الدولة والإسلام... حكم
شرعي أم نتيجة تاريخية؟ (4)
عز الدين محمد
القراءة الثانية
كما قلنا فهناك خلاف معروف بين الإسلاميين وخصومهم حول مكانة فكرة الدولة
في الإسلام بين من يعتبرها جوهرية وأساسية، وبين من يعتبرها قضية تاريخية لا علاقة
لها بأصل الدين.
القراءة الأولى تحدثنا عنها في المنشور السابق وأما القراءة الثانية والتي
قد يراها البعض غريبة أو ربما غير مطروحة، فهي تؤيد أن النبي (ص) كان فعلا يريد إنشاء
دولة حقيقية. وكان نظرهم الى تحقيق ذلك وهم يعدهم بكنوز كسرى وقصور قيصر، لقد كان
ينظر الى العرب فيراهم مشتتين مختلفين تستضعفهم الأمم من حولهم، فكان يهتم فعلا
بتغيير وضعهم لكن وفق رؤية أخلاقية إنسانية كما هي واضح في الخطاب القرآني.
ولهذا تجد أن النبي (ص) ذكر في صحيفة المدينة اليهود وبيّن طبيعة العلاقات
معهم إلا أنه خص يهود بني عوف بالذكر وقال عنهم بحسب نص الوثيقة: "وإن يهود
بني عوف، أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم" ولم يذكر بالاسم
قبائل اليهود المعروفة: قينقاع والنضير وقريظة، وعندما ترجع للبحث عن يهود بني عوف
تجد أن بني عوف قبيلة عربية، تهود أبناؤها، فلأجل ذلك أدخلهم ضمن الأمة، ولم يدخل
غيرهم رغم أنه نظم العلاقات معهم.
كما إن النبي (ص) قال في حديث له: اتركوا الترك ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما
ودعوكم (أي ما تركوكم). بينما لم يقل ذلك في الفرس والروم رغم أنهم أقرب الى
المسلمين وهم أولى بأن يوصي بهم. والسبب يرجع إلى أن هاتين الدوليتين كانتا على
حدود جزيرة العرب ويحتلان أهم ما في بلاد العرب من أراضٍ وأكثرها خصبا، وهي: العراق
والشام. لقد أراد أن يخلص العرب من ظلم هاتين الدولتين، فدفعهم بالإسلام نحو تحقيق
ذلك، وتعامل معهم بالرسائل والسلم والحرب. أما الأمم البعيدة فلم يتصل بهم، ولم
يرسل إليهم ولم يوصٍ بحربهم، بل على العكس دعا الى تركهم ما لم يكن هناك ضرر منهم.
نعم قد يعترض على هذه النظرية بما يقال من أن الإسلام يؤمن بالولاء الديني
لا الانتماء العرقي، لكن هذا ليس دقيقا تماما، لأن الإسلام أقر مشروعية الانتماء
باعتباره أمرا طبيعيا لكنه اشترط بأن لا يكون على حساب رؤيته الأخلاقية ومبادئ
العدل والإحسان...
وهذا ما بينته في منشور سابق تحت عنوان "الولاء الديني والانتماء
القومي"
ما رأيكم؟
0 تعليقات