عباس ينقب عن حوت يونس ....(
اشتباك حر) الجزء الثانى
محمود جابر
فى الحلقة السابقةاستعرضنا بعض من جهود جماعة
المشتبكين مع النص الديني ( القرآن والتوراة والإنجيل) والكشوف التاريخية والأثرية
ومطابقة النص مع الكشوف وفقا لتفسير النص الأصلي سواء بالمطابقة أو المخالفة
للتاريخ للتفسير القديم.
وقلنا أن عباس الزيدى واحد من
هؤلاء الجماعة بل ويأتي فى مرتبة متقدمة نظرا لجهوده الكبيرة فى هذا العمل الذى
نحن بصدده وأعمال أخرى .
ووقفنا فى الحلقة السابقة عند
المقدمات الثلاث التى ابتدأ بها " عباس " كتابه وكان الحديث هو تفسير
النص أو المفردة القرآنية فى معاجم اللغة وقواميس اللغات المشاركة للعربية كالآرامية
والسريانية وغيرها .
فى صفحة 23 من الكتاب كانت أول
واكبر قذائف " عباس" التى يمكن وصفها بأنها قذيفة من العيار الثقيل
حينما ضرب لنا مفهوم ( الحوت) الموجود فى القرآن بدلالته عبر التفاسير وانتقل إلى
نص التوارة عن قصة يونس .
أن الله أمر يونان النبى (
يونس) بأن يذهب إلى نينوى فركب سفينة إلى ترشيش ووسط البحر هاجت الرياح وكادت
السفينة أن تتحطم وتغرق فقاموا بعمل قرعة لمعرفة من هو المذنب الذى تسبب فى هذه
الحالة فوقعت القرعة على يونان فقال البحارة (أيها الرب لا تهلكنا بسبب هذا الرجل
ولا تحملنا دما برئيا لأنك يا رب تفعل كما تشاء ).
فألقوا بيونان إلى البحر
فالتقمه الحوت، وبعد ثلاثة أيام قذفه الحوت إلى البر . وتوجه يونان على نينوى وكان
الوصول إليها يحتاج إلى ثلاثة أيام ولكنه اجتاز الطريق فى يوم واحد .
واستطع يونان أن يعرفهم على
الرب حتى أن ملكهم قام عن عرشه وخلع حلته وجلس على الرماد .
عباس يقول وفقا لكمال صليبى أن
سفر يونان كتب فى العراق وانه دون تقاليد ومعارف وأسماء تسبق التوراة بمئات السنين
.
ترشيش:
تحت هذا العنوان الذى ورد فى
النص " التوراتى" بدأ عباس رحلته فى البحث عن مكان ترشيش، وقال أن يونان
النبى وفقا لشراح الكتاب المقدس قالوا انه أبحر من بلدة تسمى " جت حافر"
فى اعلي الجليل بالقرب من الناصرة – أى من فلسطين – إلى ترشيش التى قال عنها
الشراح بأنها فى جنوب أسبانيا عند جبل طارق وتسمى " طرطوسة".
ثم ذهب " عباس" لبحث
جغرافية ترشيش والتعرف عليها من خلال النص الأصلي – التوراة - ) لأَنَّهُ كَانَ
لِلْمَلِكِ فِي الْبَحْرِ سُفُنُ تَرْشِيشَ مَعَ سُفُنِ حِيرَامَ. فَكَانَتْ
سُفُنُ تَرْشِيشَ تَأْتِي مَرَّةً فِي كُلِّ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ. أَتَتْ سُفُنُ
تَرْشِيشَ حَامِلَةً ذَهَبًا وَفِضَّةً وَعَاجًا وَقُرُودًا وَطَوَاوِيسَ). الملوك
الأول 21.
وقد قطع " عباس" من
خلال بحثه عن المواد المستوردة من ترشيش والتى تشمل الطاووس والعاج والقردة ان
مصدرها الهند والسند، وليس فقط بل أن " طاووس" و" قرد" كلمتين
ليست عبرية ولكنها لغة محلية هندية وهى اللغة التميلية القديمة فى الهند .
ومن خلال بلدة أخرى فى أطراف
ترشيش وهى " أوفير" والتى لم يحدد شراح الكتاب المقدس ولا قواميسه
مكانها والتى كان الملك سليمان يجلب منها خشب الصندل والذهب والحجارة الكريمة وأصل
شجرة الصندل فى بلاد الهند .
عباس بحث عن ترشيش فى معاجم
العربية فوجدها في معجم لبلدان للحموى باسم تُرشيش – بضم التاء وسكون الراء وكسر
الشين الأولى - وقال هى ناحية نيسابور، كما ذكرها ابن الأثير ضمن البلاد الشرقية
وليست البلاد الغربية أى أنها ليست اسبانيا على الإطلاق .
الكاتب فى تنقله من قواميس
الكتاب المقدس وشراحه إلى قواميس العربية يحاول أن يعزز وجهته وهدفه من خلال عمل
علمى وبحث مستفيض ومتمكن من أدوات البحث .
نينوى :
تحت هذا العنوان عمل "
عباس" عملا مضنيا من التاريخ والجغرافيا ومقارنات تاريخية ومطابقة مع الكتاب
المقدس وهم عمل يستحق عليه مرتبة بحثية كبيرة .
