آخر الأخبار

أهمية أن نقرأ يا ناس!! (42)













يتذكر الجميع مشهد التنحى ولكن لا أحد يتذكر ما قاله "ديجول" وما قاله "اوثانت" وما فعله " الازهرى" وما كان من " شارل الحلو" وما ابلغه " عبد الرحمن عارف" وما فحوى كلام " هوارى بو مدين"... فى هذه الحلقة يذكرنا نصر القفاص ماذا حدث ....



نصر القفاص



أخطر من نكسة 1967 هو أننا طوينا صفحات الساعات الأولى التي تلتها.. تجاهلنا مشهد العودة بعد التنحي لقيادة السفينة.. أسبابه.. وأسراره.. بل حاول كثيرون – ومازالوا – تصويره على أنه لحنا جنائزيا, يبدو كموسيقى تصويرية لفيلم "عار الهزيمة" الذى يحرص أولئك على استمرار عرضه.. يعرضونه دائما قبل أي احتفال بذكرى "الانتصار العظيم" فى اكتوبر 1973, وبعد الاحتفال..



 ولا مانع من حفره على الذاكرة الوطنية طوال الوقت.. ولو علمنا ماذا كتب "ديجول" للرئيس "جمال عبد الناصر" بعد تنحيه مباشرة, لأدركنا أن الهزيمة – رغم قسوتها – لا تكون عارا إلا إذا نجحت فى فرض الاستسلام..


وإذا قرأنا رسالة "اوثانت" الأمين العام للأمم المتحدة, لأدركنا حجم التقدير والاحترام الشديدين للشعب وزعيمه..


كما أننا حين نقرأ رسالة الزعماء السوفييت, التي أرسلوها فى هذه اللحظات, لفسرت أسباب قبول "عبد الناصر" لتحدى العودة..



وفوق كل هذا إصرار الشعب المصري, والأمة العربية على رفض الاستسلام بقبول تلك الاستقالة.. وعلى هامش الصورة, لا يجب أن ننسى مشهد السخرية بأقصى درجات الإهانة الذى وجهه الرئيس الأمريكى "جونسون" للسفراء العرب!!



تلقى "شارل حلو" الرئيس اللبنانى خطاب التنحى بالبكاء وسط الحضور فى مكتبه بقصر "بعبدا" وهو يقول كلمة واحدة "مستحيل" وكررها عدة مرات..


 اتصل الرئيس "عبد الرحمن عارف" من بغداد بالرئاسة, وطلب ممن رد عليه أن يبلغ "عبد الناصر" بصوت مخنوق "أناشدك باسم الشعب العراقي وباسم العروبة أن تبقى"..


 وتحدث إليه الرئيس السوداني "إسماعيل الأزهري" ليقول: "الخرطوم يمكن أن تحترق ما لم تعدل عن قرارك"!!



كذلك فعل "هوارى بومدين" من الجزائر ليؤكد أن رحلته التى ينوى القيام بها إلى "موسكو" لا معنى لها, ما لم يتراجع عن هذا القرار..


وهنا وضع القائمين على مكتب الرئيس, رسالة بعث بها "أوثانت" عبر السفير "محمد القونى" يقول فيها: "أخشى أن تكونوا قد اتخذتم قراركم بدافع الكبرياء وحده.. وأريدك أن تتذكر حكمة بوذية تقول أن العظمة الحقيقية هى المقدرة على احتمال المكاره.. وأرجوكم أن تعيدوا النظر, وإلا فإنكم بذلك تكونون قد لعبتم دون قصد لعبة الآخرين"!!




ومن "باريس" وصلت برقية عبر سفير مصر – عبد المنعم النجار – من الرئيس "شارل ديجول" كانت حافلة بالمعانى.. يقول نصها: "إن النصر والهزيمة فى المعارك عوارض عابرة فى تاريخ الأمم.. وما يهم هو الإرادة.. وفرنسا فى وقت من الأوقات كما تتذكر كان نصفها تحت الاحتلال المباشر للنازى, ونصفها الآخر خاضع لحكومة عميلة.. ولكن فرنسا لم تفقد إرادتها وظلت طوال الوقت تسير واثقة وراء قيادتها المعبرة عن إرادتها.. إن الشجاعة الحقيقية هى مواجهة المحن.. أما الأوقات السعيدة فهى لا تستدعى هذه الشجاعة.. إن سلام العالم العربى يقتضى جهودك, وأنا أول من يتفق معك على أن الأمر الواقع الذى قام عندكم الآن.. لا يعطى أساسا صحيحا لمثل هذا السلام".



