آخر الأخبار

حياة الماعز (دراما هندية مأساوية) -1-

 





محمود جابر


حياة الماعز فيلم هندى انتجته السينما الهندية، وهو مأخوذ عن رواية حقيقية لشاب هندى دفعته ظروف الحياة الصعبة فى بلاده للبحث عن فرصة عمل فى الشرق الاوسط - المنطقة العربية - وتحديدا فى العربية السعودية، نجيب وهو صاحب القصة الحقيقة يعمل عامل عادى يجيد العديد من المهن ولا يمتهن مهنة واحدة وهو حال كل الفقراء فى كل البلاد النهرية الحضارية والذى ينتمى الى الطبقة العاملة الكادحة الفقيرة بل والمعدمة .

يعرض الفيلم قصة نجيب فى بيئته الأصلية ولاية كيرلا التى تقع فى جنوب الهند وتعد من الولايات ذات الكثافة السكانية العالية حيث يبلغ تعدد سكانها نحو 33 مليون نسمة فى مساحة صغيرة جدا وهى 38 الف كيلو متر مربع، أى ان سكان هذه الولاية التى تعد سدس مساحة العربية السعودية اكثر من عدد سكان السعودية نفسها التى تبلغ مساحتها قرابة 2 مليون كيلو متر مربع.

وتوجد كيرلا في جنوب غرب الهند، كما تطل على بحر العرب، وتكثُر فيها زراعة الأرز، وجوز الهند، والتابيوكا، والتوابل، وذلك بسبب مناخها الرطب، وسواحلها المنخفضة. وقد أُخذ اسم ولاية كيرلا من تشيرا الذي استُخدم كاسم لممكلة التاميل قديماً، في حين أنها أُنشئت عام 1956م من ولاية كوشين، وترافانكور، وولاية وملايالم، ويحكمها رئيس الوزراء وحاكم يُعينه رئيس الهند.

يتحدث سكان هذه الولاية اللغة الماليالامية هي لغة درافيدية يتحدث بها حوالي 40 مليون شخص في العالم، وهي اللغة الرسمية في ولاية كيرالا في الهند. كما أنها لغة رسمية في بعض المناطق الأخرى في الهند، مثل ولاية كارناتاكا وولاية تاميل نادو. تُشكل الماليالامية أيضًا اللغة الأم للشعوب الهندية في جنوب آسيا.





ويُطلق على ولاية كيرلا اسم أرض المصباح، وذلك لوجود مجموعة كبيرة من المصابيح الداخلية والخارجية، والتي هي جُزء من الفن الكيرالي، والذي يَتضمّن أيضاً: اللوحات المرسومة على الخشب، واللوحات الجدارية الموضوعية، كما تدُل الهندسة المعمارية في الولاية على تاريخها الاجتماعي، والروحي، والسياسي، مثل: أسقُف المعابد الهندوسية القديمة المُغطاة بالنحاس، والكنائس الباروكية الموجودة من العصر الاستعماري البرتغالي. وفي القرن العشرين اشتهر العديد من الشعراء، منهم: تونشاتو إيلوتاكان، وكونكان نامبيار، وكوماران آسان، وفالاثول. ورواية اندوليكا تُعتبر أول رواية باللغة المالايالامية، وكتبها تشاندو مينون في عام 1889م، إلا أن أكثر الروايات قراءةً هي من تأليف اكازي سيفاسانكارا بيلاي، وتُكرّم الرقصات التقليدية في الولاية بعض الآلهة الهندوسية، كما أنها تروي العديد من الملحمات الهندية العظيمة، مثل: ماهابهاراتا، ورامايانا.

يُطلق على ولاية كيرلا اسم أرض الإله، وذلك بسبب طبيعتها الجميلة، وهي من أكثر الوجهات السياحية شعبية في العالم.

اذا هذا العامل الفقير الذى سافر الى العربية السعودية جاء من بيئة نهرية ساحلية ضاربة بجذورها فى اعماق التاريخ، وبيئته التى جاء منها بيئة محبة للحياة تكره العنف وتميل الى حب الحياة رغم صعوبة معيشته فى بيئته الاصلية بسبب فقره .

