آخر الأخبار

كيف يمكن أن تشعل المياه النيران .!




كيف يمكن أن تشعل المياه النيران .!


السفير هانى عزت بسيونى

فرضت نواميس الجغرافيا السياسية على المنطقة العربية أن تكون دائمًا طرفاً في معركة جيوسياسية "Geopolitics" وإن كان النفط منذ ظهوره يلعب دور وقود الحروب ويعدّ مطمعاً للمستعمر والمحتل فإن المياه أصبحت هي الأخرى الآن لاعبٌ لا يقل أهمية عن النفط حيث تداخلت السياسة والمناخ لتحول الماء من مورد بيئي إلى سلاح سياسي يُفسِد ويفسَد ، بَيّد أن إفساد شريان الحياة الأساسي يُعد بالمعنى الحرفي للكلمة "قاتلاً" .
وإن فكرنا بالمشهد كمعادلة تجتمع فيها الصراعات والحروب والفساد للأنظمة السياسية الحاكمة فإن تعامد ذلك على المناخ الجاف للمنطقة يظهر لنا أننا أمام نتيجة مستقبلية حتمية هي أن سلاح أعداء شعوبنا اصبح هو … المياه !!.
وانطلاقًا من هذا الفهم - والقلق منه - نحاول توجيه إضاءة على أزمة المياه المتوقعة بعد بناء السد الإثيوبي في إتجاه مستقبل الشعب المصري كمشكلة منبعها الجيوسياسي وضحيتها الشعب المصري في عدوان إشعال المياه لنيران الحرب لتغذية صراع جديد لأطراف الحروب بالوكالة ؟
وقد يشاركني البعض في الاعتقاد أن العلاقة بين المياه والصراعات السياسية تتخذ أشكالًا عدة ، ففي الحرب الغير مباشرة أصبحت المياه أحد اهم الأدوات العسكرية النافذة وهدفًا عسكرياً حساساً لدى الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين على اختلاف أهدافهم السياسية إذ تستخدم الدولة موارد وأنظمة المياه كسلاح هجوم أو دفاع أو قمع خلال العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش ضد العدو أو لقمع الحراك السياسي الداخلي مثل تجفيف مناطق جغرافية كاملة ، فيما تتجه الجماعات الإرهابية والمليشيات لتحقيق مكاسب سياسية نرى تطبيقاتها تلك عملياً حين نقرأ أخبار استهداف منابع المياه أو بناء السدود والخزانات الرئيسية وإمدادات المياه المؤدية إلى منطقة ما في ساحة النزاع أو التهديد ، إضافة لفرض حصار مائي على مناطق معينة بهدف إضعافها والسيطرة عليها كما حدث في العراق وسورية وغزة أو في اتجاه مصر الآن على سبيل المثال .
وإذا أضفنا عامل التغير المناخي للمنطقة العربية نجد أن اندماج عامليّ المناخ والصراعات سوف يخلق أشكالًا جديدة من الضعف الاجتماعي ويعمق التصدعات ويغذي النزاعات القائمة أساساً في المجتمع أو بين الدول ، هذه الأشكال من العلاقة بين المياه والصراعات تنطبق على المعارك والنزعات الجارية في حين يتغير شكل العلاقة في مرحلة ما بعد المعركة أو في المناطق التي تكون فيها السلطة نافذة بشكل شبه كامل لمواجهة مدنيين أو سلطة منزوعة أو ضعيفة النفوذ .
وبكل وضوح يجب ان ننتبه جيدًا إلى علاقة "إسرائيل" بالأزمات في المنطقة ودورها المحوري وأهدافها العقائدية والتاريخية ، لنجد أن المياه أصبحت هدف وأداة من جانب اسرائيل في هذا المجال ، أداة تحكّم وسيطرة على المجتمعات كما يحدث في غزة على سبيل المثال المباشر بهدف خنق أي ممكنات للتحرّك المناهض للإحتلال أو إضعاف القدرة على الصمود والمقاومة وإحكام السيطرة عليه اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا بهدف تغيير أو حفظ الوضع القائم لصالح المحتل .
وتعتبر سياسة الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين مثالًا صارخاً لاستخدام المياه كأداة للسيطرة ببطء شديد ومنهجية دقيقة يعمل الاحتلال على تهجير الفلسطينيين من مناطق معينة في الضفة الغربية عبر فرض سيطرته على جميع الموارد المائية في خدمة للمشروع الاستيطاني الكبير إضافة لاستخدام الماء كأداة حصار في غزة .
وكما في غزة ففي السد الإثيوبي سلاح لحصار الشعب المصري لفرض إرادة وواقع جديد في المنطقة ، واللبيب بالإشارة يفهم .
لذلك فإن انعدام الأمن المائي وما يتبعه من عواقب على الأمن الغذائي للشعوب وتهديدات بالتهجير وزعزعة النظام السياسي القائم في أي دولة سوف يحفز الاضطرابات الاجتماعية والسياسية وبالتالي استقرار الدولة والنظام السياسي بها ، وكلما زادت هشاشة الدولة والتصدعات القائمة في مجتمعها تزداد الخطورة .
إذن هو جهاز إنذار شديد الحساسية أننا جميعاً في خطر ، حاكم ومحكوم ، وبطبيعة الحال يزخر العالم العربي بأمثلة وقصص أخرى لإسرائيل أيضًا علاقة مباشرة بها وربما لا يمكن سرد جميعها في هذا المقال لكننا يمكن ان ننوه الى أكثرها خطورة هو ما يحاك على منابع نهر النيل وكذلك الفرات في العراق والذين يُشار لهما رمزاً في خطين علم اسرائيل الكبرى الذي يرفرف في سماء بعض العواصم العربية !.
لذا يجب أن نتنبه جيداً وأن نفهم ان أبعاد أزمة المياه في منطقتنا سواء باعتبارها مشكلة مناخ أو فساد إدارة موارد أو حافز للاضطرابات السياسية والحروب أو ورقة سياسية تستخدمها لخدمة مصالحها في علاقتها مع القوى العظمى هي الأخطر على إطلاقها الآن .
ولعلنا نتسائل للإشارة إلى أهمية ما نقول …
فكم ياترى سيكون نصيب الفرد في مصر من المياة يومياً نتيجة أزمة السد الإثيوبي ، وماذا عن بوار الأرض الزراعية في مصر ومنسوب النيل وغرس مراكب النيل في الطين وتغير منسوب النيل بالبحر الذي سوف يؤدي إلى ارتفاع الأخير ليدخل إلى اتجاه النيل بعد ان كان يحدث العكس وهو الأمر الذي سيزيد البوار بوار ، وغيرها من عوامل التجريف للشواطىء المصرية ، أخذاً في الاعتبار أن هذه السياسات ستؤدي بشكل مباشر وغير مباشر إلى تغيير نسق الزراعة والصناعة في مصر كمحاولة للتأقلم مع غياب السيطرة على موارد المياه وربما الفشل في التعامل مع المشكلة في الهامش السياسي المتاح …؟؟
وهو ما يحمل تبعات اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى وسلبية الأثر على الدولة لا بد من مواجهتها أخذاً في الاعتبار العامل الزمني وهي قضية سياسية بالدرجة الأولى وليست فنية كما نوهت في مقال سابق رغم ان الخيارات الأخرى ستظل واردة لأن القضية أصبحت قضية حياة أو موت شعب .




إرسال تعليق

0 تعليقات