آخر الأخبار

فقه أصول المنهج (9)










علي الأصولي



قال الماتن:



ولعل من أشد المؤثرات في ذلك حصول المجاز، إذ قد يستعمل اللفظ مجازا بملابسة ويستعمل مجازا بملابسة أخرى، ثم يصبح حقيقة بكلا المعنيين، وهما متباينان لتباين ملابستهما، ولعل الاستعمال يتكثر ويتكرر، وتتكثر المعاني للفظ واحد، إلى حد قد ننسى الوضع الأول، أو لا يكون الوضع السابق من اللاحق متعينا وواضحا،ومن أشد المؤثرات على ذلك أيضا انطباقه على مصاديق معنوية ومادية بذوق اهل اللغة وعلى العلة والمعلول، وعلى الواحد والجماعة إلى غير ذلك،


ومن ذلك: التشكيك أو التدرج في نفس المفهوم بين أمرين متباينين في الماهية عند المناطقة والفلاسفة كالتشكيك بين الإنسان والحيوان في الإنسان القديم - ناتدرال - وبين الحيوان والجماد في المرجان، وكذلك التشكيك والتدرج بين السليم والمريض وبين النور والظلمة وبين الماء المطلق والمضاف،


ومن ذلك: النكاح، الذي يصدق على العقد الدائم والعقد المتقطع، وعلى الزوجية وعلى الجماع،


ومن ذلك: العلم الذي يصدق على التصور وعلى التصديق، وعلى العلم المبوب وغير ذلك كثير،


أقول ( وقد واصل الماتن ببيان أسباب الإجمال في المفرد أو اللفظ بهذه الأسطر، فقد ذكر حصول خلط بين الحقيقة والمجاز في الاستعمال بل ضياع الحقيقة عن المجاز فربما ما ونتصوره لفظ حقيقة هو مجاز واقعا لكن لكثرة الاستعمال مثلا وقربه للأذهان عد من حصة الحقيقة، وكذلك استعمال اللفظ في الكثير المصاديق كفيل بضياع أو لا اقل إجمال معناه الأصلي، ومن الأسباب كذلك موضوعة التشكيك مع أنه قد يكون بين معاني مختلفة بالماهية، وقد مثل باللفظ الفقهي وما نسميه النكاح، واردفه بمثال منطقي آخر بلفظ العلم فهذه كلها مؤثرات لها دخالة بالإجمال )

قال الماتن:

ولو بحثنا عن قوله تعالى { والليل إذا سجى - والشمس وضحاها - و الشفع والوتر - وعن الانشراح والفتح وغيرها لوجدنا في فهم معانيها اختلافا كثيرا،

فقد يكون الموضوع له لفظ الأمر شيئا من هذا القبيل، بحيث يكون مجملا وغير محدد الحقيقة في أصل وضعه اللغوي،

ومن أسباب ذلك، نفي الوضع اللغوي التعييني من واضع بشري واحد، وأن اغلب بل كل الكلمات الأصلية وضعت اجتماعيا، بحسب حاجات ومستويات وعقليات المجتمع، ومن ثم نرى النظر إلى طريقة البيان والفهم اللغوي يختلف جدا بين كل مجموعة من المجتمعات، فإنها وأن كانت لها ضوابط عامة إلا أن موارد اختلافهما أكثر من موارد اتفاقهما،


وحسبنا في هذه العجالة، أن نقارن بين نفسيات العراقيين والمصريين والخليجيين، والتي انتم اعرف بها مني، فضلا عن غير هذه الجماعات من الناس، من داخل اللغة العربية فضلا عن خارجها،


أقول ( والكلام في بيان الاختلاف والإجمال، أن من أسباب ذلك هو اختلاف الفهم بصورة عامة، أضف إلى ذلك أن الواضع ليس واحد بل أكثر من فرد، وكل جماعة تضع ما يخدم حاجاتها من ألفاظ للتفاهم فيما بينهم بحيث يؤخذ باللفظ الفهم والمزاج والاختصار ونحو ذلك، هذه حالة عامة في كل المجتمعات الإنسانية فضلا عن المجتمعات ذات اللسان الواحد كالعرب، خذ مثلا أن قراءة القرآن وصلت عند العرب بأربعة عشر قراءة على اختلاف ألسنتهم بلحاظ اللهجات - وأن كانوا عرب أقحاح ولهم ضوابط باللغة فيما بينهم - ودونك قراءة عاصم ونظيره ورش،