الفيلم .....





يصور محنة فقراء الهند الذين يسعون لطلب الرزق في الشرق الأوسط، ومن هؤلاء الفقراء (نجيب)، المهاجر الهندي إلى السعودية، الذي اختُطِف واستُعبِد ليعمل راعيا للغنم في الصحراء. والقصة مستوحاة من محنة حقيقية لرجل يحمل نفس الاسم، اختُطف في البلاد في التسعينيات، وتمكن من الفرار بعد عامين. وقد أصبحت الرواية المثيرة حجر االزاوية الثقافي في ولاية كيرالا جنوبي الهند ، حيث صدرت منها 250 طبعه، وحازت إشادة واسعة النطاق، كما أثارت نقاشاً حول قسوة حياة المهاجرين في العربية السعودية. وبلغ من نجاح الفيلم الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات، أن حقق في الأسبوع الأول من طرحه أكثر من 870 مليون روبية (أي ما يعادل 8.23 مليون جنيه إسترليني، أو 10.4 مليون دولار) في جميع أنحاء العالم.
في الفيلم، يظهر (نجيب) معزولا عن العالم، وحيدا مع سيده وحيواناته، يكتوي بالحرارة الشديدة في صحراء قاسية، على بُعد عشرات الكيلومترات من أقرب طريق، دون أن يتمكن من الوصول إلى هاتف أو ورقة أو قلم للكتابة، ودونما صديق، يشرب الماء من نفس الحوض الذي تشرب منه حيواناته. يتوسل (نجيب) في مشهد مؤثر يمزق القلب، والدموع تنهمر على وجهه وهو يحكي كيف باع كل شيء وغادر عائلته، كل ذلك سعيا وراء وظيفة موعودة، لكن كلماته باللغة المالايالامية لم تجد صدى لدى هذا البدو السعودى الذى اختطفه من المطار حتى يستعبده فى بيئة صحراوية قاحلة شديدة القسوة والمناخ حرا وبردا وشح فى المياه والطعام وغلظة فى المعاملة .

فالبطل نجيب محمد، الهندي المسلم، إنسان مسالم، متدين، كما تدل على ذلك إشارات عديدة في بداية الفيلم ضمن حواره مع صديقه. تبدأ معاناته في كنف رجل سعودي بدوي خشن التقاهما في المطار، وأخبرهما بأنه كفيلهما، ليصطحبهما بعدها، ويفرقهما عن بعضهما البعض.

حين وصل نجيب الى مكان عمله فى قلب الصحراء القاسية بعد ساعات طويلة قضاها بين انتظار كفيلة الذى سوف يعمل لديه فى شركة وفى غرفة خاصة مكيفة، وبين اختطافه من رجل آخر ادعى انه كفيله مرت ساعات طويلة من الانتظار هو ورفيق رحلته حكيم، الذى اختطفهما الرجل معا ويوزعهم على مرابط الغنم والابل فى الصحراء كل واحد وحده، والفيلم لم يسلط الضوء على كيف عاش حكيم بعد ان افترق عن نجيب ولكن الفيلم ركز على معاناة نجيب وحدة وان كان واضحا من سياق الفيلم ان كلا الرجلين عانا نفس المعاناة .

حين وصل نجيب الى مكان عمله فى قلب الصحراء بعد ان شعر ببرد الليل الشديد والقاسى وهو يركب فى صندوق الشاحنة المكشوف فى هواء وتراب الصحراء وصل ليلا وتركه الرجل الذى اختطفه ومشى بعد ان عرض الفيلم مشهد الفراق بينه وبين حكيم وهو مشهد شديد الايلام .

نزل نجيب من الشاحنة بعنف وسب ونهر من جانب الخاطف وتركه فى قلب الصحراء بحث نجيب عن شخص يتحدث اليه بعد ان اصبح وحيدا امامه خيمة ومكان لاحتجاز الغنم والابل، فلم يجد الا رجل هرم يكاد يتحدث الهندية وتواصل معه ببعض الكلام وهو خائف مرتعد من صاحب العمل الذى يبدو ان الرجل مرة برحلة عذاب انهكته وقضت على كل امل لديه حتى استسلم لحياة العبودية فى الصحراء .

