آخر الأخبار

النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (6)








النهضة الفاطمية دراسة فى خطاب ناصر الزهراء (6)




محمود جابر


الزهراء الفرقان الحي



كنا وما زلنا نعترف بعجزنا، عن أن نقترب من نور شمس النهار، وكبد الحقيقة القاصمة، والقاسمة، القاصمة لظهور أهل الباطل، والقاسمة بين أهل الرضوان، وأهل الطغيان، وما زال الشوق الجارف يحدو بنا مستنيرا بملهم الذكرى، وباعث النهضة من (( ناصر الزهراء)) ألتمس الخطى بحثا عن طريق مهاد ..


مفتشا عن مسحة طازجة وفارقة لكل ما اعتدنا سماعه، وقوله لصورتها التي تلمس الندى، بل هى مبعث الندى النقي، الطاهر الزكي سلام الله عليها من يوم خلق الله الخلق إلى يوم يبعثون يوم الفرقان ..


من وجوه المجتمعين المظلومين - منذ عقود طويلة-  المحتشدين فى ساحة العشرين معظمين شعائر الله، ومشيعين سر الكون الدفين، يبحثون عن فرقان يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، وصاحب سبل السلام داعيا، ومتشح بالسواد، وباكيا حزينا مسهد، قلبه متحير بين حسرات عديدة، حسرة المعلم والمرشد والدليل المفقود، وحسرة الجموع المظلومة، وحسرة تفوق كل السابقات أنها مظلومية سيدة نساء العالمين ..


الجموع التى سجنت، وقُتلت، واستعمرت، واستبيحت بيوتهم وأموالهم وأعراضهم، يعيشون نفس اللحظة ونفس الإحساس يلتمسون " فرقانا" لا يسوى بين قاتل معتدى والمقتول، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين السجان والمسجون، ولا بين الخائن والواقفين على التل، أولئك الذين لم يتقاسموا الأدوار لا فى لندن ولا صلاح الدين، ولم يغادره تحت أي ضغط وأي ترغيب، وخصوصاً أبناء العشائر الغيارى الذين حفظوا الهوية الثقافية والأخلاقية والاجتماعية لهذا الشعب الكريم وتكسّرت عند إرادتهم الصلبة كل مؤامرات تغيير معالم الهوية، وكان منها فتح أبواب العراق على مصراعيها في الثمانينات لملايين المصريين وغيرهم وزجّ أبناء العراق الشرفاء في أتون الحروب الصبيانية وبقي الشعب صامداً. وجاءت الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991 لتكسر قيود الخوف والرعب ولتنطلق الحركة الإسلامية المباركة وتتعاظم، وكان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) الأثر الكبير في هذه الحركة، أبناء السيد الشهيد الذين ثبتوا مع المرجعية الرشيدة حين فرح غيركم بسلطة زائفة زائلة[1].


من وسط تلك الجموع وهم يهتفون " لبيك يا زهراء".....


وإذا بالمذياع يحُث المجتمعين بالصلاة على محمد استقبلا للناصر وخطابه الفاطمي يوم 3 جمادي الثانية 1428هـ الموافق 19 حزيران 2007

 .
فقال .... يوم الزهراء عليها السلام يوم الفرقان.


ولا يمكن لليعقوبى أن يتحدث عن ( فرقان الزهراء) دون أن يتطرق للبديهيات فى مظلومية الزهراء، تلك البديهيات المطموسة فى تاريخنا الإسلامي، والتي أسهمت إلى حدّ كبير في دثر الكثير من الحقائق من جهة وتزوير وتلفيق العديد من الحقائق من جهة أخرى، وذلك منذ البدايات الأولى التى سبقت مرحلة التدوين في العصر الأموي حسبما تقتضيه المصلحة للأنظمة السياسية الحاكمة آنذاك وبما يخدم توطيد أركانها في الحكم لأنّها كانت ترى أنّ نشر تلك الحقائق سيؤدّي إلى زعزعة الأوضاع وتأليب الرأي العام، ومن أجل ذلك قامت بالترغيب مرّة عن طريق بذل الأموال والعطايا على المدونين سواء كانوا من نقلة الحديث أم من رواته، وبالترهيب مرّة أخرى بالحبس والقتل والتشريد، ومن يتتبّع التاريخ الأموي والعبّاسي سيجد أمثلة حيّة على ذلك، وعلى ما قاله (( ناصر الزهراء) فى خطبة التشيع الرمزي الثانية .