بل إن المدارس النحوية في ما بينهما اختلافات عظيمة وكبيرة ما عليك إلا مطالعة كتاب - الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين الكوفيين - لابن الأنباري لترى بنفسك مذهب الكوفيين ومذهب البصريين واختلافات سيبوية من جهة والكسائي من جهة أخرى )


قال الماتن:
ومن نتائج ذلك: أننا قد لا نجد مرادفا للكلمة في اللغة الأخرى، لأن أهل تلك اللغة، لم يلتفتوا إليها ولم يهتموا بوجودها، ومن ثم لم يضعوا لها اللفظ المناسب،


ومن ثم لم يمكن ترجمة القرآن الكريم حقيقة، والفقه والأصول والحديث إلى اللغات الأوربية والأفريقية، ولو كانت المفاهيم محددة كما هو تصور المنطقتين الأصوليين ، لإمكن ذلك بكل سهولة،


وهذا الذي نجده من التقارب النسبي بين مفاهيم اللغات الشرقية، إنما هو لكونهم أهل منطقة واحدة وكلما زاد التباعد زاد التباين والاختلاف،


إذن : فالأطروحة الأولى كانت أن الأمر بمعنى الشيء، والثانية أنه مجمل، ويمكن التركيب بينهما لأننا لا يمكن أن نتعدى معنى الشيء مهما كان مجملا، إلا أن الذوق العربي اقتصر عدم الاستعمال في بعض الموارد، بالرغم من انطباقها على القاعدة، واللغة تعبدية وسماعية في نظر المشهور، فلا بد من الاقتصار عليها، وأحيانا لا يمكن الاستعمال القياسي، لأنه يكون مستبشعا، وهذا يعود بنا إلى الإجمال، في الوضع مرة أخرى، مع التمسك بمعنى - شيء - في الجملة، فالموضوع له عمليا هو الشيء في الجملة، مع الاعتراف بالنقوض السابقة، بالرغم من فهم مجموع الأشياء أحيانا كما في لفظ الجمع أمور،


أقول ( ومن الإشكاليات أننا نجد عدم الترادف التي عبر عنها الماتن بلفظ - قد - للاحتمال، في اللغات غير العربية بصرف النظر عن واقع عدم وضع الترادف في تلك اللغات، ومن هنا أننا نجد مشاكل متصورة في الترجمة إلى اللغات الأخرى التي فيها مشاكل محدودية الألفاظ والمفاهيم، ولو كانت خلاف ذلك كما هو تصور أهل المنطق والأصول لأصبح الموضوع سهل،


بينما تجد تقارب نسبي بين أهل المنطقة الواحدة كالشرق الأدنى - وتعبير الماتن باللغات الشرقية فيه مسامحة - لوجود التقارب والتفاهم تم تضييق الخلاف اللغوي وكلما يبعد تزداد الصعوبات،


وعلى كل حال: مفاد الأطروحة الأولى هو أن الأمر بمعنى الشيء ومفاد الأطروحة الثانية، أنه مجمل بحسب ما ذكر الماتن من أسباب، ولا يمكن والحال هذا ترك وتعدي عن معنى الشيء وأن كان فيه إجمال، نعم وفق الذوق العربي ترك استعمال بعض الموارد بالرغم من انطباقها على القاعدة العامة لمكان الذوق فقط، وبما ان اللغة بنظر وفهم المشهور هي من وضع الله وأنبياءه - ع - فلابد والاقتصار عليها بدون الاستعمالات التي تكون مستبشعة،


وعلى ضوء ذلك نرجع بالتالي إلى أطروحة الإجمال، مع عدم رفع اليد من معنى لفظ الأمر وكونه - شيء - ولذا عبر الآخوند بقوله - في الجملة - على ما سوف تعرف )


قال الماتن:

والشيخ الآخوند، عبر بقوله: في الجملة، إلى جانب الطلب، فقال: معناه الطلب في الجملة والشيء،،،، والسر في ذلك، أن كون معناها الطلب أرادا من معنى الشيء، كما سنقول، وهذا الإجمال، يجعل تطبيق علامات الحقيقة والمجاز عليها، بمنزلة المتعذر، لأن الاقتران الباطني دائما يكون بمقدار اللغة لا أكثر، ولا يمكن أن يكون أكثر، فلماذا كانت اللغة مجملة كان الاقتران الباطني مجملا، وليس من حقه أن يكون مفصلا، وهذا يعني انتفاء التبادر، وعدم إمكان تحديد المعنى لو توخينا الدقة، وإن كان مقتضى الاستعمال القياسي هو وجود التبادر في كل الموارد، ونحوه تماما صحة الحمل وعدم صحة السلب فإنها مع صحة القياس يصحان ومع بطلانه يبطلان، فهذا هو الكلام في مفرد أمور،


