الفقه الإسلامي .... مدخل إلى معرفة التشريع فى الإسلام (( الفقه ))
( الحلقة الثانية )
محمود جابر
كيفية بيان التشريع في هذا
الدور:
وفي هذا الدور كان التشريع
للأحكام إما بآية من القرآن العظيم أو بالسنة من النبي الكريم صلى الله عليه وآله
وسلم. والسنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبارة عن كلامه صلى الله عليه وآله
وسلم أو كتابته صلى الله عليه وآله وسلم أو فعله صلى الله عليه وآله وسلم أو
تقريره صلى الله عليه وآله وسلم وإمضائه صلى الله عليه وآله وسلم فان هذه الأربعة
تسمى باصطلاح الفقهاء بالسنة نقلاً من معناها اللغوي الذي هو الطريقة ويسمى الحاكي
للسنة (بالخبر أو الحديث) وهو تارة يكون متواتراً وتارة يكون خبراً غير متواتر
ويسمى بالخبر الواحد.
وقد تطلق السنة على ما يعم
الحاكي والمحكي.
اتجاه التشريع في مكة المكرمة:
وكان التشريع في مكة المكرمة
متجهاً نحو تركيز العقيدة وإصلاح الفاسد منها ومكافحة الإلحاد والشرك بالله وإثبات
الرسالة المحمدية.
اتجاه التشريع في المدينة
المنورة:
وفي المدينة المنورة كان
متجهاً إلى سن الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية حتى كمل الدين وتمت رسالة سيد
المرسلين, ولم يترك حادثة صغيرة أو كبيرة إلا ونجد حكمها بنصوصه أو آثاره أو في
كلياته وأصوله، وترك معرفة الوقائع المتجددة لفهم المتفقهين في قوانينه, وهذا ما
صير الدين الإسلامي يتماشى مع سائر العصور خاتمة للأديان وصالحاً للبقاء في كل حال
وزمان.
مصدر التشريع في المرحلة
الأولى :
إن مصدر التشريع في هذا الدور
هو الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل رب العالمين سواء كان
التشريع بآية قرآنية أو بالسنة النبوية.
اجتهاد الرسول:
وقد نسب للشافعية والمالكية
وبعض الحنفية القول بأن التشريع قد يكون مصدره اجتهاد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم وما أدى إليه رأيه لا بالوحي المنزل عليه. وذهب أصحابنا الإمامية والأشعرية
وكثير من المعتزلة والمتكلمين إلى عدم ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم وقد أشبعنا
المقام بحثاً وتنقيحاً في المجلد الأول من كتابنا الأحكام الشرعية وشؤونها .
إلا انه لا ينكر أن الاجتهاد
قد كان عند الصحابة بالمعنى الأعم فان فهم أحكام الوقائع من بعض النصوص الدينية
يحتاج إلى إعمال الرأي وبذل الوسع والجهد, وهو لا محالة يصدر عن الصحابة عند عدم
تيسر وصولهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بل ربما يرجعون لحكم العقل إذا لم يكن
لديهم نص يمكن استلهام الحكم الشرعي للحادثة النازلة بهم لانسداد باب العلم فيها.
ومن هذا الباب ما روي من أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أذن لمعاذ بن جبل ) لما بعثه إلى اليمن أن يجتهد
فيما إذا لم يجد نصاً من الكتاب أو السنة في الواقعة التي هي محل ابتلائه وانك
لتلمس الاجتهاد من بعض الصحابة عندما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض الصحابة
ألاّ يصلي العصر إلا في بني قريظة فكان فريق منهم لم يصلوا العصر رغم فوات وقته
حتى وصلوا لبني قريظة تعبداً بالنص بينما الفريق الآخر اجتهد واعمل رأيه فصلى
العصر قبل الوصول لبني قريظة قبل فوات وقت العصر وقال ان المقصود الحث على الإسراع
بالوصول لبني قريظة لا التعبد المحض.
إكمال الدين:
وفي هذه المرحلة كمل بيان
الأحكام الشرعية وبيان مصادرها.
إطلاق كلمة الفقه والفقيه:
وكانت كلمة (الفقه) في هذا
الدور تطلق على معرفة سائر الأحكام سواء كانت أصولية أو فرعية وسواء كانت أخلاقية
أو تعبدية, وكان (الفقيه) في هذا الدور من حفظ آيات من القرآن الشريف وعرف معانيها
وناسخها من منسوخها ومتشابهها من محكمها وخاصها من عامها ومقيدها من مطلقها.
تسمية القراء بالفقهاء في هذه
المرحلة:
وكانوا يسمون الفقهاء بالقراء,
أي الذين يقرؤون الكتاب باعتبار أن هذا أمر يميزهم عن عامة الناس, لأن الأمية كانت
منتشرة وعامة, ولما كمل علم الفقه فيما بعد ذلك وأصبح علماً مستقلاً أبدلت أسماؤهم
بالفقهاء.
المعروفون بالفتوى في هذه
المرحلة:
وكان المعروفون في الفتوى في
هذا الدور أبو بكر، وأبو الدرداء، وأبو رافع، وأبو سعيد الخدري، وأبي بن كعب، وأبو
أيوب الأنصاري، وحذيفة بن اليمان، وجابر الأنصاري, وزيد بن ثابت، وسلمان الفارسي،
وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن مسعود، وعثمان بن عفان, وعمر بن الخطاب, وابنه
عبد الله، وعبد الله بن العاص، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عباس, ومعاذ بن جبل.
