آخر الأخبار

كاربون 14 … C14: (٣)








كاربون 14 … C14: (٣)




د. عبد الصمد الدغيمى


ربما تتساءل: لماذا هذه السلسلة تحمل هذا العنوان، لسبب بسيط وهو أن كاربون 14 C هو نظير من نظائر الكربون المشعة، وهو يتحلل بمرور الوقت . فإذا كان لدينا كمية معينة منه، بعد مرور 5730 عام يكون قد تحلل نصفها.

وهذا ما ندعوه بنصف العمر، ويكون لنا هذا العمر بمثابة الأساس الذي نعتمد عليه في اعتبار كربون 14 كطريقة ناجعة في تحديد العمر .



تكمن الفكرة في الاعتماد على الكربون-14 لحساب العمر عن توقف تزويد الكمية المفقودة من الكربون-14 عند الوفاة للكائن الحي فتختلف النسبة بين الكربون-12 إلى الكربون-14 عن باقي الكائنات الحية لان الكربون-14 هو عنصر مشع ويضمحل بمعدل ثابت مع الزمن من خلال إطلاق جسيمات بيتا beta ولا يتم تعويضه كما هو الحال للكائن الحي. بينما يبقى الكربون-12 ثابتا في جسم الكائن قبل الوفاة وبعده.


وعليه نستنتج أنه بقياس النسبة بين الكربون-14 إلى الكربون-12 ومقارنة النتيجة مع النسبة بينهما في الكائنات الحية يمكن حساب عمر العينة.


فلو مِتُّ ودُفنت وبعد آلاف السنين وجدوا عظامي، فالكاربون 14 هو من سيُحدد بأي حقبة كنت موجودا.



سؤال الآن: هل حياة واحدة كافية للوصول إلى الكمال أو الإنسان الكامل؟

ستقول : لا!


لنفترض ولو مجازيا أن حاصد الأنفس ليس له وجود، يعني لا وجود للموت!


إذاً خُلقنا لنعيش إلى الأبد وفق هاته الأطروحة. تخيل معي الآن أن إمبراطور ما أُرخ اسمه ضمن التاريخ كهولاكو أو بوكاسا أو هيتلر حتى أو أي رئيس بمجتمعاتنا الآنية …

تخيل معي ماذا سيفعل لو كان سيعيش للأبد والبطانة التي تُؤازره للحكم من كهنة وساسة ورؤوس الأموال والإعلام، فستبقى سيطرتهم قائمة على شعوبهم أو الشعوب التي غزوها، يعني سيطرة أبدية على الذين لا يستطعون الثورة عليهم. لأن النزاهة والعدل لم تصل لكرسي الحكم إلا نادرا، وبقي دائما النرجسيين والساديين هم من يحكمون.


 فهذه الفئة الخالدة التي تحكم لن تكون إلا للأثرياء والقائمين على الحكم، ولذلك فالموت أو حاصد الأنفس هو الإجراء الأخير ضد طبيعتنا السوداء، ستمتلك تلك الوحوش في وسطنا كل شيء، يستهلكون ويسيطرون على كل شيء. سيجعلون من أنفسهم "آلهة" وسيحولوننا إلى عبيد ضمن ضيعتهم. لذلك الموت ليس أمر خياريا بل السبيل الوحيد للوصول إلى الإنسان الكامل.


نحن لم نُخلق لنعيش إلى الأبد، هذا الأمر يُفسد حتى الأفضل بيننا، فبتلاحم أفكارنا نُنقد مجتمعاتنا ولو إلى حين. نحن شمعة أو شمعات تريد أن تُضيئ هذه الظلمات التي نعيش ضمنها بمجتمعاتنا، أردت أن أكون شمعة وليس مصباح قوي لإضاءة ما يحوم بجوانبي، أن أقرأ لأفكار أخرى بأم عقلي، لكن حياة واحدة لا تكفي لقراءة كل الأفكار، … فكان "الفيس" وجعلك تتنقل بين الأفكار، وأفكار أساتذة وجهوا بوصلتك نحو الطريق الصحيح.


 لا أتذكر كل الأمور والأفكار التي علموني إياها … لكن ما أتذكره وسأذكره دائما أن توجيهاتهم كانت بالنسبة إلي كالأكسجين الذي أتشربه، لقد أعطوني ما لا يُمكن أن أحظى به لو بقيت مع قطيع مجتمعنا. فبات بإمكان أي شخص السفر لمسافات تتخطى الخيال والزمن، ولو يعد أحد محدودا بفكرة لوحده … بل أصبحت الفكرة ملك للجميع.



كانت "روما" بلدة من رعاة الماشية اللاجئين، لكنها أصبحت أعظم إمبراطورية في الأرض القديمة، هل تعرف كيف؟ …… الطرقات، الطرقات هي من سمحت لهم بإرسال جيوشهم إلى كافة أنحاء العالم. أحيانا أظن أنني أُحرر النفس البشرية، لكني أبني الطرقات للعلمانية والإنسانية، فالأفكار الأبدية واللامتناهية ستبقى قائمة لمن يستطعون دفع ثمنها. فتشابك أفكارنا كجذور شجرة تُمزق الصخر، بلا صوت يصرخون إلى السماء العمياء ولا تسمعها إلا عقولنا السرية التي نتقاسمها.


ربما أكذب عليكم، فإنه لا يمكننا الفوز بحرب فكرية تقليدية ضد الكهنة والسلطة والساسة …ألخ، بل نحارب فكرة الخلود لتلك الخرافات في مجتمعاتنا، فمجتمعاتنا خلدت أفكارا انبثقت منذ 1400 سنة، وقبلت بأفكار جعلوها موجودة منذ أدم كأول بشر على حسب منهجيتهم …


ولازالت. في مجرى الحضارة هناك توازن بين الأمل والفناء، إن لم نوقف لعنة حياة الأفكار الخرافية الأبدية في مجتمعاتنا فإن أطفالنا سيرثون اليأس. فتقلبات الحياة هي ما يجعلنا متساوين في النهاية، يجب أن تُنهى الثورة الفكرية خلود هاته الأفكار الخرافية. ربما أتكلم عن إعادة الموت الفعلي للأفكار الغير منطقية واللاعلمية، فأنا مستعد لقتل أفكاري وإماتتها … لإعادة التوازن. يجب أن تُقرروا بأنفسكم ماذا تريدون؟ هل بيت طعام جنس أم سمو الوعي والطمأنينة الداخلية … أيهما هدفكم المنشود؟


مهما كان المرء ثريا أو قويا، فإن الموت ليس أمراً خيارياً، فاعتنقوا فكرة أنكم بشر تتطورون إلى الإنسان الكامل، ولا تتقاعسوا في حضن الخرافة.



الخوف من الموت مفيد، لأنه يُعطي قيمة لحياتك الآنية، فالموت ضروري للحياة … لتُصبح الإنسان الكامل (عيسى).




…يتبع…

إرسال تعليق

0 تعليقات