آخر الأخبار

الفقة الإسلامى ( الحلقة الخامسة)



الفقة الإسلامى ( الحلقة الخامسة)



محمود جابر


انشقاق المسلميـن


ونبدأ اليوم حديثتا من سنة 36هـ إلى خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 99هـ وفى هذه الفترة أعلن معاوية الخروج عن طاعة أمير المؤمنين وانشق المسلمون نصفين بعد أن كانوا في الدورين السابقين يداً واحدة يرجع بعضهم لبعض في تفهم المسائل الشرعية وكانت الشيعة متفقة مع السنة لا يجرؤ أحدهم على مخالفة الآخر في الظاهر للمحافظة على وحدة الصف وجمع الكلمة والأخوة الدينية الإسلامية، أما في هذا الدور فقد عصفت بهم ريح عاتية مزقتهم شر ممزق وفرقتهم أيدي سبأ بالخروج على خليفة المسلمين الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام فأعلن معاوية العصيان وجمع جموعه على خليفة المسلمين وكان ذلك أول حدث في الإسلام شق عرى وحدتهم وفرق ما اجتمع من صفوفهم وأثارها فتنة شعواء ليوم المحشر تقذف علينا بحمم كأنها جمالة صفرغيرت الاتجاهات الروحية وبلبلت الأفكار الدينية وسببت التطاول على مركز الخلافة الإسلامية التي هي رمز الوحدة والأخوة في ذات الله.


وقعة الجمل:
---
وما كانت وقعة الجمل إلا نتيجة لخروج معاوية وإعلانه العصيان، فان مكة لم تتألب فتخرج على الإمام علي عليه السلام إلا بعد أن أعلن معاوية العصيان وتأهب الإمام علي عليه السلام للذهاب بجيشه لحرب معاوية.


وقعة النهروان:
----
وحتى وقعة النهروان فإنها كانت نتيجة لإعلان معاوية الحرب للإمام علي عليه السلام واستعماله الخدعة في رفع المصاحف.


موقف الأموييـن من العلوييـن والمنكرات التي ارتكبوها:
------
وكان من جراء إعلان الأمويين الحرب على الإمام علي عليه السلام أن يوجهوا جهودهم لبسط سلطتهم وسطوتهم مهما كلفهم الأمر وبالغوا في تكوين دولتهم ونفوذ سلطانهم حتى بكشف العورات وإبداء السوءات كما فعل ذلك ابن العاص وبسر بن أرطأة. وسعوا وراء إشباع شهواتهم وتنفيذ أمانيهم ورغباتهم وان تجاوز ذلك الحد وخالف الشرع فسبوا خليفة المسلمين على منابرهم ثمانية وخمسين سنة وسفكوا الدماء الزكية الطاهرة من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانتهكوا الحرمات الإلهية وأسرفوا بالقتل والفتك في المسلمين والسلب والنهب لحجاج بيت الله المؤمنين فقتلوا عبد الله بن حنظلة وسبعمائة من المهاجرين والأنصار. وأغاروا على المدينة المنورة واحرقوا دورها حتى دار أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم بعد هذا أباحوها للجند ثلاثة أيام يقتلون فيها الناس ويسلبون الأموال ويسبون النساء. ورموا الكعبة بالمنجنيق بعد نصبه على جبل أبي قبيس فاحترق سقفها وأستارها. كما رماها الحجاج مرة ثانية في أيامهم وبأمرهم. واتخذوا الخصيان ومنعوا حج بيت الله الحرام. واضطهدوا الفقهاء فجلدوا سعيد بن المسيب المسمى بفقيه الفقهاء وشهروا به في أسواق المدينة ومنعوا الناس من الاجتماع به.