لجأ نجيب الى الخيمة يبحث عن راحة ونوم، ولكن استيقظ صاحب العمل ونهره بعنف وسبه وقال لا تدخل هذه الخيمة مرة اخرى والا قتلتك فخرج من الخيمة فى جو شديد البرد يبحث عن مكان اخر يأوى اليه من شدة التعب .
حاول النوم بالقرب من مربد الابل ولكن هاله شكل الابل وهى تقترب منه ففر يبحث عن مكان اخر فى هذا الفضاء الشاسع المخيف فلم يجد سوى شاحنة خربة آوى اليها يبحث عن راحة لجسده المنهك جوعا عطشان يشعر بحالة من التيه لا يدرك سببها بعد .

عاش نجيب فى الصحراء يعمل راعى غنم وقد حرم من ابسط أبسط مقومات الحياة، من ماء للاستحمام أو تناول طعام كاف، فضلا عن قيام السعودي بتمزيق جواز سفره، وضربه لأتفه الأسباب.

بعض من الوقت آنس وحشة نجيب هذا الكهل الهندى يوم أو بعض يوم ولكن سرعا ما اختفى هذا الهندى ولم يعلم نجيب اين اختفى ولم يعلمه احد اين هو وسأل صاحب العمل فلم يجبه .

وبالتالى اصبح نجيب مضطر ان ينهض برعاية الغنم والابل وحده وهو لا يعرف شيئا عن حياة الأغنام، فيضربه الكفيل بعنف بسبب ذلك، فيبدأ في مخاطبة الماعز طالبا منها الاستجابة له، قائلا “أرجوكِ.. حتى لا أتعرض للضرب”، فتقف له إحداها بهدوء كي يحلبها، وتُحدث أخرى صوتا يتفاعل معه باقي القطيع الذي فر منه ويعود إليه. يأتي ذلك كله بعد أن يناجي الله بدموعه: “يا رب”.
وسط الألم والظلم والخوف ، يعود السيناريو بتقنية “فلاش باك”، ليتذكر نجيب حياته في ولاية “كيرلا” الهندية، التي تبدو كالجنة، كان يحيا فيها مع زوجته الجميلة التي يحبها، لكنه يغادر “جنته” بحثا عن الرزق، حالما مع حبيبته بإنجاب طفلين يسميانهما نبيل وصفية، يربيانهما في رغد ورخاء.

تقع عين البطل فجأة في الصحراء على مرآة سيارة تجلب المياه للمزرعة الصغيرة، فيرى نفسه لأول مرة وقد طالت لحيته، وبدا مظهره مثل الوحش، عاد بدائيا في صورة الإنسان الأول، لا يعرف كم من الزمن مر عليه في هذه الصحراء.

فى تلك اللحظة التى يرى فيها نفسه يفقد الامل ويدخل الى مغارة الشك فيحاصره اليأس. يهم كعادته بالدعاء، لكن يهاجمه الشك. يخاطب نفسه “لماذا أدعو الله؟ لماذا أصلي لله؟ لماذا يحدث لي كل هذا إن كان هناك إله”، يصعد إلى جبل، ويعتزم القفز منه والانتحار.

ظهر أمامه فجأة طير جارح مرعب، فيخاف منه، ويبتعد عن حافة الجبل، ثم يلتفت ليجد مجموعة من الطيور تنهش على مقربة جثة الهندى الهرم الذى فقده ، فيحاول مصارعة الطيور إنقاذا للجثة لكنه يفشل. ساعتها يستعيد الأمل فى الفرار خوفا من ان ينال حياة مماثلة لحياة الهندى الهرم ويموت اما قهرا او ظمأن او تاكله الطير الجارحة فى الصحراء دون ان يشعر به أحد .





إرسال تعليق

0 تعليقات