آخر الأخبار

الجزء الخامس تناهيد دار أبي الأرقم أوراق يعقوبية



تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق يعقوبية






أوراق يعقوبية (8)
كانت نظرة سماحته في الأمور شمولية ولم تكن طولية باتجاه واحد ونمط واحد بل كان ينظر في خطوط عرضية في وقت واحد فكان يحث الطلبة أن يكونوا خطباء فما فائدة العالم ان لم يكن خطيبا يتكلم ويناقش ويتحدث ويدعو (طبعا لا نقصد هنا الريزخون والناعي) وكان يقول يجب أن يكون الخطيب حوزويا (فثمة مشكلة اليوم تكمن في افتقار الخطيب للمؤهلات العلمية) وان يكون الحوزوي خطيبا (وثمة مشكلة أيضا في الطالب ـ بل حتى المراجع ـ الذي لا يجيد الخطابة والمحاورة) ومن هنا استحدث الشيخ اليعقوبي درس الخطابة في دار أبي الأرقم ولكن لم تكتب لهذه المهمة النجاح فان تفكير أكثر الطلبة كان محصورا في الدرس الحوزوي النمطي المتعارف من فقه وأصول ونحو !! بينما كان الشيخ يحرص على بناء طالب علم ملم بكل العلوم ولذ أوجد الشيخ درسا بالأسبوع (بلاغة القرآن) يقدمه أستاذ أكاديمي يأتي من بغداد ..
وكان من بين العلوم التي تدرس في دار أبي الأرقم (الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات والانكليزي) وطبعا هذه الدروس غير موجودة بالحوزة بالمرة .. وكانت هذه الأمور والخروج عن العرف الحوزوي تشكل حالة من الخطر على الشيخ أولا والطلبة ثانيا حتى أن احد ضباط الأمن سأل أحد الطلبة لماذا تدرسون هذه العلوم هل يريد اليعقوبي أن يجعلكم وزراء في الحكومة المقبلة التي يروم تأسيسها؟! فاذن القضية كانت تأخذ بعدا سياسيا في نظر القوم ..
وكان سماحة الشيخ اليعقوبي يحرص على خلق علماء وقادة ومبلغين حتى أنه أمر أحد الطلبة (الشيخ صادق رحمه الله) بتأليف أو تلخيص (أو اختيار كتاب) كتاب حول فن الإدارة والقيادة وقال يجب على طالب العلم ان يكون فاهما بكيفية إدارة أي مؤسسة تعطى له وبالفعل تم توزيع كتاب على الطلبة حول هذه المواضيع ولكن للأمانة أقولها كان الطيف الأكبر من الطلبة خامل الذهن لا يعي هذه الأمور فلا تجده متحمسا لها كثيرا ..
وأوعز سماحته إلى الطلبة بضرورة أن تكون هناك مجلة باسم جامعة الصدر الدينية تنمي القدرات الفكرية والثقافية للطلبة أسوة بما عليه السلف من إصدار مجلات ترعاها شخصيات حوزوية ومنها مجلة الإيمان لوالد الشيخ .. واللطيف أن الشيخ ذكر بان هذه الأعداد من المجلات سوف تكون مادة ثقافية وعلمية وفكرية جاهزة بعد حصول التغيير (النظام) ولكن اندفاع الطلبة كان ضعيفا في انجاز هذا المشروع وثمة سبب آخر أدى إلى تلاشي هذه الفكرة وسيأتي الكلام عنه في التنهيدة اللاحقة ..
وعلى أي حال تبين بالفعل مدى الأفق الواسع من التفكير والأمل الكبير الذي كان يملكه الشيخ ومدى المثابرة وعلو الهمة التي كان عليها سماحته فقد صدق كلامه وعلمنا بعد سقوط النظام مدى الحاجة لتلك الكتابات التي للأسف لم تر النور ..


تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق يعقوبية (9)

وفي ظل هذه الحركة الثقافية الدؤوبة تناهى إلى مسامع السيد مقتدى الصدر انخراط بعض الطلبة في هذا العمل الرسالي والدعوي والتبليغي فأرسل رسالة إلى دار أبي الأرقم (جامعة الصدر) جاء فيها منع الطلبة من الكتابة والاقتصار على الدراسة خوفا على الطلبة من جور النظام البائد وبطشه ..
وكنت يومها أكتب حواريتي (حجاب عند عتبة الباب) فقال لي احد الطلبة بلغة بسيطة وساذجة وما قيمة ما تكتب وقد منع السيد مقتدى من الكتابة والطباعة ؟! فقلت له بلسان الواثق البصير بما يفعل : هذا نشاط خاص بي وأنا على استعداد أن أطبعه بمفردي ..
وما هي إلا أسابيع من توقف الحركة الثقافية إثر منع السيد مقتدى حتى جاء الشيخ اليعقوبي إلى الجامعة قائلا : لا تخشوا أحدا وتوكلوا على الله واكتبوا وانشروا ولا داعي لهذه المخاوف فان المجتمع بحاجة إلى هذه الكتابات .. وهكذا عاد النشاط إلى مفاصل الحركة الثقافية التي صارت تتوسع لتشمل التحاق بعض طلبة الحوزة ممن يرتبط بخط الشيخ الفتي يومئذ حتى أن الشيخ أعطاني كتابا (لا أتذكر أسمه الآن) لبيان مدى صلاحيته للنشر فكان رأيي أنه ضعيف ودفع لي سماحته حوارية تتحدث عن مخاطر الاستمناء فطلب سماحته أعادة كتابتها لأنها كانت غير صالحة للنشر كما أنها غير صالحة للترميم بل تحتاج إلى إعادة صياغة من جديد فكانت بعد ذلك : (شباب في مقبرة الجنس) وقد نوهت في بداية الكتاب أن أصل الفكرة لم تكن لي من باب (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) بإرشاد من سماحته .. وقد طبع هذا الكتاب قبل وبعد سقوط النظام ..
كما انه طلب مني كتابة كتاب يتناول تبسيط أحكام الوضوء وبيان الأخطاء التي يقع فيها المكلفون وبعد أن قرءه أعاده لي وطلب أن أضيف له مبحث التيمم وقد أسميته : (الوضوء طهارة الروح ومفتاح الصلاة) ..






إرسال تعليق

0 تعليقات