم تجربته من معاجم متخصصة، بل أجد نفسي شاكرًا له على ترجمته السيئة عندما يعلن أنه قرر أن يتحمل مسئولية ترجمة الكتاب لأهميته، عندما رأي قعود المترجمين عن ترجمته فأقدم هو علي الأمر، فالرجل مجتهد مأجور، ولعل الكتاب يجد من بين المترجمين المتخصصين من يعيد ترجمته على نحو أفضل.

 

ومع ذلك، قد شكلت لي قراءة الكتاب جهدًا كبيرًا، فما بين ألفاظ منحوته من لفظين أو أكثر يستخدمها المترجم فجأة ويترك لقارئه استنتاجها – على طريقة مستر ويليام أستاذ الإنجليزي في ثانية إعدادي استنتجها من السياق – مثل نشوكونية، التي أدركت بعد جهد أنها منحوتة من نشوء الكون، فالمقصود تلك الأفكار المعنية بنشأة الكون، وألفاظ غريبة الاستخدام كقوله نقاصص بدلًا من أن نقتص، ولما كانت ترجمته للكتاب عن الفرنسية، فقد كان ثبت النطق الفرنسي للأعلام، ولكنه قد يعود أحيانًا فيستخدم الاسم الإنجليزي مثل بروميثيه وبروميثوس، ثم أن المترجم إذ وجد لفظ عجز عن فهمه أو ترجمته أثبه كما هو فتجده يكتب Omphalos دون أن يضع لها ترجمة أو يضع في هامشه ما يفصح عن معناها، وهو ما شكل لي إجهاد فوق إجهاد الترجمة الصعبة.

 

الخلاصة، الكتاب مهم، ولكن قراءته مجهده، ويلزم قارئه فكرة مسبقة عن الموضوعات التي يتناولها المؤلف ليفهم الترجمة، والتي تبلغ من العسر أحيانًا ما يجعلني أشك أن المترجم كان يفهم ما يترجمه، ومع ذلك يبقى الكتاب موسوعيًا جامعًا للموضوع، وترتيب أبوابه يعكس أهمية كل موضوع في سياق التاريخ الديني العام.


د. وسام الدين محمد


13
شوال 1444


3
ابريل 2023

إرسال تعليق

0 تعليقات