وسلم السفير السوفيتى فى القاهرة, رسالة من زعماء بلاده الثلاثة إلى السفير "محمد رياض" مدير مكتب وزير الخارجية.. جاء فيها: "صديقنا العزيز.. إننا ندرك خطورة الوضع الذى نشأ عندكم فى البلاد نتيجة العدوان الإسرائيلى, ومؤامرات الدول الاستعمارية.. وفى هذه اللحظة العسيرة والمسئولة, وبناء على اقتناعنا العميق, نؤكد أنه لا يجب أن تتركوا بلادكم دون قيادتكم.. الصديق العزيز ناصر.. إنكم تتمتعون بسمعة ضخمة فى العالم العربى, والشعوب العربية كلها تثق فيكم.. وأصدقاؤكم يحترمون نضالكم ويحترمون شخصكم.. وإنكم باستمراركم فى منصبكم رئيسا, تستطيعون العمل.. ويجب أن تعملوا كل الممكن من أجل المحافظة على ثورتكم وشعبكم.. إن العالم العربى والقوى التقدمية, لا يفهمون ولا يوافقون على تنحيكم عن قيادة البلاد فى هذه اللحظة العصيبة والمسئولة.. ونحن مستعدون لبحث الخطوات المشتركة لحل جميع المشاكل الاقتصادية والعسكرية فى أى وقت ترونه.. والتوقيع.. بريجينيف.. كوسيجين.. بودجورنى".


الشوارع فى القاهرة لا تسمح للرئيس أن يتحرك إلى مجلس الأمة – البرلمان – لكى يلقى خطابا.. لا تسمح لأحد أن يتمكن من الذهاب إلى بيت الرئيس دون معجزة.. الملايين فى كل بقعة ينادون عليه رافضين قراره.. وكان المشهد وردود الفعل بالنسبة له مذهلا.. قال خلال مكالمة مع "محمد حسنين هيكل" انتظرت أن يطالبوا بإعدامي أو يتركونى لحالى أذهب فى صمت!!.. عقلى لا يستوعب ما يحدث بسهولة.. مش عارف أعمل إيه؟!"



يتصل "أنور السادات" من مجلس الأمة بمكتب "هيكل" لينقل له خطورة الأمر, ما لم يتراجع "عبد الناصر" عن قراره.. يحذر "شعراوى جمعة" من كارثة وفوضى لا يعلم أحد مداها, إذا لم يصدر عن الرئيس ما يهدىء من روع الشعب.. يقترح "هيكل" أن يكتب مشروع بيان.. يوافق "عبد الناصر" على أن يتم توجيهه عبر "البرلمان" ويحدد ملامح ما يحب ويريد أن يقوله.. وبعد الانتهاء من كتابة الرسالة وقراءتها له, يوافق على إعلانها عبر "أنور السادات".
زمن كان هو الأطول.. الأصعب.. والأخطر.. على مصر وشعبها فى ساعات أعقبت زمنا كان قاتما.. حزينا.. مريرا.. فى ساعات سبقته وقعت خلالها الهزيمة!!



ساعات الهزيمة ببشاعتها يتم فرضها على الذاكرة.. وساعات رفض الهزيمة وقبول التحدي يتم شطبها.. وثائق استنهاض الهمة وإشعال الإرادة يتم دفنها.. شائعات وأكاذيب يتم ترويجها وتجديدها,, يحرصون على تحويلها إلى حقائق.. حدث ذلك ومازال يحدث.. رسائل القادة والزعماء يتم تجاهلها, وأهمها فى معناه رسالة "ديجول".. والزيف لا يكف الذين يرون فى "امريكا" الأمل والحلم والنموذج, عن تكراره وتأكيده.. رغم ما ذهب إليه "ترامب" بحرق ملفات السلام, عندما تفاخر بإهداء "القدس" لإسرائيل.


