الحلقة الثامنة عشر
فتح وحركات التحرر في العالم
لكل نهر منبع ومجرى ومصب...
فتح وجبهة التحرير الوطني الجزائري والمؤتمر الوطني
جنوب أفريقيا وثورة فيتنام الشمالية.. هذه أكثر النماذج إثارة في العصر الحديث وهي
أكثر حركات التحرر والثورة الفاتا للانتباه وهي جميعها تشترك بأنها ضد الاستعمار
العنصري الاقصائي ولكني هنا أريد أن أوضح خصوصية القضية الفلسطينية عن القضايا
الثلاث الأخرى كما أوضح نتيجة ذلك خصوصية الثورة الفلسطينية في محاولة لاكتشاف
الخاص في كل ثورة فلكل نهر منبع ومصب.
=================
في كل واحدة من القضايا المطروحة ما يجعلها قضية إنسانية
بامتياز توجب على الضمير الإنساني أن يصطف معها فهي قضية حقيقية بلا شك.. في
فيتنام حيث مواجهة دولة عظمي باطشة تمزق البلد وتريد أن تلحق الدمار بشطره الشمالي
فينتفض الناس دفاعا عن كرامتهم وحقهم في الحرية والاستقلال وفي جنوب افريقيا كيان
عنصري يتحكم في مصير شعب بكامله يستعبده ويذله ويمارس عليه كل أشكال التميز والتعسف
العنصري فكان على الضمير الإنساني أن ينتفض نصرة لهذه القضية الإنسانية المحقة وفي
الجزائر استعمار يأتي بشذاذ الآفاق لبلد ليس لهم يمكنهم من السيطرة على كل شيء
ويمارس القهر على أهل البلاد يجهلهم ويتركهم للجوع والمرض ويحاول القضاء على كل
عناصر هويتهم ويقتل منهم ويعتقل كيفما شاء فكان على الضمير الإنساني ان ينحاز الى
ثورة الشعب الجزائري وهو يستعيد كرماته وهويته ويحرر أرضه من العنصريين المستعمرين
وفي فلسطين استعمار بريطاني ضمن توافق دولي كبير لتسليم البلد لعصابات متطرفة
مهووسة عنصرية لإقامة كيان مجنون صراعي في قلب العرب ويمعن الاستعمار البريطاني
والعصابات الصهيونية في العملية الشريرة فيقوم بطرد 90 بالمائة من أكثر من 80 بالمائة
من ارض فلسطين ويستمر في محاولة إلغاء خصوصية البلاد وهويتها ومسح أهلها وترحيلهم
فكانت ثورة هذا الشعب لاستعادة أرضه وحقه موجبة على الضمير الإنساني الانحياز
التام ضد الشر المستطير.
===================
إلى هنا يبدو أن المشترك كبير جدا وهو البعد الإنساني
بين هذه الثورات وهو مايجعلها متحالفة متحابة متقاربة في مشاعرها ونتائج ثوراتها..
ولكن كل واحدة كما يبدو لها خصوصية وعلى هذا تكون خصوصية الأداء والرؤية.
===================
في فيتنام كانت الثورة الفيتنامية تجمع مع حق
الفيتناميين خيارا إيديولوجيا في مواجهة الامبريالية الرأسمالية الأمريكية فكانت الصين
والاتحاد السوفيتي ظهيرا قويا للفيتناميين ماديا وسياسيا ولم يستهدف الاستعمار
الامريكي إنهاء الشعب الفيتنامي إنما السيطرة عليه من خلال توجه اقتصادي سياسي
ما.. وفي جنوب افريقيا كانت ثورة السود والمؤتمر الوطني ضد العنصرية البيضاء التي
مارست إقصاء السود عن مقاليد الحكم والإدارة والتواجد في صلب الحياة في جنوب أفريقيا
لكن لم يكن هناك مشروع لتطهير العرقي والعنصري في جنوب أفريقيا إنما كان هناك
تمييز عنصري وابارتايد.. وفي الجزائر كانت الحملة شرسة على عناصر الهوية وعلى
المجتمع الجزائري لإرهاقه وتدمير قوته الثقافية والاقتصادية وقمع أية محاولة
للاستقلال والتحرر من خلال عمليات قتل وإبادة واسعة النطاق الا انه لم تتم عمليات إجلاء
قسرية واسعة لأهل البلاد فكانت الثورة الجزائرية تعبير صميم عن ارادة الناس
باستعادة ذاتهم والتحرر من هيمنة دولة عظمى يومذاك ومن خلفها الحلف الأطلسي.. أما
في فلسطين فلقد كانت العملية اخطر من كل ماسبق إنها عملية تطهير عنصري وليس فقط
تمييز عنصري.. أنها إخلاء الأرض من أهلها.. إنها تشارك دولي وإقليمي على إعطاء ارض
فلسطين بلا شعب للصهاينة وقد اشترك الجميع في المؤامرة.. من هنا تصبح المعركة ليست
معركة ضد العنصري والميز العنصري فقط وليست ضد الامبريالية والاستعمار الغربي فقط
وليست ضد تذويب الهوية الثقافية والحضارية فقط بل هي في الأساس ضد عملية إلغاء
الوجود الآدمي.. المعركة هنا معركة وجود بشري قبل الثقافة والاقتصاد والسياسة
والحكم..
