آخر الأخبار

يونس والحوت: منظومة فكرية بأدوات عصرها حوار مع التاريخ بعيون الماضي



يونس والحوت: منظومة فكرية بأدوات عصرها
حوار مع التاريخ بعيون الماضي






ستار النعماني

(مشاعل من معابد التاريخ لإضاءة تخوم جديدة في معالم التاريخ) هذه الكلمات مقتبسة من كتاب زيارة جديدة للتاريخ للكاتب محمد حسنين هيكل .

اذكرها لأننا الآن بصدد زيارة جديدة لأحداث التاريخ زيارة بوعي جديد وثقافة معاصرة ساهمت برسم الطريق نحو الحقيقة بعيدا عن متاهاتها حقيقة كان أساسها المعرفة العلمية والتزام المنهج العلمي حقيقة لم يتم تناولها من منطلق باحث أو مؤرخ فحسب بل من منطلق حاجة وضرورة لإشباع الرغبات المعرفية للجيل الجديد زيارة تختلف قراءتها للتاريخ عن القراءات السابقة فهي مسلحة بأدوات عصرها تحاول أن تقترب إلى الحقيقة لأقرب حد ممكن متجاهلة رواسب المنهج القديم زيارة تمثل خط شروع لقراءات تاريخية جديدة في المستقبل زيارة صاحبتها روح التحليل والتنوير لنظريات التاريخ زيارة ستعلل الكثير من أسباب الجمود والانغلاق في مهمة كتابة أحداث التاريخ .

من أهم الدروس التي يجب أن تكون حاضرة في تفسير التاريخ وقبل تناول أي موضوع أو حدث وقع على شعب أو امة أو ارض يجب ان تكون حاضرا فكريا في بيئتها الاجتماعية والدينية واللغوية حضورا تستحضر فيه كل ما يرتبط بالأمم والشعوب من عادات وتقاليد وعقائد حتى تتوفر بين يديك كل الأسباب أو اغلبها لمعرفة دوافع كل قرار وموقف ومناخ اجتماعي ساهم بشكل أو أخر في تشكيل الشخصية الإنسانية إضافة الى معرفة المنهاج الثقافي والعناصر الفكرية التي ساهمت بتكوين المنظومة العقائدية ودورها في بناء المجتمعات وما نتج عنها من ممارسات عبادية او طقوس اكتسبت جانب القداسة فالجانب الديني يعتبر من أهم الجوانب في حياة البشر. ومن هنا كانت حدود لكل حدث تم تدوينه والتعبير عنه بوصف وثقافة وعقيدة ولغة عصرها ضمن إطار جغرافية معينة ولاستحضار المعنى الحقيقي للحدث لابد من وجودنا فكريا داخل هذه الحدود فعدم فهم هذه الحدود سيفقد جوانب مهمة للتاريخ ولا يمكن تجاوز هذه الحدود الى داخلها من دون مقدمات تاريخية ولغوية تساعد على فهم ما تحمله لغة صياغة الحدث من تعابير ودلالات فعدم فهم اللغة والبيئة الثقافية والفكرية سيؤدي الى فقدان القدرة على التمييز والدخول الى فضاء التأويلات المتناقضة .وكذلك لا يمكن ان نتجاوز هذه الحدود دون معرفة الجغرافية الحقيقة الحاضنة للحدث والإحاطة بمميزاتها ومناخها وموقعها وما أنجبته هذه الجغرافيا من حاضر.

إضافة الى جانب مهم وهو الجانب والدافع الديني وأثره على الحدث وكيفية صياغته وتناوله وما ذكرته النصوص المقدسة بشان الحدث وشخصياته الفاعلة فاذا توفرت هذه المقدمات وأدواتها توفرت المنظومة الفكرية التي نستطيع من خلالها توفير قراءة جديدة للنصوص المقدسة والجغرافيا التاريخية للأحداث .

بعد هذه المقدمة نتعرض الى منظومة فكرية ومنهج جديد لباحث إسلامي ومفكر عراقي وهو فضيلة الشيخ عباس الزيدي وبحثه الموسوم النبي يونس (يونان) والحوت استطاع ان يقدم لنا قراءة جديدة للنصوص ويطلعنا على تفسير الظواهر التاريخية وما رافقها من أحداث كاشفا عن إبعاد وظروف كتابة الحدث واختيار الموضع المناسب للزمان والمكان بناءاً على اختيار فهم ملائم لطبيعة النص والتعرف على تاريخ لغة النص وعلاقته مع الجغرافيا التاريخية التي تميزت “بإضافة عنصر الزمن الذي هو من خصائص التاريخ مما أعطاها بعدا ديناميكيا فعنصر الزمن يمنح للجغرافية التاريخية سهولة الربط التتابعي والتحليلي في الإطار المكاني بحيث يكون الماضي مفتاح الحاضر من جهة واتخاذ المظهر الحضاري الحالي أو المظهر الطبيعي السائد لبناء الجغرافية التاريخية التي منها يمكن التوصل إلى أصل الأشياء من جهة أخرى” حسب تعبير عبد الرزاق القرقوري .

استطاع الزيدي ان يتغلب على أهم المعوقات والتي كانت عائقا أمام عدد من الباحثين تمثلت بدراسات الجغرافيا التاريخية للحدث التوراتي وما رافقها تأويلات متناقضة كانت نتيجتها عدم تحديد مواضع الحدث التوراتي وكذلك التناول الخاطئ لمفهوم الأسطورة والتي لم تحظى بالاهتمام الكافي إضافة الى المشكلة اللغوية واختلاف المعاني من زمن لأخر.

أراد الزيدي بهذا الطرح ان يكون مقدمة ذهنية لاستقبال باقي الدراسات حيث سيواجه القارئ زخما من النتائج الصادمة نوعا ما وذلك نتيجة التراكم الخاطئ رسميا وشعبيا للتاريخ والجغرافيا التاريخية حسب تعبيره.











إرسال تعليق

0 تعليقات