المرجع في تشخيص الحكم هو
الإمام علي عليه السلام:
وكان الإمام علي عليه السلام
هو المرجع الأعم في تشخيص الحكم الشرعي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ففي
المحكي عن الطبقات الكبرى ج2 ص 332, طبع بيروت عن ابن عباس أنه قال (إذا حدثنا ثقة
عن علي بفتيا فلا نعدوها) ومثله عن كتاب (الجرح والتعديل) للحافظ الرازي([18])
والصواعق لاْبن حجر.
وتاريخ الخلفاء للسيوطي،
ونظيره عن الاستيعاب([21])ج2 ص462 طبع حيدر آباد، وتهذيب التهذيب للعسقلاني ج1
ص337 طبع حيدر آباد والإصابة.
قول عائشة في الإمام علي عليه
السلام:
وقد تواتر عن عائشة ان علياً
(اعلم الناس بالسنة) كما في الاستيعاب، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، وإسعاف الراغبين،
وذخائر العقبى، والمناقب للخوارزمي وغيرها.
ومما يدل على ذلك قول عمر
(أقضانا علي) كما في
الطبقات الكبرى، وأخبار
القضاء، والمستدرك، والتاريخ الكبير لابن عساكر، والطبقات المالكية، وغيرها من كتب
الأخبار والتراجم وعن الاستيعاب بسنده عن المغيرة (ليس أحد منهم أقوى قولاً في
الفرائض من علي).
من اشتهر من الفقهاء في هذه
المرحلة:
واشتهر من الفقهاء عبد الله بن
عباس حتى سمي البحر لكثرة علمه.
وسلمان الفارسي الذي قال فيه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من أهل البيت.
وعمار بن ياسر الذي قال فيه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه مع الحق والحق معه.
وأبي بن كعب الذي روي عن
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه أقرأ أمته.
وجود الفقه والاجتهاد في هذه
المرحلة:
فالفقه في هذا الدور موجود لدى
القراء لكون الفقه هو: ملكة العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية, وهم
لوجود الكتاب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بينهم كانت عندهم الملكة
المذكورة, كما ان الاجتهاد أيضاً موجود عندهم لأن الاجتهاد هو القدرة على
الاستنباط, ولا ريب عندهم في ذلك لسهولة الاستنباط في هذا الدور.
قصة معاذ بن جبل:
ويدل على وجوده عندهم قصة معاذ
بن جبل حيث أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالاجتهاد عند فقد النص. وقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المجتهد أنه إذا أخطأ له اجر واحد وإذا أصاب كان
له أجران .
واقعة بني قريظة:
وقد وقع مع الصحابة الاجتهاد
كما تقدم في واقعة بني قريظة لما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بأن
لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة فصلاها بعضهم قبل الوصول لبني قريظة لفوت الوقت
عند الوصول إليهم واجتهد في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحمله على أن
المقصود طلب الإسراع في الوصول إليهم لا تأخر الصلاة عن وقتها.
اجتهاد عمار:
وهكذا اجتهد عمار بن ياسر في
التيمم حيث تمعك في التراب .
القضاء في هذه المرحلة:
وكان القضاء في هذا الدور
منحصراً في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من يقيمه مقامه.
كتابة الأحكام في هذه المرحلة:
وكتبت في هذا الدور الأحكام
الشرعية ويسمى ما كتب فيه بالصحائف منها صحيفة أمير المؤمنين علي عليه السلام
الصحيفة التي ذكرتها كتب الفريقين، ومنها ما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بعد هجرته للمدينة بكتابته كأحكام الزكاة وما تجب فيه ومقادير ذلك، وقد كتبت
في صحيفتين. ومنها ما أعطاه صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمر بن حزم، لما ولي
اليمن أحكاماً مكتوبة من الفرائض والصدقات والديات وغير ذلك. ومنها ما أعطاه صلى
الله عليه وآله وسلم لعبد الله بن حكيم من الكتاب الذي فيه أحكام الحيوانات
الميتة. ومنها ما أمر به صلى الله عليه وآله وسلم من كتابة خطبته يوم فتح مكة لرجل
من اليمن حين سأله ذلك.
ومنها ما دفعه إلى وائل بن
حجرعندما أراد الرجوع إلى بلاده حضرموت من الكتاب الذي فيه أحكام الصلاة والصوم
والربا والخمر وغيرها.
ومما كتب من الصحائف في هذا
الدور صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وذكروا ان فيها ما يكفي كاتبها في معرفة
الشريعة كلها في جميع أبواب الفقه وان كنا لا نؤمن بهذه المبالغة لأن عبد الله بن
عمرو بن العاص وأباه قد أسلما قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسنتين
وكان له من العمر حين إسلامه خمس عشرة سنة ولم يكن له من الصلة والمعاشرة مع
الرسول ما يؤهله لذلك. وقد طعن فيها الحافظ ابن كثير في المجلد الأول من تاريخه
المسمى بالبداية والنهاية.
ومنها صحيفة سعد بن عبادة
الأنصاري ، وصحيفة عبد الله بن أبى
أوفى. وصحيفة جابر بن عبد
الله، وصحف عبد الله بن عباس. وصحيفة سمرة بن جندب.
الحلقة الأولى : الفقه الإسلامي .... مدخل إلى معرفة التشريع فى الإسلام (( الفقه )) ( الحلقة الأولى )
0 تعليقات