==============
من هنا كان إدراك طبيعة المعركة هو الخطوة الأولى في
العملية كلها فطبيعة المعركة هنا على ارض فلسطين هي ضرورة تثبيت الوجود الفلسطيني
واثبات حضوره القوي والفاعل لإسقاط الحجة الاستعمارية والصهيونية ومن ثم خوض
المعركة السياسية والنضالية بكل أشكالها من اجل تحقيق العودة والتحرير وتحطيم
الكيان العنصري الصهيوني.
أدركت فتح هذه الطبيعة فهي لم تكن استنساخا لآي ثورة
سبقت وان كانت تربطها بها جميعا علاقة الشراكة والمؤازرة لاسيما ثورة الجزائر التي
هيات المناخ الإقليمي ووفرت الشروط لانطلاق الثورة الفلسطينية وساندتها في كل
المفاصل الحيوية..
أدركت فتح أنها إزاء معركة مختلفة عن كل معارك حركات
التحرر واخطر ما في هذه المعركة ان القرار الدولي ومعه معظم النظام العربي يتفقون
على إعطاء العصابات العنصرية الصهيونية أكثر من 80 بالمائة من ارض فلسطين وإلغاء
هويتها العربية عنها.. الأمر الذي جعل من الثورة في هذه الرقعة الجغرافية المحدودة
حيث المصالح الغربية الإستراتيجية والتي تعتبر الكيان الصهيوني حاميها تصبح الثورة
هنا من اجل استرداد فلسطين وتدمير الكيان العنصري أمرا مستحيلا فلذلك قال موتسي
تونغ زعيم الصين الكبير ان ثورة فلسطينية بجوار براميل النفط ستكون هي ثورة
المستحيل..
من هنا لابد الانتباه الى دقة اختيار فتح لمواقفها وأفكارها
وخطها السياسي ففي حين كان بعض الفلسطنيين المناضلين يطرح شعارات الثورة العربية
القومية في أكثر من مكان في ظفار والاحواز ولواء الاسكندرونة وكان البعض الأخر من
المناضلين الفلسطينيين يطرح دستور ايران ينشره في فلسطين ويصارع عليه في المساجد
وكان طرف آخر يتبنى معارك داخلية في بعض الدول العربية لان له علاقات مع اطارف
سياسية هناك.. كانت فتح لا قضية لها الا الصراع في معركة الوجود مؤجلة أي معركة أخرى
إلى مرحلة مابعد تثبيت الوجود وإسقاط المشروع الصهيوني.. لانه يصبح من العبث والفوضى
ان ننشغل بمعارك ليس وقتها قبل ان نثبت وجودنا الآدمي هنا على ارض فلسطين
========================
فتح هي حالة واعية وفكرة حية ومحيية وهي اقصر طريق
الى فلسطين واصح سبيل لنيل الحق الفلسطيني في إثبات الوجود الآدمي للشعب الفلسطيني
وكل فكرة أخرى سوى فتح هي تطيل المسافة بينها والهدف وقد تنحرف بها السبل وتشتتها
الى دروب أخرى وتشعبات لاطائل منها
فتح هي الإجابة الفلسطينية العبقرية على الوضعية
الناشئة من قبل الاستعمار والمشروع الصهيوني وهي الإجابة الفلسطينية الخاصة كما
كانت جبهة التحرير الجزائرية الإجابة الجزائرية الخاصة على التحدي القائم وكما كان
حزب المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا هو الإجابة على التحدي القائم..
=========================
مهما يكون قد أصاب حركة فتح من إعياء أو ارتباك فان
فكرتها لاتزال حية وقوية ولديها الصحة والصلوحية لاستئناف المسيرة بحيوية واقتدار..
في حلقة قادمة اقتراحات نحو فتح ليس من باب النصيحة
فهي ليست جاهلة لأنصحها ولا غافلة فأنبهها ولكن من باب الحرص على عمود بيت المشروع
الوطني الفلسطيني وتحسسه وتصليبه والله من وراء القصد
0 تعليقات