حدث ذلك.. لأن مشهد الحقيقة هناك فى "واشنطن"


حدث ذلك.. لأن "جونسون" رسم الصورة, كما تراها "أمريكا" وهى صورة تم طمس معالمها لتسقط من الذاكرة العربية.. تفاصيلها تقول أن الرئيس الأمريكى "جونسون" دعا عدد من السفراء العرب للقائه, فى ضوء خشية مساعديه من تداعيات ما حدث.. اعتقد من حضروا اللقاء أنه سيكون فرصة للتحدث معه والتعبير عن مشاعرهم.. فإذا بهم يرون "جونسون" يدخل عليهم وفى يده سلسلة يتحكم بها فى كلبه, وكان اسمه "بيجل"!! وما إن جلس حتى بدأ يتحدث إلى "بيجل" ليقول: "إسمع يا بيجل حكاية رجل شرير, تخانق مع جاره الطيب.. كان الشرير يتصور أن الطيب لا يستطيع الرد عليه.. لكن الجار الطيب يا بيجل استجمع قواه, ولكم جاره الشرير لكمة قوية طرحته على الأرض.. له الحق يا بيجل.. أليس كذلك.. لماذا يحق لأصحاب هذا الرجل الشرير أن يشكون للآخرين.. ما هو رأيك يا بيجل"؟!


لم ينتظر "جونسون" بعد هذا المشهد.. لم ينظر إلى وجوه مساعديه الذين أخذتهم الدهشة إلى حد الصدمة.. ولم ينتظر أن يسمع من السفراء العرب كلمة, وهو يدرك أن صمتهم أخذهم إلى غيبوبة.. ونهض لكى يمشى خلف "بيجل"!!



حملت برقية من السفير "محمد القونى" هذه التفاصيل إلى القاهرة, وسط حالة لم تشهدها مصر من قبل فى تاريخها.. فهل تمسك الشعب المصرى والأمة العربية بزعيمها, كان وراء عودته فى قراره؟! أم كانت مناشدات الزعماء العرب.. هى السبب فى موافقته على البقاء؟! قد تقول أن رسائل "أوثانت" و"ديجول" والزعماء السوفييت حملت سر العودة.. وحقك أن ترى فى إهانة "جونسون" للسفراء العرب, السبب الأكيد فى أن يعود "عبد الناصر" عن قراره.. ولو كنت من المهزومين فى عقولهم, لك أن تنكر كل ذلك وتجدد إلحاحك بفرض فيلم "عار الهزيمة" علينا لنعيد مشاهدته!!


إستدعى "عبد الناصر" صباح يوم 11 يونيو 1967 الفريق "محمد فوزى" وكلفه بمنصب القائد العام للقوات المسلحة.. أرسل مستدعيا الفريق "عبد المنعم رياض" حيث كان فى الأردن ليعينه رئيسا لأركان الحرب.. أبلغ "أمين هويدى" أنه سيكلف بمنصب وزير الحربية بعد فترة..


وافق على قبول استقالات قادة حرب يونيو الذين اختاروا تأكيد الانسحاب!!وكان عليه أن يواجه المشير "عبد الحكيم عامر" وعدد من رجاله, الذين أرادوا فرض كلمتهم على الوطن والشعب والرئيس بقوة السلاح!!


لا تندهش فهذا ما حدث واستمرت تفاصيله أياما وأسابيع, حتى تم تنفيذ العملية "جونسون" للإطاحة بالمشير "عامر" والقضاء على بؤرة مسلحة تحصن داخلها فى الجيزة!! ثم كان انتحاره الذى مازال البعض يحوله إلى سؤال أو لغز.. وكما كشف "أمين هويدى" فى مذكراته أسرار "العملية جونسون" وسر ترويج حكاية أنه انتحر أو تم اغتياله..



يتبع


إرسال تعليق

0 تعليقات