آخر الأخبار

مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان مَدرك حُجيَّة قول الرجالي (الحلقة الحادية عشر والاخيرة)





مُقاربة ٌ منهجيَّة في بيان
مَدرك حُجيَّة قول الرجالي
(الحلقة الحادية عشر والاخيرة)



علي جميل الموزاني

      ترجيح أصالة الحسّ في التوثيقات والتضعيفات الرجالية
      وقد حاول البعض الطعن في توثيقات الرجاليين المتقدمين للرواة مدعيّاً ان اغلبها أخبار مرسلة لا يمكن السكون الى وثاقة مخبريها, وان مصنفي تلك الفهارس قاموا بإعمال الحدس والاجتهاد في توثيق وتضعيف الرواة وبالتالي تسقط تلك التوثيقات او التضعيفات عن الحجيّة.

      ولكن هذا الكلام مردود لأننا لو تتبعنا تراجم الرواة في كتب أصحابنا لوجدناها تنقسم الى ثلاث أقسام:

      الأول: ان يُترجموا الى معاصريهم ومشايخهم المباشرين أمثال الشيخ المفيد والصدوق فان الطوسي قد ترجم لهم في كتابه والنجاشي قد ترجم للطوسي في كتابه وفي هذه الحالة لا شك ولا شبهة في ان نلقهم لترجمة أمثال هؤلاء يكون عن حس ومعاشرة.

      الثاني: ان يُترجموا لمن هو قريب العهد بهم وممن استفاضة الأخبار في شهرتهم او ممن هو في جيل قريب من أجيالهم او كان حاله معروف في الجو العام ولا يخفى على احدٍ, كما هو الحال في الشيخ الأنصاري والآخوند بالنسبة لنا, وفي مثله تكون ترجمته عن حس لاستفاضة الاخبار عنهم بل وتواترها في بعض الحالات.

      الثالث: ان يُترجموا الى من هو بعيد العهد عنهم ومما يُحتمل بان الإخبار عن حاله يكون عن حدس واجتهاد كما اذا ترجم الشيخ الطوسي لأصحاب الامام الباقر او غيره من الأئمة عليهم السلام, وفي هذه الحالة يمكن دفع هذا الاحتمال (بوجوه ثلاثة:

      الوجه الأول: الرجوع إلى الكتب التي كانت بأيديهم من علم الرجال التي ثبتت نسبتها إلى مؤلفيها بالطرق الصحيحة.

      الوجه الثاني: السماع من كابر عن كابر ومن ثقة عن ثقة.

      الوجه الثالث: الاعتماد على الاستفاضة والاشتهار بين الأصحاب وهذا من أحسن الطرق وأمتنها، نظير علمنا بعدالة صاحب الحدائق وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وغيرهم من المشايخ عن طريق الاستفاضة والاشتهار في كل جيل وعصر، إلى أن يصل إلى زمان حياتهم وحينئذٍ نذعن بوثاقتهم وإن لم تصل إلينا بسند خاص... والحاصل، أن التتبع في أحوال العلماء المتقدمين، يشرف الانسان على الاذعان واليقين بأن التوثيقات والتضعيفات الواردة في كتب الاعلام الخمسة وغيرها، يستند إما إلى الوجدان في الكتاب الثابت نسبته إلى مؤلفه، أو إلى النقل والسماع، أو إلى الاستفاضة والاشتهار، أو إلى طريق يقرب منها)(2).

      ويمكن أيضاً دفع هذا الاحتمال بما تواتر في مصنفات الرجاليين بما تطمئن له النفس ويذعن له الوجدان بمعرفة حال الرواة (وقد كان تأليف كتب الفهارس والتراجم لتمييز الصحيح من السقيم أمراً متعارفاً عندهم، وقد وصلتنا جملة من ذلك ولم تصلنا جملة أخرى. وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمان الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ الطوسي نيفاً ومئة كتاب على ما يظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما... قال الشيخ في كتاب العدة في آخر فصل في ذكر خبر الواحد: (إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء، وفرقت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم وذموا المذموم, وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها, وصنفوا في ذلك الكتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً طعن في إسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم وحديث لا تنخرم). والنجاشي قد يسند ما يذكره إلى أصحاب الرجال ويقول: (ذكره أصحاب الرجال). وهذه العبارات - كما ترى - صريحة الدلالة على أن التوثيقات أو التضعيفات، والمدح أو القدح كانت من الأمور الشائعة المتعارفة بين العلماء وكانوا ينصون عليها في كتبهم. وبهذا يظهر أن مناقشة الشيخ فخر الدين الطريحي في مشتركاته - بأن توثيقات النجاشي أو الشيخ يحتمل أنها مبنية على الحدس، فلا يُعتمد عليها - وفي غير محلها)(2).

(انتهى)


هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- كليات في علم الرجال, جعفر السبحاني, ص42.
2-  معجم رجال الحديث, السيد الخوئي, ج1, ص41.

إرسال تعليق

0 تعليقات