علي الأصولي
قال في المتن:
النحو الثاني: إن الطلب يرجع إلى غير الطلب، وهو
ما أستقر به المحقق النائيني - قدس سره - على ما يظهر للسيد الأستاذ من تقرير بحثه
، والظاهر أنه في - أجود التقريرات - فإنه بعد أن ذكر إن كلمة أمر لها معنيان:
الطلب والواقعة المهمة، قال: إن الطلب إنما يستعلم به كلمة الأمر باعتبار أنه
مصداق الواقعة والحادثة، فإنه واقعة من وقائع العالم، وأجاب السيد الأستاذ عليه
بأمرين:
الأمر الأول: إن الطلب لو
أطلق عليه الأمر بلحاظ الواقعة لما كان هناك بين الطلب من الغير - و هو الطلب
التشريعي - وبين الطلب التكويني جزما - كطلب العلم أو المال - وكلمة الأمر تستعمل
في التشريع دون التكويني جزما، يقال: أمر زيد ولا يقال: أمر العلم، وهذا شاهد ان
هذا الاستعمال ليس باعتبار الواقعة، وإلا لصح استعماله فيه، لأنه مصداق للواقعة،
فيدل ذلك على ان الطلب التشريعي، لوحظ بما هو كذلك،
أقول: لا شك في إطلاق الأمر على الأمر التكويني
والتشريع معا، ومنه قوله تعالى - إنما أمرنا واحدة كلمح البصر - وقوله - إذا قضى
أمرا فإنما يقول له كن فيكون - على اعتبار
- ١ - ان الفرد يأمر نفسه في الإرادة التكوينية،
وأن كان هو محل تسامح بالأصل،
-
٢ - أو على اعتبار ان القدرة على إنجاز الفعل في
الغير تكوين والقدرة على إنجاز الفعل في الغير تكوين والقدرة على توجيه الغير
تشريع،
وأما قولنا : طلب العلم وطلب المال، فمجازي لأمرين:
- ١ - إنه ليس بالمباشرة في حين إن الطلب التكويني
مباشرة،
- ٢ - إنه يعود إلى الطلب التشريعي من المعلم أن
يعلم، ومن التاجر أن يبيع، وإلا فإن الأمر التكويني يتعلق بخصوص الأفعال
الاختيارية المباشرة،
أقول ( بعد عرض ما أفاد المحقق الأصفهاني ومناقشته
وصلت النوبة لعرض مختار المحقق النائيني على ما جاء في تقريرات بحثه بقلم المحقق
الخوئي، في خصوص معنى الأمر، إذ قال النائيني برواية الخوئي ما نصه - ان لفظ الأمر
موضوع لمعنى واحد وهو الواقعة التي لها أهمية في الجملة، وهذا المعنى قد ينطبق على
الحادثة وقد ينطبق على الشأن وقد ينطبق على الغرض : إلى أن قال : بل يمكن أن يقال،
أن الأمر بمعنى الطلب أيضا من مصاديق هذا المعنى الواحد، فإنه أيضا من الأمور التي
لها أهمية، فلا يكون للفظ الأمر إلا معنى واحد تندرج فيه كل المعاني المذكورة –
انتهى
إذن: على بيان المحقق النائيني هو يرى أن كل
المصاديق التي ذكرها الأصوليون عن معنى لفظ الأمر من قبيل الحادثة أو الشأن
والطلب، ترجع الى معنى واحد وهو الواقعة التي لها أهمية،
وقد مر بنا الكلام حول مناقشة الأهمية وقلنا هناك
لا مشكلة وتوصيف الأمر بالمهم وغير المهم، ولكن أن تقول ان معنى الأمر الواقعة
التي لها أهمية لكان التوصيف بالمهم في غير محله، لاندراج الأهمية تحت معنى الأمر
ولكان التوصيف بغير المهم لا معقولية له، لأن الذات لا يمكن أن تنعت بذاتياتها،
فلو كانت الأهمية من ذاتيات الأمر فلا يتصور فيها انسلاخ الأمر عن الأهمية، ومع
انحفاظها لا مجال بعد للاتصاف باللا أهمية،
وقد أجاب عن دعوى النائيني السيد محمد باقر الصدر،
بما حاصله:
أن الطلب بعد أن نحلظ كونه واقعة كما أراد المحقق
النائيني، تكوينا وتشريعا، لتصورنا استعمال أمر زيد لا أمر العلم،
بعبارة أخرى: أن المحقق النائيني ارجع غير الطلب
للطلب، والطلب يقسم إلى طلب تشريعي كالطلب الصلاة وتكويني كطلب العلم أو التجارة،
وبما أن الواقعة عند المحقق تعني الأمر فهنا يقال: أمر المولى، تشريعا ولا يمكن أن
يقال : أمر العلم تكوينا، إذن الأمر وحسب جواب الشهيد الصدر الأول تستعمل في الأمر
التشريعي دون التكويني جزما، وهذا المورد التكويني شاهد على عدم الاستعمال ومنه
