آخر الأخبار

التشيع الممنوع وإستراتيجية المنطقة (2)









بقلم / محمود جابر



الأول : مقدمة تاريخية حتى عام 1947
الثانية: ما بعد الثورة الإسلامية فى إيران حتى 2009
الثالثة : قراءة مستقبلية لمصر فى ضوء الصراع الإقليمي .. الحالة الشيعية .




المحور الأول : مقدمة تاريخية






عرف المجتمع المصرى الإسلام منحازا إلى جانب الإمام على بن أبى طالب، ولهذا كان عامة الثوار فى المدينة والثورة على الخليفة الثالث عثمان بن عفان من المصريين(3)، ولهذا ليس من الغريب أن تحظى مصر بوجود أهم قادة الامام على ومنهم مالك الأشتر(4)، وكذلك محمد بن أبى بكر(5)، وكلهما قتل فى مصر وما يزال قبرهما مشهد وساحة للزوار، بيد أن حدث انقطاع كبير فى مسيرة التشيع فى مصر، حتى جاء المعز لدين الله الفاطمى متخذا من مصر قاعدة للدولة الفاطمية، ومع سقوط الدولة الفاطمية جرى حالة تطهير عرقى للفاطميين فى مصر عامة والشيعة خاصة واستمر هذا طوال الدولة المملوكية والدولة العثمانية بعد ذلك(6)، ويمكننا ان نجد هذا فى السباب الذى ما يزال مستمر فى مصر حينما نجد احدهما يسب الاخر فيقول :" يابن الرفضى".

كانت فاتحة حروب العثمانيين ضد الصفويين الشيعة هي تلك الغزوة التي شنها السلطان سليم خان بعد انقلابه على أبيه السلطان بايزيد حيث كان الشاه إسماعيل في صف الأمير أحمد شقيق سليم خان وقام بإيواء أخيه الأمير أحمد.
          ولإيجاد مبرر للحرب أمر سليم بحصر الشيعة الأتراك ثم قام بإبادة أكثر من أربعين ألفا منهم وهي المذبحة التي شبهها محمد فريد في كتابه عن الدولة العثمانية بالمذبحة التي تعرض لها البروتستانت في باريس يوم 24 أغسطس سنة 1572 المشهورة بمذبحة سانت برتليمي(7).
وظل هذا الحال فى مصر حتى اختفى التشيع بسبب ممارسات التقية التى استمرت اكثر من قرن من الزمان .

وحينما جاء السيد عبدالحسين شرف الدين الى مصر هاربا من وجه الاحتلال الفرنسى للشام عام 1330هـ/ 1912م،لم يكن أحد من مثقفى مصر وكتابها ونخبتها بشكل عام يلتفت لقضية الشيعة أو التشيع،وحتى رحلة السيد عبد الحسين شرف الدين لم تكن ذات مغزى مذهبى أو دينى، لان الرجل فر من وجه الاحتلال الفرنسى الذى كان يحتل بلاده(8).
وفي هذه الرحلة التقى بشيخ الأزهر آنذاك الشيخ سليم البشري ودارت بينهما حوارات ومناقشات ومراسلات حول الشيعة والسنة كانت من نتائجها كتاب المراجعات الشهير الذي جمع مائة واثنى عشر مراجعة حول شتى المسائل الخلافية بين المذهبين(9). .

