الحلقة الأخيرة
الكيانية السياسية الفلسطينية في معركة الوجود
هل انتصرت المؤامرة؟!!
لم تكن الخطة الاستعمارية
خافية على أي عاقل بان هناك عملية منهجية لتشتيت الشعب الفلسطيني وتوطينه حيث يصل
به اللجوء ولقد كانت هذه الخطة قيد التنفيذ منذ الخمسينات وتصدى لها الحاج أمين
الحسيني وفضح أطرافها ولم يكن نفيه وملاحقة إخوانه بقادر أن يثنيه عن موقفه
وانتفضت طلائع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بقيادة معين بسيسو وابويوسف النجار الأمر
الذي أوصلهم إلى السجن الحربي في مصر..
كانت منظمة التحرير الفلسطينية
في البداية إنتاجا عربيا ليتحرر النظام العربي من ثقل القضية الفلسطينية وتبعاتها
من جهة وضبط إيقاع تحرك الفلسطينيين من جهة أخرى.. إلا أن النكبة الكبيرة التي
لحقت بالعرب في 1967 تركت هامشا لانبعاث الثورة الفلسطينية بعد أن كانت فتح قد أطلقت
طلقتها الأولى وقامت بتنظيم خلابا وتفعيلها في أكثر من مكان.. حدوث النكبة والخزي
والعار الذي لحق بالنظام العربي الذي إبان عن خواره وهوانه وافتقاده للحد الادني
من المسئولية تجاه معركة الوجود وتفريطه بواجبات المعركة.. حصلت النكبة فسمح
النظام العربي مرغما على تحرك المقاومة الفلسطينية متحررة من سطوته لفترة معينة
ريثما يستعيد التقاط أنفاسه وامتصاص الصدمة وانساء الناس كارثة ما فعل.. وفي هذه
الفترة المعينة تمكنت حركة فتح من رسم معالم العمل الوطني وتحديد إطاره الوطني ضمن
مشروع وطني ناضج وانبعثت إلى منظمة التحرير لتنقذها من مهمات وضعها لها النظام
العربي وإذا بمنظمة التحرير تصبح الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بمعنى إنها
لن تكون ضمن إطار مكاتب المخابرات العربية ووزارات الخارجية ولتسقط خطة المشروع
الاستعماري بتشتيت الفلسطينيين وتوطينهم حيث انتهى بهم اللجوء.
خاضت المنظمة وفتح عمودها
الفقري معركة الوجود عشرات السنين واستطاعت من خلال معارك ضد الجميع.. ضد الكيان
الصهيوني وضد النظام الرسمي العربي وضد حركات طائفية وأحزاب انعزالية وتيارات
مرتبطة مع هذا النظام أو ذاك.. استطاعت رغم تلك العواصف المتتالية من الإعصار الاستعماري
أن تثبت على الخريطة السياسية وجود الكيانية السياسية الفلسطينية.
لم يستسلم الأعداء لهذا الواقع
فانشغلوا بكل أشكال المؤامرات والزج بالمنظمة في معارك جانبية بالإغراء حينا والأوهام
والسراب أحيانا..