ومن يقرأ هذه الفترة الحرجة من تاريخ المسلمين فإنّه سيرى بوضوح تزوير الحقائق، حيث نجد عدّة تيّارات متمثّلة بمدوّني الحديث والمؤرّخين وعلماء الرجال ومن يسير في ركابهم ممّن دوّنوا تلك المرحلة ، فالبعض حاول أن يطمس الأحداث ولم يتعرّض لها لا من قريب ولا من بعيد، كما أنّ البعض الآخر كان يزيّف ويحذف حسبما تشتهيه رغبته أو مصلحته، في الحين الذي كان يحاول بعض المؤرّخين تزويق الأحداث وتبرئة ساحة البعض بإيجاد الأعذار الواهية التي لا تتناسب مع سوء الأفعال .


وهذا ما رآه اليعقوبى واضحاً وجليّاً ومن هنا طرح موضوع خطبتها التي ألقتها على المهاجرين والأنصار، وما جاء فيها من الأدلّة الدامغة ما لا سبيل إلى إنكاره أو ردّه .

ومن يقرأ بتمعّن وتفحّص مفردات الخطبة سيجد ضالّته التي ينشدها بعيداً عن التعصّب المذهبي .

وعليه طرح اليعقوبى أمرين مهمّين تاركا للسامع والقارئ حرّية الحكم بما ذكرته كتب الصحاح والتواريخ .

فاليعقوبى بدأ بما جاء فى صحاح السنة والشيعة وما أجمعت عليه الأمة جميعا من حديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) .


فقد تواترت في كتب الصحاح عدد غير قليل من الأحاديث في مناقب وفضائل الزهراء(عليها السلام)، ومن يحاول الرجوع إليها سيجد أحاديث مسندة لا غبار عليها معتبرة مأخوذ بها، منها قوله (صلى الله عليه وآله) : " فاطمة بضعة منّي يؤذيني من آذاها"[2]، وعنه (صلى الله عليه وآله) : " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"[3].




ومن هذا المنطلق فقد عالجت خطبة اليعقوبى أمرين :

أولاً : بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وانقلاب الموازين السياسية في سقيفة بني ساعدة وما جرى من الخلاف بين المهاجرين والأنصار حول الخلافة ومن يتولاّها، فقد احتجّ كلا الطرفين على الآخر بأدلّة ترجّح كفّته، وكانت نهاية المطاف انتخاب أبي بكر خليفة للمسلمين، في حين اتّخذ عدد من المهاجرين والأنصار موقفاً معارضاً من هذه البيعة، لأنّهم وجدوا الأحقّية للإمام علىّ (عليه السلام) في تولّي هذا المركز الحسّاس، سواء في ما جاء عن الرسول(صلى الله عليه وآله) من أحاديث ترجّح كفّته، أو في ما يمتلكه من المهارات القيادية والمميّزات الأخرى التي كانت ترشّحه لهذا المنصب .


وعليه كانت البدايات الأولى لهذه المطالبة تتمثّل بالصدّيقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) عندما جاءت إلى الخليفة الأوّل مطالبة بإرثها من النبى(صلى الله عليه وآله)[4]، فذكر لها الخليفة أنّه سمع منه (صلى الله عليه وآله)، «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة»، وقد احتجّت عليه الزهراء(عليها السلام) بما جاء في القرآن الكريم من آيات المواريث[5]، ثمّ إنّها احتجّت عليه بقولها : «من يرثك ، قال : أهلي وولدي، فقالت : فمالي لا أرث النبيّ»[6]، وفي حديث آخر : «فما لك ترث النبيّ دوني»[7]، وهذا دليل لا يقبل المناقشة....