تعرف نقض الكبرى إذ أن الكلية تنقض بمورد واحد كما قرر في محله،
إلا أن الماتن: خالف أستاذه في النقض على المحقق
النائيني، بقول :
لا أشك في إطلاق الأمر على الأمر التكويني
والتشريعي معا،
نقضا: بالآيات القرآنية، إنما أمرنا واحد كلمح
البصر، ونحو ذلك من الآيات الأخرى،
وحلا باعتبار، أن الفرد يأمر نفسه في طلب الماء
مثلا أو العلم حسب الإرادة التكوينية وهذا الأمر هو أمر تسامحي بالأصل،
وكذلك، أن القدرة على إنجاز الفعل عن طريق حركة
اليد مثلا برفع الشيء مثلا تكوين والقدرة على أمر الغير تشريع، وقولنا: طلب العلم
وطلب المال، فهو من المجاز وأن كان قريب من الحقيقة، بلحاظ عدم المباشرة، في حين
أن الطلب التكويني مباشر،
أضف إلى أن طلب العلم من المعلم وطلب التاجر أن
يبيع، مرجعه تشريعي، وإلا فالأصل أن الأمر التكويني متعلق بخصوص الفعل أو الأفعال الإرادية
المباشرة )
قال في المتن:
الأمر الثاني: إن الطلب إذا لوحظ بما هو طلب، تعدى
إلى متعلقه بالباء، كقولنا: الطلب بالصلاة، وأما إذا لوحظ بما هو واقعة تعدى بنفسه،
كقولنا: فعل الصلاة، ومن الواضح أن الأمر ينسب إلى متعلقه بالباء كالطلب، يقال:
فعله وأمر به، وهذا كاشف عن الأمر استعمل بمعنى الطلب، بما هو لا بما هو واقعة،
وإلا لكان معنى قولنا: الأمر بالصلاة يعني الواقعة بالصلاة، وهذا مما لا محصل له،
وفيه: أولا: أنه قال، الطلب يتعدى بالباء، في
قولنا: الطلب المتعلق بالصلاة ، وهذا واضح الفساد لاستعمالنا كلمة زائدة،
ثانيا: قوله: وأما إذا لوحظ بما هو واقعة تعدى
بنفسه، فيقال: فعل الصلاة، ولم يقل: طلب الصلاة، اي تكوينا ولا ضير فيه، يعني أراد
إنجاز الصلاة وإيجادها،
ثالثا: قوله: لكان قولنا: الأمر بالصلاة وهو لا
محصل له،
وهذا لا يتم :
- ١ - أن المحقق النائيني ادعى أنه مصداق للواقعة
لا مفهوم لها،
- ٢ - إن أراد السيد الاستاذ الأمر التكويني صخ،
لأن لا معنى الأمر بالصلاة المتعلق بها، ولو أراد الطلب التشريعي، لكان في ذيل
كلامه إشكال آخر، باعتبار عدم المحصل، لقوله: الواقعة بالصلاة ، لا إن الأمر يحتاج
إلى استعمال الباء أو لا يحتاج،
أقول ( الأمر الثاني هو مناقشة السيد الصدر الأول
على ما أفاده المحقق النائيني في موضوعة أن غير الطلب يرجع الطلب وجامعها الواقعة،
فالأمر يكون هو الواقعة، وبعد أن أورد عليه الأمر الأول - والذي رده الماتن على
أستاذه - وصلت النوبة للأمر الثاني،
مرة نلحظ الطلب بما هو هو ، أي بما هو طلب، فلا
مناص وأن يتعدى إلى متعلق نفس الطلب - بالباء - كقولنا: الطلب بالصلاة الطلب
بالصوم، وما إذا نلحظ الطلب لا بما هو طلب بل بما هو واقعة، فلا نحتاج إلى - الباء
- للتعدي إلى متعلقه، بل يكون بنفسه متعديا، كقولنا: فعل الصلاة فعل الصوم، لأن
الواقعة فعل، ومن الوضوح أن الأمر ينسب إلى متعلقة - بالباء - كالطلب، و منه تعرف
أن الأمر هنا يستعمل للطلب، أو بمعنى الطلب، بما هو ، لا بما هو واقعة، أي باللحاظ
الأول لا باللحاظ الثاني، لأن عبارة - الأمر بالصلاة - لا معنى لها اذا قلنا يعني
الواقعة بالصلاة، وكما ترى هذا المعنى لا محصل له - على ما أفاد السيد الشهيد
الصدر الأول،
و هذه المناقشة: رد عليها الماتن بما حاصله:
أن قولك، الطلب يتعدى - بالباء - واضح الفساد، فلا
نتصور قول: الطلب المتعلق بالصلاة، وفساده لمكان ووجود كلمة زائدة لا معنى لها،
هذا أولا:
ثانيا: اذا كنا نحن وللحاظ الواقعة المتعدية
بنفسها كقولنا: فعل الصلاة، لا طلب الصلاة، فلا ضير في المقام، لان قولنا فعل
الصلاة يعني إرادة إنجازها وإيجادها خارجا،
ثالثا: ودعوى عدم التحصيل في قول لا محصل له،
