آخر الأخبار

الجزء الرابع : تناهيد دار أبي الأرقم أوراق يعقوبية


الجزء الرابع : تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق يعقوبية






وفي إحدى الأيام جاءنا أحد الأشخاص إلى مدرستنا (فرع الجامعة الثاني حيث كنا في المرحلة الأولى) وابلغنا بضرورة الحضور إلى دار أبي الأرقم (جامعة الصدر الفرع الرئيسي) حيث كان هناك بالانتظار مدير أمن النجف (........) صاحب العينين الزرقاويتين اللتين كانتا تحدقان بوجوه الطلبة بتملي وفراسة كمن يبحث عن غريم له في وسطهم ..
وهناك وجدنا المرحلة الثانية والثالثة والشيخ اليعقوبي واللواء يجلس في وسطهم وراح اللواء يتوعد محذرا الطلبة من التورط بالعمل السياسي وقال في ضمن ما قال ـ وهو يشير إلى الأرض بيديه ـ هذا مربع السياسة وهذا مربع العمامة فإذا دخلت العمامة في ذلك المربع ـ أي مربع السياسة ـ احترقت .. وكنا ننظر إلى كبيرنا الشيخ الذي علمنا الصبر وقد علته حمرة فصار وجهه مشرقا كأنه فلقة قمر فكان قد شغلنا نور وجهه عن التأمل في كلمات وتهديد اللواء ..
ورغم ذلك لم تثن هذه الممارسات الصدامية سماحة الشيخ القيام بمهام كبرى لا يخطر على قلب مرجع أن يلوح بها فضلا عن التصريح بها ومن ذلك أقدام الشيخ على مقاطعة المنتجات الأجنبية وخاصة الأمريكية باعتبارها دولة تعلن الحرب صراحة ضد الإسلام والمسلمين فكل ما من شأنه تقوية شوكة أعداء الإسلام فهو أمر محرم شرعا وهذا وإن كان مودعا في رسائل الأعلام ولكن أنى لعامة الناس من الوقوف عند حروفه وتفسيره فضلا عن إدراك أهميته وتطبيقه ولذا راح الشيخ يفتي بلسان صريح بحرمة شراء وترويج بضائع السكائر الأجنبية ؟
وسرعان ما وصل أمر الفتوى إلى مسامع الحكومة البوليسية الصدامية فارسلوا واردهم إلى الشيخ وهو شخص (شيعي) يعمل في الأردن وقال للشيخ مستفهما ومهددا ومحذرا: هل تعلم لمن تعود تجارة السكائر في العراق ؟
فأجاب الشيخ : نعم أعرف .. ورجع الرجل المفاوض بخفي حنين خالي الوفاض فلم يرعو الشيخ لمطلبه في سحب فتواه رغم خطورة الموقف وصعوبته وخطره على حياته فإن الأعم الأغلب من العراقيين يعرفون أن تجارة السكائر تعود لـ (عدي نجل صدام) المعروف بشراسة طباعه وتهوره وهو من أطلق النار على عمه وطبان !!


تناهيد دار أبي الأرقم
أوراق يعقوبية (7)
ونشط سماحة الشيخ اليعقوبي في ميدان الكتابة والتأليف والإجابة على الاستفتاءات والتي خرجت من رتابتها المعهودة ونطاق أحرفها الضيق بين يجوز ولا يجوز بل صارت تحمل دروسا ومواعظ وتحرك مشاعر الفرد المسلم وتنمي مستوى التدين وترفع الغبار عن كوامن الفطرة بداخله وتسمو به بعيدا عن الحدود الفقهية الدنيا التي يقف عندها سنان قلم الفقهاء عادة .. فهو حينما يجيب عن جواز الإفطار في يوم الشك يردفه قائلا : ولكن في ذلك تدني في مستوى التربية الإيمانية وهذا يذكرنا بقول الإمام الصادق الذي رفض الزواج أول الأمر من الكتابية ولكن حينما ألح السائل عليه قال : نعم واعلم ان في دينك غضاضة (نقص) ..
وربما لا أجافي الحقيقة أن قلت أننا لا نغادر دار أبي الأرقم (الجامعة يوما) إلا وفي جعبتنا استفتاء يعالج ظاهرة سلبية بل أحيانا أكثر من استفتاء مضافا للكتيبات الصغيرة المستنسخة والتي تحمل طابعا تربويا وأخلاقيا وتثقيفيا وكنا نشتري هذه النشاطات ونقدمها للناس بالمجان حتى اضطررت بسبب الديون التي عليَ أن أتصدى لصلاة الاستيجار وقتذاك ..
وقد كانت الكتيبات التربوية والأخلاقية والاستفتاءات التي توزع على عامة الناس خالية من ذكر أسمه الشريف وبعض الناس كانوا يريدون أن يعرفوا من هو المجيب عليها خاصة في المسائل الشرعية التي يجب أن تكون متطابقة مع رأي مرجع تقليدهم ـ السيد الصدر في الغالب ـ فنقلنا تسائل الناس وترددهم فأوعز لي سماحته أن أكتب مقدمة لكتيب (ظواهر اجتماعية منحرفة) وأبين أن المجيب على هذه الأسئلة هو سماحة الشيخ اليعقوبي فكتبت في مقدمته (أنى لك هذا؟) ورحت أذكر للقراء من هو الذي يجيب ويعلق على هذه الأسئلة والظواهر السلبية ..
وكان جمع من الطلبة (كالسيد حازم الميالي والشيخ عبد العظيم الأسدي) قد ساروا على منوال شيخهم بالكتابة في وسط تشجيعه وتحفيزه لهم فقد طلب مني أن اكتب كتابا يتناول الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء وقد اسميته (فقه المرأة المسلمة) وقد طبع مرات عديدة وقد وصلتني رسائل من النساء تقدم شكرها على هذا لكتاب بينما أرسلت امرأة من الجنوب ويبدو أنها تقطن الريف كيس صغير من الرز وكتبت أنها لوكانت تملك حليَا لما توانت في بيعه وإرسال ثمنه !! وقد نقل أحدهم أنه شاهد مخزنا في شارع المتنبي مليئا بهذا الكتاب ..
وللحديث بقية


إرسال تعليق

0 تعليقات