هذا الكتاب أكثر من خمسين طبعة منها طبعتان بمصر واحدة في فترة السبعينات والأخرى في أواخر الثمانينات. وكانت هناك مراسلات كثيرة حول هذا الكتاب بين السيد عبد الحسين شرف الدين وأقطاب الفكر في مصر منهم الشيخ محمد محمد المدني أحد كبار علماء الأزهر والدكتور محمد يوسف موسى الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة والأستاذ حسين عبد الغفار بالأمانة العامة لمجلس الأمة والأستاذ محمد فكري أبو النصر والدكتور حفني داود رئيس قسم اللغة العربية كلية الألسن جامعة القاهرة وعين شمس . وظل الحال على ما هو عليه حتى جاء سماحة الشيخ محمد القمى عام 1937، وأسس دار التقريب بالتعاون مع شيخ الأزهر الشريف فى 1947م، وهنا بدأ الحديث عن الشيعة، بيد أن الحديث كان حديثا علميا وفقهيا ولم يكن هناك اى مجال للاستقطاب الفكرى أو السياسى، وحتى دار التقريب ذاتها لم تكن ذات اثر شعبى لا من قريب ولا من بعيد. بيد أن الفارق فى العلاقة السنية الشيعية هى علاقة الشيعة بجماعة الاخوان المسلمين، ومن الثابت تاريخيا أن علماء الشيعة كانوا ينزلون ضيوفا على الإخوان في المركز العام فى القاهرة، وقد ذكر المرشد الأسبق الأستاذ عمر التلمساني في أكثر من كتاب مثل (ذكريات لا مذكرات) وغيره وأن "البنا" كان على علاقة محبة وصداقة مع آية الله كاشاني. و"يؤكد نقابي إخواني سابق أن آية الله الخمينى التقى الشيخ حسن البنا في مقر الإخوان القديم بالدرب الأحمر عام 1945 وكان الخميني ساعتها يمثل أحد رجال الدين الشباب في إيران. وقبل قيام (الثورة الإسلامية في إيران عام 1979) وبينما كانت إرهاصاتها قد بدأت من خلال المعارضة الشديدة من كوادرها لشاه إيران بدأت الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية (وكان أغلب أعضائها من الإخوان) في الخروج في مظاهرات لمهاجمة الشاه وتأييد الثوار الإسلاميين. وقبيل مغادرة زعيم الثورة الإيرانية 'آية الله الخميني' مقر إقامته بباريس بعد نجاح الثورة الإسلامية وطرد الشاه عام 1979 التقى به محمد مهدي عاكف المرشد السابق لجماعة الإخوان وكان ساعتها مسئولا عن النواة الأولى للتنظيم الدولي للإخوان وقد عبر عاكف خلال لقائه بالخميني عن دعم الإخوان ومباركتهم للثورة الوليدة، وفي المقابل طلب الخميني دعما إعلاميا من الإخوان لإيران الإسلامية في الدول العربية التي يتواجد فيها الإخوان بكثافة مثل مصر والجزائر والمغرب ودول الخليج وهو نفس الطلب الذي كرره الخميني أيضا خلال لقائه بأول وفد إخواني حضر إلى طهران لتهنئته بنجاح الثورة. ولهذا قال من قال: "إن حسن البنا كان أول من أدخل الشيعة إلى مصر"(10).


كما تأتى رحلة سماحة الشيخ كاشف الغطاء وهو من مراجع النجف الكبار وقد تم دعوته رسميا للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة والذي انعقد بتاريخ 13 / 5 / 1965 . وقد وصل الشيخ كاشف الغطاء إلى القاهرة على رأس وفد من علماء النجف الأشرف في 11 / 5 / 65 وكان في استقباله والوفد المرافق ممثل شيخ الأزهر الشيخ حسن المأمون وبعض رجال الأزهر، وقامت الإذاعة بإجراء حوار مع سماحته أذيع وقتها من البرنامج العالم وكان الحوار يتركز حول القضية الفلسطينية وموقف الوفد العراقي من مؤتمرات البحوث الإسلامية(11).

ومما قاله في هذه الحوار : كم من حضارة كانت أثرا لجماعة وكم مدنية كانت صنيعة لمؤتمر وأمامكم بيعة الرضوان وهو أول مؤتمر إسلامي نال به العالم الإنساني الحظ الأوفى والحضارة السامية، وأنه من الضروري جمع شمل المسلمين واتفاق كلمتهم على صعيد واحد حيث إن في وحدتهم قوة يندحر بها الأعداء وتتلاشى بها الخطط العدوانية،ومن الطريف أنه صادف وقت وجود سماحته والوفد المرافق في القاهرة ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين في كربلاء وقد وجه سماحته كلمة من خلال الإذاعة المصرية بمناسبة هذه الذكرى أذيعت من صوت العرب في مساء يوم العاشر من محرم، والطريف أنه صادف وقت وجود سماحته والوفد المرافق في القاهرة ذكرى عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين في كربلاء وقد وجه سماحته كلمة من خلال الإذاعة المصرية بمناسبة هذه الذكرى أذيعت من صوت العرب في مساء يوم العاشر من محرم، وتعتبر هذه الكلمة لمرجع شيعي كبير من خلال الإذاعة المصرية عن ذكرى عاشوراء - تعبير حدثا إعلاميا كبيرا وسابقة دعائية للشيعة في مصر لم تنالها منذ عهد الأيوبيين .