لقد قرر الأمريكان في سنة 1980
إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية بلسان مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي
بمقولته الشهيرة:" باي باي م ت ف" حينها رد عليه عرفات: "باي باي
مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة" .. لم يطول الوقت حتى اضطرت
الولايات المتحدة الأمريكية إلى الطلب من م ت ف التوسط في موضوع الرهائن الأمريكان
في إيران التي استجابت للمنظمة وأفرجت عن النساء والسود من الأمريكان الأمر الذي
كشف للأمريكان اقتدار المنظمة على أن تكون عنصر خطير في رسم خريطة المنطقة وأنها
قادرة على إنشاء تحالفات قد تفاجئ الولايات المتحدة في مواقع حساسة.. لقد أصبح
واضحا أن المنظمة لن تسمح بمرور التسوية في المنطقة دون نيل الشعب الفلسطيني حقوقه
وأنها عازمة على إبراز الخطر الحقيقي على امن الكيان الصهيوني وجعل حياته جحيما
فمنذ 1977 وحتى 1982 تصاعد العمل الفدائي كما ونوعية لهذا كان لابد من إنهاء منظمة
التحرير والتخلص من الخطر المحتمل فكانت تفاهمات النظام العربي والولايات المتحدة الأمريكية
أن إنهاء المنظمة من شانه الاستقرار والسلام في المنطقة ومنح النظام العربي فرصة
الاستمرار في الحكم والاستقرار.. تورط الجميع في إخراج المقاومة الفلسطينية من
لبنان وكانت هذه الضربة العنيفة والإستراتيجية كفيلة بإنهاء المنظمة بعد أن أبعدوها
عن حدود الوطن.
كانت الثمانينات مرحلة الترميم
للعملية الثورية فانخرط جهاز ابوجهاد "القطاع الغربي" لإعادة التنظيم
بالداخل بمنهجية دقيقة وبعث بكل قوة في إحياء الخلايا وتشكيل اللجان وبعث العمل
العسكري والتنظيمي إلى أقصى حد وكان ابوجهاد في هذه المرحلة على قرب من الوطن في الأردن
والعراق.. واستطاع من خلال لجنة الدعم والصمود إنعاش الاقتصاد الفلسطيني وبناء
مؤسسات إعلامية وثقافية واجتماعية تعزز روح الصمود في الضفة الغربية وقطاع غزة
وتقضي على محاولة روابط القرى ومحاولات صنع تيارات انفصالية في الشعب الفلسطيني.
جاءت الانتفاضة بهذا الزخم
نتيجة عدة عوامل كان أهمها بلا شك جاهزية تنظيم فتح للانطلاق بانتفاضة مسنودة
سياسيا وإعلاميا وماديا وكان شعار ابوجهاد في ذلك "لاصوت يعلو فوق صوت
الانتفاضة" وانبعث ابواياد معه يعزز هذا الموقف بانه "ينبغي عدم إلقاء
السلاح ولا باي سبب أثناء المفاوضات".. لم يكن شرا كله الذي فعلوه بالمنظمة
عند إخراجها من لبنان بل كان في الشر خيرا لها عندما تعمقت في الوطن وتصاعد فعل
الثورة بالداخل.
ثم الالتفاف الأمريكي
الاستعماري على المنظمة وحاولوا أن يجعلوا لها مزلاق إفناء وخروج من حالتها
الثورية باتفاقية أوسلو التي يتم حسب مخططهم نقل كل صلاحيات منظمة التحرير الى
سلطة تولد تحت شروط معينة على وهم تحقيق الاستقلال.. الا أن الفلسطينيين لم يصبهم
الوهم فلقد حاول ياسر عرفات منذ اللحظة الأولى فرض التفسير الفلسطيني للاتفاقية
وفرض الخطة الفلسطينية للسلام وبنى مؤسسات للشعب تحميه وتؤطره وتفرض واقعا سياسيا
رغم الاحتلال ولم يستسلم لمنطق المستعمرين فواجههم في حادثة جبل ابوغنيم وفي
انتفاضة الأقصى وكانت السنوات العشرة الاولى1994 الى 2004 مرحلة مواجهات واشتباك
مسلح لم تكن مرحلة خنوع واستسلام كما يحلو للمنهزمين القول لقد قدمت فتح فيها خيرة
قادتها شهداء وعلى رأسهم ياسر عرفات.