والأمر الآخر المرتبط بهذا الموضوع أنّها بعد ذلك طالبته بفدك التي أنحلها الرسول(صلى الله عليه وآله) بعدما نزلت الآية : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)الإسراء 17، حيث دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) فاطمة فأعطاها فدك[8]، إلاّ أنّ الخليفة رفض ادّعاءها وطالبها بالشهود، فأتت بالإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وأمّ أيمن، فردّت شهادتهما، وعلّل ذلك الأمر أحد شيوخ ابن أبي الحديد المعتزلي إذ سأله فقال : «أكانت فاطمة صادقة في دعواها؟ قال : نعم ، قال له ـ ابن أبي الحديد ـ فلم لم يدفع لها أبو بكر فدكاً وهي عنده صادقة؟ فتبسّم، ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلّة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فدكاً بمجرّد دعواها لجأت إليه غداً وادّعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه ولم يكن يمكنه حينئذ الاعتذار بشيء، لأنّه يكون قد سجّل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة وشهود ، قلت : ولهذا استباح أبو بكر شهادة عليّ بن أبي طالب لفاطمة بالنحلة وإلاّ فإنّ يهود خيبر على لؤمهم وإنّ عليّاً دمّرهم لينزّهونه عن شهادة الزور، وبهذا أيضاً لا بسواه استنوق الجمل فاعتبر ذات اليد متصرّفة مدّعية فطالبها بالبيّنة ، إنّما هي عليه، الأمر الذي علمنا دبّر بليل"[9].


وقد علّق ابن كثير على هذه الحادثة بقوله : «واحتاج عليّ أن يراعي خاطرها بعض الشيء»[10]، وهذا ما أكّده محمود أبو ريّة بقوله : «بقي أمر لابدّ أن نقول كلمة صريحة : ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة (رضي الله عنها) بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وما فعل معها في ميراث أبيها، لأنّها إذا سلّمنا بأنّ خبر الآحاد الظنّي يخصّص الكتاب القطعي، وأنّه قد تبيّن أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد قال : إنّه لا يورث، وأنّه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فإنّ أبا بكر كان سعيه أن يعطي فاطمة (رضي الله عنها) بعض تركة أبيها(صلى الله عليه وآله) كأن يخصّها بفدك، وهذا من حقّه الذي لا يعارضه فيه أحد ، إذ يجوز للخليفة أن يخصّ من شاء بما شاء . . . . وقد خصّ هو نفسه الزبير بن العوّام ـ وكان صهره على أسماء أمّ عبد الله ـ ومحمّد بن سلمة وغيرهما ببعض متروكات النبىّ(صلى الله عليه وآله)، على أنّ فدكاً التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان»[11].


لذا كان على الخليفة الأوّل كما أشار السيّد شرف الدين : «أن يتّخذ طريق الحكمة في معالجة هذا الموضع، ولو فعل ذلك لكان أحمد في العقبى، وأبعد عن مظانّ الندم، وأنأى عن مواقف اللوم، وأجمع لشمل الأمّة، وأهل له بالخصوص»[12].


إلاّ أنّ هذا الأمر كان مرتبطاً ارتباطاً كلّيّاً بمقدّرات الخلافة والحكم وفي حالة الإقرار بأمر سينتهي به الحال إلى فقدان الكلّ، ولم يقف الحال عند هذا فحسب بل ترتّب عليه تركات وعواقب وخيمة متمثّلة بانقسام المسلمين إلى فئات ومذاهب وما تمخّض عنه من صراعات فكرية وعقائدية لا تنتهي إلى يوم القيامة .


