آخر الأخبار

حتمية التقريب 3/3


حتمية التقريب 3/3








لقد تداول الناس فى بلاد الإسلام تلك الدعاوى والاتهامات الحمقاء عن طوائفهم جيلا بعد جيلا قرونا وأحقابا، كرهوا على أساسها وأحبوا، ومدحوا وذموا، وعظموا وأهانوا، ودعوا ولعنوا، ووصلوا وقطعوا، ونصروا وخذلوا، وأعطوا وحرموا، وهاجموا وهوجموا، وقاتلوا وقتلوا، حتى اختلطت هذه الركائز الشائهة بعواطفهم وتفكيرهم، وصارت جزءا من عقليتهم وسلوكهم يستغله ذوو الأغراض، ويستخدمه أعداء الإسلام فى محاربة الإسلام.
وهذا الاعتياد القديم على تبادل العداوات، بعد أن جر على المسلمين الويلات فى الماضي، يوشك فى الظروف الحرجة التي يمر بها الإسلام الآن أن تعصف بالإسلام نفسه، وهو اعتياد ماكر مخادع يتلون ويتشكل، ويختلف صوره باختلاف الأشخاص وظروف المكان والزمان، بين تبادل الاسترابة وتبادل الازدراء فى الخفاء، والترحيب بالأراجيف وتغليب ظن السوء، ورفض التواصل والتعاون والاشتراك، وتخذيل مساعي الإخوة بين المسلمين، وتعطيل المشروعات وإفسادها، وبين المجاهرة بالاتهام والمقت واللعن والتكفير والعدوان على الأنفس والاموال والتحريض عليه، وبين الاستعانة على المسلمين بأعداء الإسلام، وقطع الروابط الباقية بالجماعات الإسلامية الأخرى، وتمجيد العزلة عن بقية المسلمين، ومحاولة الانفراد بمصير ووجهة غير مصيرهم ووجهتهم .
والتقريب يحارب هذا الاعتياد الماكر فى جميع صوره وكافة ألوانه. ولا غرض للتقريب ولا غاية له إلا محاربته واقتلاعه وإزالته.
ولا يبحث التقريب عمن هو مسئول عن تلك العداوة، ولا يهمه هذا البحث لأنه لا فائدة منه لغرض الذي يسعى إليه، لا يبحث التقريب فى المسئوليات سالفة أو حاضرة، ولا يقف من أي فريق من الناس موقف القاضي أو الحكم، ولا يفاضل بين سلوك جماعة وسلوك جماعة أخرى ، ولا يحاول مراجعة الماضي، ولا إعادة كتابة التاريخ، لان التقريب كما هو اسمه أداة تقارب وجمع شمل ورأب صدع ، ولانه لا يستطيع أن يشغل نفسه بمسائل معظمها شائك خلافى تضيع فيها جهود وتصرفه عن غرضه الأساسي .
بل يقف التقريب بكلياته لمشكلة لا يتركها ولا ينشغل عنها، ومشكلته قبل كل شيء مشكلة اعتياد لا تحل إلا باعتياد مضاد، فالتقريب من هذه الزاوية هو محاولة لتعويد عامة أهل المذاهب الإسلامية على اختلافها كف أذى بعضهم عن بعض فى السر والعلن، وتبادل حسن المعاملة فى السر والعلن، والتواصل والاشتراك والتعاون فى السر والعلن .
ونقطة البداية هي إقناع عامة أهل هذه المذاهب بأنهم جميعا ليس بينهم أي خلاف فى الأساسيات: إلههم واحد، وكتابهم واحد، وقبلتهم واحدة، ونبيهم واحد، لا يختلفون على أي ركن من أركان الإسلام، وإفهامهم أن هذا القدر المجمع عليه بينهم هو جوهر الإسلام ورأس مال المسلم أيا كان مذهبه، ولا ينقص هذا أو ذاك بانتماء المسلم لأحد المذاهب وتعلقه به، أو نظرته فى الأصلح للقيام بأمر المسلمين، وأنه متى تحقق جوهر الإسلام لانسان فقد انعقدت بينه وبين سائر المسلمين فى كل مكان الأخوة الإسلام، يحرم معها أن يخذل بعضهم بعضا أو يؤذى بعضهم بعضا، أو ينحاز احدهما إلى من يعاد الآخر منهما، وليست نقطة البداية هذه من الهينات، لان عامة أهل المذاهب يعتقدون فى الغالب أنهم هم وحدهم الذين فيهم تحققت حقيقة الإسلام، وكثيرا ما يتصورون أن الآخرين من المنتمين لمذاهب أخرى لا يعبدون نفس الرب، أو لا يتبعون نفس النبي، أو لا يقرءون نفس القرآن، أو ليست صلاتهم صلاة، ولا زكاتهم زكاة، ولا حجهم حجا، وأنهم كفرة أو زنادقة على الجملة، وتلك حال نشأت عن العزلة الطويلة التي فرضها تبادل العداوات من قديم، فصارت كل طائفة تجهل حقيقة إسلام أختها، وتصدق فى شأنها أراجيف وترهات، تتمثلها فى صور غريبة من الانحطاط الفكري والروحي.

إرسال تعليق

0 تعليقات