مناقشة أصولية عالية
: حجية العقل (5)
علي الأصولي
المقام الثاني :
لم ابحث في مسألة التحسين والتقبيح العقليين في هذا البحث بشكل مفصل في
آراء كبرى الفرق الإسلامية واتجاهاتها الفكرية قديما وحديثا، فكل ذلك يطلب من
مظانه في علم الكلام الإسلامي،
لكن بحثنا هذه المسألة بلحاظ جرها وما يتصل بحجية العقل في البحث الأصولي،
فقد انتقلت الأبحاث الكلامية في هذا الشأن أو قل نتائج البحث الكلامي الشيعي في
باب الأبحاث الأصولية العالية؛ وقد فصلت فيه بما لا مزيد عليه وفق الرؤية الكلامية
الشيعية؛ وما كان تسميته في الأبحاث الفلسفية بنفس الأمر تم وصفه في أبحاث السيد
الشهيد الأول بلوح الواقع الذي هو أوسع من لوح الوجود، وعلى كل حال عندنا في الأصول دعوى للملازمة وهي
ثابتة عقلا على ما افاد الشيخ المظفر في بحثه /ج٢/
إذن، ان كل دليل عقلي يتألف من مقدمتين، صغرى وكبرى وقد تم عرض صغراه في
غير هذا المكان، وهنا فالبحث كبروي فهل كل ما يحسن فعله عقلا يحسن فعله شرعا ؟ وكل
ما يقبح فعله عقلا يقبح فعله شرعا ؟
إذن البحث حول وجود أو عدم وجود الملازمة،
قال صاحب القوانين ابو القاسم القمي - ان كل ما يدرك العقل قبحه فلا بد أن
يكون من جملة ما نهى الله عنه، وما يدرك حسنه فلا بد مما آمر الله به، فإذا استقل
العقل بإدراك الحسن والقبح بلا تأمل في توقيفه على شرط أو زمان أو مكان أو مع
تقييده بشيء من المذكورات فيحكم بأن الشرع أيضا حكم به كذلك، لأنه تعالى لا يأمر
بقبيح ولا ينهى عن الحسن بل إنه يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر - انظر
القوانين-
المقام الثالث : تصوير معنى الملازمة
إن الملازمة عند جمهور فقهاء الإمامية يتصور لها وجهان :
الوجه الأول: ان كل ما استقل العقل يدركه وحكم بمدح فاعله أو ذمه
والشرع يدور مداره ،
الوجه الثاني: أن ما يحكم به العقل بطلبه لما فيه حسن أو قبح يكون
موافقا لما هو مخزون لدى الأئمة (ع) من أحكام الله الواقعية والعقل على ضوء هذا
الوجه كاشف عن قول المعصوم كالإجماع،
أقول هذا التصوير نافع مع ان المؤدى بين الوجهين واحد، ووجه الفائدة هو في
حل أشكال اللابدية بين الثبوت العقلي والوقوع الشرعي ،
قال صاحب الفصول : الحق عندي لا ملازمة عقلا بين حسن الفعل وقبحه، وبين
وقوع التكليف على حسب بمقتضاه،
ولذا بين الشيخ محمد علي الكاظمي هذا المعنى بقوله:
ان العقل وأن كان مدركا للمصالح والمفاسد والجهات المحسنة والمقبحة إلا أنه
من الممكن أن تكون لتلك الجهات موانع ومزاحمات في الواقع وفي نظر الشرع ولم يصل
العقل الى تلك الموانع والمزاحمات إذ ليس من شان العقل الإحاطة بالواقعيات على ما
هي عليها، بل غاية ما يدركه العقل هو ان الظلم مثلا له جهة مفسدة فيقبح والإحسان
له جهة مصلحة فيحسن، ولكن من المحتمل أن لا تكون تلك المفسدة والمصلحة مناطا للحكم
الشرعي، - فوائد الأصول -.
ومن هنا نقض المفكر عالم سبيط النيلي على رأي الشيخ المظفر تبعا لأستاذه
الاصفهاني إذ قال : المظفر ، والحق أن الملازمة ثابتة عقلا ،،، الخ
ونقض النيلي: هذا الثبوت المزعوم باطل لأنه مصادرة على المطلوب إذ موضوع
الملازمة كما ذكرنا حجية الحكم العقلي بحيث يأتي الحكم مطابقا له، فإذا استقل حكم
العقل في الملازمة لنفسه فقد استقل تماما عن الحكم الشرعي وبالتالي فهو مشرع آخر
أستقل قبل صدور الملازمة فلا يدخل ضمن المولوية ولن يكون قط تحت طاعة المولى ما لم
يصدر هذا الثبوت بحكم شرعي إذ لا يد إثبات الملازمة شرعا لنفي المصادرة ولما كان
إثباتها هو المحال بعينه فيثبت العكس، وهو بطلان الملازمة بسبب الاستحالة أنتهى:
أقول : ان أشكال النيلي مدفوع إذ لم نقل ببدية الثبوت والوقوع على ما ذكر صاحب
الفصول وبين صاحب الفوائد أعلاه ، فالثبوت لا يلزم الوقوع لاحتمال التزاحم أو
الموانع.
0 تعليقات