أقول ( أن مفهوم لفظ الأمر عبر عنه بالطلب والفعل، إذ قالوا عنه مشترك لفظي بين الطلب والفعل في الجملة، وللاخوند رأي أخرى مع أنه اتفق معهم كونه في الجملة، إذ قال: هو مشترك بين الطلب في الجملة والشيء،

والسر الذي حدا بالإعلام وتقيد عبائرهم بمقولة - في الجملة - هو لوجود الإجمال اللغوي،


الحديث عن الطلب في هذا المقام هو في الطلب اللغوي لا الاصطلاحي هذا ينبغي أن يكون ملحوظا في هذا الشرح،


وبما أن اللفظ من المجمل فعلامات الحقيقة والمجاز والتبادر ليست من السهولة بمكان لمكان الإجمال، بل متعذرة على حد تعبير الماتن،
فالإجمال لا يعقد الاقتران الباطني المبرز باللغة وبذلك لا تبادر ملحوظ لعدم الوضوح، والكلام ليس وفق مقتضى الاستعمال القياسي الذي هو سهل المؤونة، بل بالاستعمال الدقي كما هو معقد البحث ولو توخينا الدقة على حد تعبير الماتن، السيد الصدر الثاني،


صاحب - الكفاية - ذكر أن صحة استعماله في الشيء مستندا بقولهم: رأيت اليوم أمرا عجيبا، اي شيئا عجيبا،


أقول: وهذا الاستعمال موافق للغة وللعرف معا، وهو من المشتركات اللفظية بين - الطلب والشيء - فالأمر كله لله بمعنى الشيء كله لله، وإليه ترجع الأمور اي ترجع الأشياء، وشاورهم في الأمر، اي في الشيء، فشغله أمر كذا اي شيء كذا،


نعم العرف لا يعهد إطلاق الشيء على الله فلا يقال آلله شيء، كما لا يقال: آلله أمر، نعم يمكن الإطلاق على كل الممكنات أشياء، العقل أمر يجب استعماله، البياض أمر من الأمور الخارجية )


قال الماتن:
وأما الكلام في مفرد أوامر، وهو ما أخذه مشهور المتأخرين بمعنى الطلب مسلما، لولا قول صاحب الكفاية، إذ يقول: أنه بمعنى الطلب في الجملة، ولا نعلم وجهة نظره في ذلك،

ويرد على ذلك نقوض عديدة:


أولا: أن الطلب لغة هو السعي، نحو الهدف المطلوب، يقال: طلب العلم، وطلب المال، بمعنى تقديم المقدمات اليه، وهذا ليس الأمر قطعا،


الثاني: أن الطلب بهذا المعنى، يكون بالإرادة التكوينية لا التشريعية، مع انهم يخصون الطلب بالتشريعية دون التكوينية، إذن: فيجب أن يصح فيه السلب بمعنى أن الأمر ليس طلبا إطلاقا، يعني ليس طلبا تكوينيا،


الثالث: إننا لو قبلنا ان الطلب هو التشريعي، إلا أنه يقال عرفا: طلبت منه كذا - فهو عام للأمر من المساوي والعالي، مع ان المشهور اختصه بالعالي،


وفي - المفردات - قال: الطلب الفحص، عن وجود شيء سواء كان عينا أو معنى، ومثل ذلك بقوله تعالى - ضعف الطالب والمطلوب - وقوله سبحانه - وأن تستطيع له طلبا - ولم يذكر له معنى الطلب التشريعي،
وفي الجميع: اطلب الشيء إذ أردته وابتغيته،


أقول ( بعد إتمام الكلام في مفرد أمور وصل الماتن للبحث في مفرد أوامر، ولم يشذ جمهور المتأخرين من علماء الأصول في تبنيهم مقولة الطلب في الأوامر، إلا ما عن صاحب - الكفاية - فقد زاد عليهم بقول: في الجملة،



وأن تصورنا معنى قوله هناك في مفرد أمور في الجملة لوجود الاجمال، فهنا لم نعرف وجهة نظره في مفرد أوامر، على حد تعبير صاحب المتن.





إرسال تعليق

0 تعليقات