وفي محاولة التفات واختراق
للوعي الفلسطيني مرة أخرى أكد الأمريكان للفلسطينيين أن إقامة الدولة الفلسطينية
سيكون خلال خمس سنوات وإنهم عازمون على ذلك فكانت فترة من التسويفات والاشتراطات
يتم تفريغ المشروع الوطني الى مؤسسات تحقق استقرار وامن الدولة العبرية وكما قال
ابومازن: أصبح الاحتلال الإسرائيلي هو الأقل تكلفة من أي احتلال عبر التاريخ، وكما
قال أيضا: أن إسرائيل تريد مفاوضات ومفاوضات ومفاوضات فقط.. وأكد ابومازن انه: قد
تم الضحك علينا.
المهم أن أوسلو حاولت تفريغ
المنظمة وتكبير بشكل سرطاني السلطة على حساب المنظمة وأصبحت السلطة هي الكيان
السياسي وفي ظل أوسلو تم انشقاق حماس عن الكيان السياسي الجديد وهي خطوة خطيرة تم الإعداد
لها صهيونيا بإتقان لفتيت التمثيل السياسي الفلسطيني والكيانية السياسية
الفلسطينية.
فهل انتصرت المؤامرة على منظمة
التحرير؟
والسؤال الأخر هل تصمد المنظمة
إذا انهارت فتح أو ضعفت أو تمزقت؟
السؤال الثالث هل تستطيع فتح الآن
النهوض بالمنظمة من جديد؟
ماذا على فتح للنهوض من جديد
لاستعادة منظمة التحرير الفلسطينية وتجنيب الشعب الفلسطيني مرحلة التيه
والانشقاقات؟
أسئلة اعتقد أنها في غاية الأهمية
في هذه المرحلة الاستثنائية وللإجابة عليها لابد من الانطلاق في التفكير من
الابجديات والثوابت.. ففكرة فتح هي الأمينة على فلسطين مع ضرورة تحريرها مما ران
عليها من مماريات الرحلة الطويلة التي شهدت تعثرات وتجاوزات اضطرارية كثيرة
وتجاوزات فردية كثيرة.. فكرة فتح تضع كلتا قدميها في الأرض الفلسطينية أما سواها
فهو يضع قدم في فلسطين وأخرى في مشروع آخر وإيديولوجيا أخرى.. لذلك فليس سوى فكرة
فتح قادر ان يستنهض الشعب الفلسطيني وبسرعة فائقة وان يحصن العمل السياسي
الفلسطيني من العبث والوهم.
لذا فان التحدي مجددا مطروح
على حركة فتح أن تؤكد تمسكها بفكرة فتح لكي تنقذ منظمة التحرير وتنقذ شعبنا من
التيه والتشتت والتوزع على مشاريع إقليمية ودولية تبدد حقوقنا المشروعة..
لي ثقة عظيمة بروح فتح
وبفكرتها وقدرتها على التحرك بالمؤمنين بها لفرض واقع سياسي جديد وقد انتجت طاقات
فكرية وثقافية وسياسية وخبرة نضالية طويلة وتجربة في التعامل مع الشعب والإقليم
تتسم بالرحمة مع الشعب والنباهة مع الآخرين.
أثبتت التجربة أن فتح قادرة
على الخروج من المأزق ومن المطبات .. والعودة بسرعة الى الموقع الصح لذلك فان الأمل
في إنقاذ الحالة الوطنية ينصب الآن على كوادر وقيادات في فتح لازالت مؤمنة بفكرتها
ومؤمنة بان النصر يمكن تحقيقه على ضوء ما استفادت منه تجربتهم النضالية.
وهكذا سيعود الرشد للجميع في
الساحة لتؤدي حماس والجهاد والشعبية ما عليها من مهمات نضالية في إطار الكل
الفلسطيني في إطار سياسي ليس من وجهة له إلا فلسطين ويتجنب المعارك الجانبية
والامتدادات الخارجية.
وفي الإطار الوطني النضالي
يتنافس المتنافسون على طريقة الاستلام والتسليم هنا على الأرض الفلسطينية وليس عن
طريق الانشقاق والبعثرة والتمزيق وتدمير الكيان السياسي الفلسطيني.
0 تعليقات