 وقام سماحته والوفد المرافق بزيارة مرقد رأس الحسين وقد لغت نظرهم ما شاهدوه من ظواهر الولاء لآل البيت بأوسع معانيها . كما زار مرقد السيدة زينب والسيدة نفيسة، وزار بورسعيد وقرأ الفاتحة على أرواح شهداء معركة بور سعيد وتقديرا لموقف شيعة العراق المشرف إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي قدم محافظ بور سعيد ميدالية ذهبية لسماحته، وقد نشرت جريدة الأهرام خبر هذه الرحلة في عددها الصادر بتاريخ 29 / 5 / 65.


 وبعد انتهاء المؤتمر قام الشيخ والوفد بتلبية الدعوات والمقابلات الصحفية والقيام بجولات تفقدية في أنحاء الجمهورية ومن بين الدعوات التي وجهت للوفد الدعوة المقدمة من شيخ الأزهر الشيخ حسن المأمون لتناول طعام العشاء في فندق سميراميس، والدعوة المقدمة من الشيخ أحمد حسن الباقوري مدير جامعة الأزهر آنذاك لتناول العشاء في مبنى جامعة الأزهر، والدعوة المقدمة من جمعية الشبان المسلمين بتناول طعام العشاء في مقر الجمعية، ومن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية،ومن نقابة المهن التعليمية، وبالإضافة إلى هذا وجه الرئيس عبد السلام عارف دعوة للشيخ كاشف الغطاء ومرافقيه لتناول العشاء معه في قصر عابدين .


وكان الرئيس جمال عبد الناصر ومعه الرئيس عبد السلام عارف قد استقبلا الشيخ كاشف الغطاء والوفد المرافق له .


كما تأنى زيارة سماحة الشيخ محمد جواد مغنية وهو أحد أعلام الشيعة في لبنان رأس المحكمة الجعفرية العليا فيها وله الكثير من الكتب والمصنفات الإسلامية والتي أصبح بعضها مراجع للإسلاميين في كل مكان (12).


قدم الشيخ مغنية إلى مصر لأول مرة عام 63 وكانت أول زيارة يقوم بها هي زيارة مرقد رأس الحسين ثم زار مرقد السيدة زينب والمسجد الأزهر وهناك دار حوار طريف بينه وبين إمام المسجد . عندما طلب منه الشيخ أن يعطيه صورة عن الأزهر . . ؟ قال الإمام : الكعبة واحدة الأزهر واحد . . فقال الشيخ : والله واحد . فأصبح لدينا أقانيم ثلاثة : الله والكعبة والأزهر . كما يقول النصارى . . ثم قال له : أتعرف شيئا عن الشيعة . . ؟
قال الإمام : هم زائغون .

قال الشيخ ومن أين عرفت أنهم زائغون . . ؟

قال : هكذا يقال .
فقال الشيخ : وأنا أقول : إنك زائغ . فهل تأخذ بقولي . . ؟ ففتح كفيه وقال إقرأ الفاتحة . فقرأتها معه . ومضى لسبيله .
وقد زار الشيخ جامعة الأزهر والقاهرة وعين شمس ودار الكتب ثم اجتمع بشيخ الأزهر آنذاك الشيخ محمود شلتوت ودار بينهما حوار حول الوحدة الإسلامية وفتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية .

وكان الشيخ مغنية قد التقى من قبل بالشيخ محمد أبو زهرة في دمشق عام 60 . كما التقى به الدكتور مصطفى محمود في بيروت عام 70 .

والجدير بالذكر هنا أن الشيخ مغنية هو أول من رد على محب الدين الخطيب في كتابه الذي أسماء الخطوط العريضة ونشره بمصر وكان من أوائل الكتب التي نشرت فيها ضد الشيعة . وقد وصلته الكثير من رسالات التهديد بسبب رده هذا .

قام السيد مرتضى الرضوي برحلتين إلى مصر . الأولى في فترة الخمسينات ما بين عام 57 وعام 58 . والثانية في منتصف السبعينات (13).