قال إن نينوى – العراق- تبعد
عن فلسطين حوالى 800 كم، وإذا كان المسافر قديما يقطع مسافة سير من 30 : 35 كم فإنه يحتاج للوصول إليها
خلال 23 يوما .
طرح عباس سؤال : هل نينوى التى
ذكرت فى قصة النبى يونان هى نينوى عاصمة الدولة الأشورية ؟
وقبل الجواب أعطى "
عباس" شرحا مفصلا لنينوى عاصمة الدولة الآشورية وهل يمكن أن تكون هى المقصودة
أم لا ؟
فالمدينة التى ازدهرت وتجملت
تراجعت وتهدمت فى القرن السابع قبل الميلاد بفعل الصراع السياسى وبفعل عوامل
الفيضان لنهر دجلة التى بنيت على ضفته الشرقية ولم يكشف عنها إلا فى القرن التاسع
عشر .
واستطاع عباس من خلال الكثير
من الدلالات أن يثبت ان النبى يونان لم يكن فى زمن الملك الآشوري هدد أو أدد (
نيرارى الثالث) والذى قصر الصلاة على إله واحد وهو الإله (( نبو)) واستطاع يونان
أن يحول المجتمع الوثنى إلى مجتمع توحيدى يعبد إلها واحدا وهو الله تعالى .
و عاد ليقول أن سفر يونان يخلو
من أى إشارة لهذا رغم معاصرة يونان لمدينة نينوى الآشورية قبل خرابها .
الغريب أن مفسرو الكتاب المقدس
المحدثين انركوا حدوث هذه القصة برمتها – قصة يونان النبى – ويلتمس " عباس
العذر لهؤلاء وأن ما قالوه لا يتفق مع نينوى الشمالية، والقضية التى يفجر ينابيعها
الكاتب هنا أن نينوى لم تكن مدينة واحدة، فقد ذكر الإنجيل مدينة نينوى معاصرة
للسيد المسيح رغم ان نينوى المقصودة خربت إلى غير رجعة سنة 612ق. م .
ولكن الإنجيل يتحدث عن نينوى
أنها سيكون لها دور مع المسيح وفى المستقبل أيضا .
عباس ينكر الرواية التى تقول
بأن يونان النبى جاء من فلسطين إلى بلاد الآشوريين للقيام بالدعوة إلى الله، وهذا
أمر عسير جدا وغير مبرر نظرا لان كلا اللغتين العبرية والأشورية مختلفة وحتى
اللهجة العامية التى يتحدث بها أهل نينوى والتى تسمى الاكدية مختلفة عن لسان يونان
تماما والقرآن يتحدث عن قاعدة ثابتة لكل الأنبياء قال تعالى ( وما أرسلنا من رسول
إلا بلسان قومه ليبين لهم).
وهنا استبعد عباس أن تكون
نينوى الأشورية هى المقصودة وما يهون الخطب أن هناك مدن أخرى فى العراق باسم
نينوى، واحدة فى قضاء الشطرة قرب الناصرية ، وهى مدن دولة لجش، وقد استبعد الكاتب
تلك المدينة أيضا لأنها لم تكن عامرة زمن الحدث فى القرن الثامن قبل الميلاد،
والسبب الآخر أن سكان المدينة المشار إليها كانت مائة ألف أو يزيد إضافة لعدة
أسباب أخرى .
ومن خلال عمل رصد تاريخى قطع
الكاتب ان المدينة التى تقع قرب الناصرية فى قضاء الشطرة تسبق الحدث بحوالى 1200
عام، وهنا تم استبعادها من البحث، وحل محلها مدينة أخرى بنفس الاسم والمعروفة الآن
بـ " كربلاء".
ثم أورد عباس روايات من
المصادر العربية يثبت فيها كلامه من وجود أكثر من مكان بهذا الاسم، وكان أول رواية
ذكرها لابن النميرى فى تاريخ المدينة أن هناك مدينتين بهذا الاسم إحداهما بالسواد
بالطف والتى قتل فيها الحسين بن على (ع)، والثانية بالموصل والتى حدثت فيها قصة
يونان النبى .
وذكر الطبرى فى تاريخه وابن
الأثير الكامل وصف نزول الحسين بن على بها فى " نينوى" وهم يعنون بها
الغاضرية.
ورواية أخرى لابن الأثير فى
أحداث سنة 251هـ، ورواية ثالثة فى مسند أحمد وغيره من الروايات التى ذكرها ووصف
الكاتب " نينوى الكربلائية" بأنها كانت موجودة شمال شرقى كربلاء، وهى
الآن سلسلة تلول آثارية ممتدة من سدة الهندية حتى مصب نهر العلقمى فى الأهوار
وتعرف بتلول نينوى، التى كنت ضمن المملكة الاكدية .
وبهذا فإن الكتاب وفقا
للاحتمالات التى ناقشها واختبر صحتها قد حط رحاله فى مكان الحدث فى نينوى التى هى
جزء من كربلاء الحالية أو كربلاء جزء منها .
ووفقا لهذا الاحتمال سنكون
أمام بيئة نهرية وليست بيئة بحرية، وهذا الكلام يفتح سؤال يحتاج إلى جواب هل تعيش
الحيتان فى الأنهار ؟
للحديث بقية
0 تعليقات