وعند قراءتنا لمسيرة الأحداث بعد ذلك نرى عمق الخلاف الذي أصبح بين الزهراء والخليفة، حيث تشير الروايات بدقّة إلى ما سار إليه الأمر وما نجم عنه : «فغضبت بنت رسول الله وهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت»[13].


وفي رواية أخرى قالت للشيخين : «لا أكلّمهما أبداً فماتت ولا تكلّمهما»[14].


ولم يقف الأمر عند هذا فحسب بل إنّها أوصت الإمام علىّ ع قبيل وفاتها أن يدفنها ليلاً وأن لا يحضرها الشيخين، حيث ذكر أنّها : «دفنت فاطمة ليلاً ولم يشعر أبو بكر حتّى دفنت وصلّى عليها علىّ»[15]، وعلّل ذلك ابن حجر أنّه : «كان ذلك بوصيّة منها»[16].


وفي رواية عن عائشة : «فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منه شيئاً، واستأثر لبيت المال لكلّ ما تركه النبىّ من بلغة العيش لا يبقي ولا يذر شيئاً فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت وعاشت بعد النبيّ ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبو بكر .
. . .»[17].


وهذا أمر بديهيّ ولا يحتاج إلى تعليق أو تبيان ، لأنّ دفن الليل وعدم حضور الشيخين دليل على أنّها ماتت وهي غضبى عليهما.






[1] - خطاب المرحلة رقم (158). 14/ 2/2007.
[2] - صحيح مسلم 4/1903 ، مسند أبي عوانة 3/70 ، المعجم الكبير 22/405 ، وذكرته مصادر أخرى .
[3] - صحيح البخاري 3/1361 ، السنن الكبرى للبيهقي 5/97 ، المعجم الكبير 22/404 ، فضائل الصحابة للنسائي 1/78 ، وذكرته مصادر أخرى .
[4] - ذكرت بعض الروايات أنّها جاءت منفردة وروايات أخرى جاءت مع عمّها العبّاس ابن عبد المطّلب .
[5] - منها : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ) سورة النساء4 : 11 . (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) سورة مريم19 : 5 ـ 6 . (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الأْقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الأْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) سورة النساء4 : 7 ، وإلى آخر آيات المواريث ، وكلّها عامّة تشمل رسول الله(صلى الله عليه وآله).
[6] - مسند ابن حنبل 10/10 ، سنن الترمذي 4/157 ، فتح الباري 6/202 ، سنن البيهقي 6/302 ، شرح معاني الآثار للطحاوي 3/308 ، التمهيد 2/314 .
[7] - شرح معاني الآثار للهيثمي 3/308 ، وأشارت إلى ذلك في خطبتها .
[8] - شرح معاني الآثار 7/49 ، مسند أبي يعلي 2/344 ، 354 .
[9] - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/283.
[10] - البداية و النهاية 5/249 .
[11] - مجلّة الرسالة المصرية العدد(518) السنة الحادية عشر ص457 .

[12] - النصّ والاجتهاد : 112 .
[13] - مسند ابن حنبل 1/6 ، صحيح مسلم 3/1380 ، سنن البيهقي 6/300 ، صحيح ابن حبّان 11/315 ، مسند أبي عوانة 4/251 ، مصنّف عبد الرزاق 5/472 ، الطبقات لابن سعد 2/153 ، تاريخ الطبري 2/236 .
[14] - سنن الترمذي 4/157 ، علل الترمذي 1/265 .
[15] - صحيح البخاري 4/1549 ، صحيح مسلم 3/1380 ، صحيح ابن حبّان 11/153 ، مسند أبي عوانة 4/251 ، مصنّف عبد الرزاق 5/472 ، كشف الخفاء 1/112 .
[16] -  فتح الباري 7/464 .
[17] - صحيح البخاري 4/1549 ، صحيح ابن حبّان 11/153 ، البداية والنهاية 5/285 ـ 286 .

إرسال تعليق

0 تعليقات