واغتالوا محمد بن أبي بكر الفقيه الصالح بالسم. ونكلوا بسعيد بن جبير المقرئ الفقيه المحدث الزاهد التابعي العالم بالتفسير وكان يلقب بجهبذ العلماء ولم يرعوا العبد الصالح حجر بن عدي بقتلهم إياه وهو من أبطال الفتح لنهاوند, وفي الكامل لأبن الأثير إن (الناس يقولون أول ذل دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر ودعوة زياد) أي دعوة معاوية لزياد بن سمية بأنه أخوه لأبيه أبي سفيان، وقتلهم عمرو بن الحمق من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مقرباً عنده وكان رأسه أول رأس طيف به في الإسلام وصلبهم لرشيد الهجري، وقتلهم ميثم التمار قبل قدوم الحسين للكوفة بعشرة أيام وقتلهم قنبر مولى أمير المؤمنين، وقتلهم العالم الورع كميل بن زياد . وإستلحاق أولاد الزنا بهم كزياد بن أبيه حيث إستلحقه معاوية بأبيه مقراً بأخوته له على حين أن الشريعة الإسلامية لا تبيح ذلك ولا ترضاه. قال الحسن البصري (ثلاث كن في معاوية لو لم يكن إلا واحدة منهن لكانت موبقة, إنتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء وإستلحاقه زياداً وقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر, وقتله لحجر بن عدي وأصحابه فيا ويله من حجر وأصحاب حجر) وبمثل هذا ينسب القول لسعيد بن المسيب حيث نقل عنه انه يقول: قاتل الله معاوية كان أول من غير قضاء الرسول وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر .


فصل الدولة عن الدين:
-------
وقد فصلوا الدولة عن الدين وأصبحت الخلافة أموية دنيوية إرثية لا إسلامية ولا أخروية ولا شوروية وجعلوا الفقه ينفصل عن الحياة العملية تدريجياً ويكون علمياً أكثر منه عملياً مما سبب انفصال الفقهاء عن السلطة وانصرافهم عن الدولة حتى قال أسيد بن حضير الأنصاري لا أقضي ما وليت بما قال معاوية ، وبلغ بهم أن يغروا بعض الرواة والفقهاء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتأييد مقامهم وتثبيت مراكزهم وإضعاف مخالفيهم فتطاولوا على مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالكذب عليه وأقحموا في الفقهاء من لم يستكمل عناصر الاجتهاد لديه ولم يستنتج الحكم الشرعي بالنظر السليم المجرد عن الهوى فيه وشجعوهم على الإفتاء بما لم ينزل به الله من سلطان.


اختلاط صحيح الحديث بضعيفه:
------


وبهذا وذاك اختلط صحيح الحديث بضعيفه وحسنه بسقيمه وادخل في الدين ما ليس من الدين وفسرت آيات القرآن الكريم بما تهوى الأنفس وتشتهيه وأصبحت مهمة علماء الحديث والفقهاء والمفسرين شاقة متعبة في معرفة الحكم الشرعي والنص الصحيح النبوي والتفسير للمراد الإلهي وهذا هو السبب الأول الذي دعا العلماء لتكوين فكرة تلخيص الروايات والتفسير والفتاوى وتنقيتها عن الشوائب والمفتريات والمفتعلات.


موقف الإمام علي من العبث في الدين:
-----
وأما جماعة الإمام علي عليه السلام فكانوا يأخذون بالكتاب وما انصياعهم للرافعين للمصاحف يوم صفين إلا من جهة تمسكهم بالكتاب المبين وقد ردوا الروايات التي تخالفه حتى لو كانت رواتها في أسمى درجات الصحة. وعند فقد نص الكتاب أو ظاهره أخذوا بالسنة إذا صحت روايتها حتى لو كان نقلتها على غير طريقتهم.


أخذ الشيعة بروايات أهل السنة وإجماعاتهم:


وقد أوجب الشيخ الطوسي في كتاب العدة وهو صاحب الصحيحين عند الشيعة الاستبصار والتهذيب وجوب العمل بالخبر من طريق المخالفين إذا لم يكن للشيعة في حكمه خبر مخالف ولا يعرف لهم فيه قول.
كيف وقد عملت الشيعة بما رواه حفص بن غياث العامي الكوفي القاضي وغيره من غير الشيعة. وفي الصحاح الأربعة المعول عليها عند الشيعة, الكثير من أخبارها تنتهي إلى غير الشيعة. ويأخذون بالإجماع إذا كان كاشفاً كشفاً قطعياً عن سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد ملئت كتبهم الفقهية من الاستدلال به ككتب الشيح والسيد المرتضى والعلامة، وغيرهم. حتى أن بعض علماء الشيعة يعمل بالإجماع الذي ينقله مالك عن أهل المدينة في موطئه لكشفه عن رأي المعصوم عنده ويعمل الشيعة بالرأي ان كشف عن الحكم الشرعي كشفاً قطعياً لا ظنياً لعدم حجية الظن. وفي أخبار الشيعة ما يدل على ذلك كما في باب العقل من كتاب الكافي فالعجب من بعض الكتبة في هذا المقام أن ينفي عن الشيعة العمل بالكتاب والسنة المروية عن غيرهم والإجماع والرأي.








إرسال تعليق

0 تعليقات