وفي كلا الرحلتين قام بدور ملحوظ في ميدان الفكر الإسلامي والوحدة الإسلامية ونشر الكثير من الكتب التي تدافع عن الشيعة . كما التقى بكثير من الرموز الإسلامية والثقافية وأجرى حوارات معها ثم دون هذه اللقاءات والحوارات في كتاب كبير طبع بمصر في منتصف السبعينات باسم : مع رجال الفكر في القاهرة . . ومن بين الرموز الإسلامية والثقافية التي التقى بها في مصر الأستاذ أمين الخولي والشيخ أحمد حسن الباقوري والأستاذ أبو الوفا المراغي والأستاذ خالد محمد خالد . والدكتور شوقي ضيف . والدكتور طه حسين .

والدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ والأستاذ عبد الكريم الخطيب . والأستاذ محمد زكي إبراهيم والأستاذ محمد قطب . والشيخ محمود أبو رية . والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد . والأستاذ محمود محمد شاكر . والشيخ محمد عبد المنعم خفاجي . والشيخ محمد محمود حجازي .والدكتور سليمان دنيا . والدكتور حامد حفني داود . والشيخ محمود شلتوت . والدكتور زكي نجيب محمود . والأستاذ عبد الحميد جودة السحار والشيخ محمد الغزالي .

يقول الرضوي : هؤلاء مجموعة من رجال الفكر المرموقين دارت معهم موضوعات شيقة تترجم آراءهم في قضايا الفكر الإسلامي . كما تدل على نظرتهم إلى هذه القضايا الأساسية في وحدة الكلمة وتراص الصفوف .


ومن بين الكتب التي قام بنشرها السيد الرضوي بمصر تفسير شبر ويقع في مجلد واحد وكتاب علي ومناوئوه . وكتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى . وكتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي وكتاب وسائل الشيعة ومستدركاتها وهو موسوعة فقيهة كبيرة . وكتاب أصل الشيعة وأصولها . وكتاب الوضوء في الكاتب والسنة والسجود على التربة الحسينية . . وقد حرص السيد الرضوي على استقطاب الرموز الإسلامية والثقافية في مصر . فكان لا يطبع كتابا في مصر إلا ويكون قد كتب مقدمته واحدا من هذه الرموز .


ولم يكن نشاط السيد الرضوي ينحصر في محيط الرموز الإسلامية والثقافية . وإنما تجاوز هذا الحد وأجرى اتصالات مع بعض المسئولين في محيط الثقافية وبعض الصحفيين . . وكان قد التقي مع مدير دار الكتب في عام 65 وقد إليه طلبا بأن تقوم الدار بإفراد جناح خاص الكتب والمصنفات الشيعة .


وسوف تقوم الهيئة العلمية في النجف الأشرف بالعراق بإهداء الدار جميع هذه الكتب وتم تفويض السيد الرضوي لتنفيذ هذا الأمر . . ويذكر أنه قد نشر في جريدة " المساء " في تلك الفترة خبرا تحت عنوان : قسم بدرا الكتب يضم كتب الشيعة (13).


وفى بداية السبعينات جاء الى مصر سماحة السيد طالب الرفاعى والذى درس على يد كبار العلماء في الحوزة العلمية واشترك في كثير من الفعاليات الحركية فكان احد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية اذاً كان لسماحة السيد الرفاعي عقلية سياسية تفوق أقرانه فضلاً عن مستواه العلمي الذي اقر به بعض العلماء من الطليعة المتقدمة في الحوزة العلمية .


ولم يكن إرساله الى مصر من قبل المرجعية محض صدفة بل هو إدراك منها على انه الرجل الاكفأ والمناسب ذو العقلية المنفتحة والعلمية الفذة فسافر الى مصر الكنانة حيث العلم والعلماء والشعر والشعراء والأدب الجم والثقافة الواسعة فالتقى بعلمائها وأدبائها ومثقفيها فكانت له بصمته هناك وشهد له المصريون بصولاته وجولاته الثقافية(14).


وخلال إقامته فى مصر التقى الزعيم الراحل جمال عبد الناس وهو من أم الصلاة فى جنازة شاة إيران وكانت له علاقة بجمعية " أل البيت" السيد طالب الرفاعي كان المعمم الوحيد تقريبا بمصر في تلك الفترة وقد أقام بها وتزوج منها وحدث صدام بينه وبين المصريين القائمين على الجمعية . والجدير بالذكر أنه هو الشخصية الشيعية التي صلت على الشاه حين أقيمت له مراسيم الدفن في مصر فى 1980.


إرسال تعليق

0 تعليقات