في مثال: قولنا: الأمر بالصلاة، لا معنى له، لأن
المحقق النائيني غاية ادعاءه ان الطلب مصداق للواقعة لا نفس الواقعة،
فرضان في معنى قول السيد الصدر الأول، أولهما :
إرادة المعنى التكويني، فإن أراده صح الكلام وتم، لأن لا معنى الأمر بالصلاة
المتعلق بها، ولو أراد الطلب التشريعي، لكان ذيل كلامه إشكال آخر، باعتبار عدم
المحصل، لقوله: الواقعة بالصلاة ، لا إن الأمر يحتاج إلى استعمال الباء أو لا
يحتاج )
قال في المتن:
النحو الثالث: دعوى تصور جامع بين الطلب والواقعة،
فيكون كل منهما مصداق له، ويكون موضوعا بوضع واحد، من قبيل المشترك المعنوي،
ولم ينسب السيد الأستاذ هذا القول إلى احد، ولم
يذكر ما هو هذا الجامع المقترح، وهذا يكفي في فساد وجه،
وبذلك يمكن أن نجيب عليه بمستويات أربعة مجتمعة:
المستوى الأول: ما أشرنا إليه الآن من عدم بيان
الجامع، لأننا لا نتصور جامعا غير متصور لا عقلا ولا عرفا، بحيث لم يستطع حتى
التعبير عنه، وإنما أفترضه افتراضا فقط،
المستوى الثاني: أن الجامع العقلي وحده لا يكفي بل
يحتاج إلى جامع ملتفت إليه عرفا،
المستوى الثالث: ما أجاب عليه السيد الأستاذ نفسه
على هذا النحو الثالث: أنه أن أريد جامع يكون أوسع انطباقا من الطلب والواقعة، من
قبيل مفهوم الشيء،
فيرد عليه: أنه من الواضح أن كلمة الأمر ليست أوسع
نطباقا من هذين المعنيين، فكيف يدعي وضعها لهذا الجامع،
وأن ادعى وضعها لجامع مساوي للطلب والواقعة، فمن
المعلوم أن نفس الواقعة صادقة على الطلب، فيرجع إلى الاحتمال السابق وقد ناقشناه،
أقول: يمكن اختيار كلا هذين الشقين وتقديم الجواب،
بغض النظر عن إشكالاتنا السابقة، فإن اخترنا الشق الأول أمكن جوابه بأكثر من وجه،
أولا: أنه لا محذور لدى المشهور ان يكون الأمر
بمعنى الشيء فعلا،
ثانيا: قوله: إن كلمة الأمر ليست أوسع انطباقا من
هذين المعنيين، أن رجع إلى ما قلناه من عدم تصور جامع عقلي وعرفي فهو، وإلا كان
مدعى عهدته على مدعيه، لأنه مع التنزل عما قلناه، يمكن أن نطرح أطروحة السعة كما
قال المدعي،
ثالثا: أن السيد الأستاذ سلم ان معنى مفرد أمور هو
الواقعة، مع ان هذا التسليم في غير محله، فإنه وأن كان على القاعدة، إلا أنه يصلح
جوابا من توقف هذا الوجه على ذلك، فإن لم نسلم به لم يتم،
وأما الشق الثاني: فيمكن اختياره بعد التنزل عما
قلناه من تعذر الجامع العقلي والعرفي، فيصبح الجامع المساوي متصورا، بحيث يكون
شاملا للواقعة والطلب، لا أنه خاص بمفهوم الواقعة ليرد عليه أشكال اندراجه في
الإشكال السابق،
أقول ( وهذا النحو طرح بعد دعوى الجامعية بين
الواقعة والطلب، فيكون كل ذلك مبني على الاشتراك المعنوي،
طبعا دعوى تصور الجامعية ذكرها المحقق النائيني بناء على مبنى الاشتراك المعنوي، بين الكل كالشيء والشأن والغرض والفعل والطلب وغير ذلك، بعد اعترافه بإن تعيين جامع صعب المنال، وحاول تلميذه المحقق البنجوردي تقريب جامع للكل غير أنه تكلف كثيرا في تقريبه،
وما يهمنا هو ما ذكر من دعوى تصور الجامع بين
الطلب والواقعة، لا بين الكل كما هو مختار المحقق النائيني،
و هذه الدعوى وأنفلت إلا أنها لم تنسب لأحد ولم
يذكر جامعها المفروض والمفترض،
ولذا قيل عنها عدم ذكر جامعها كاف بفسادها، ومع
ذلك حاول السيد الصدر ، أن يرد على هذه الدعوى بما حاصله:
أولا: عدم وجود
جامع لها، لأن المفروض ان يكون هناك جامعا عقليا أو عرفيا،
ثانيا: حتى لو تم افتراض
جامع عقلي فهذا الجامع لا تكتفي به ما لم يمكن يلتفت اله عرفيا،
ثالثا: أن أريد بالجامع الأوسع انطباقا من الطلب
والواقعة من قبيل مفهوم الشيء فهذا لا يمكن الالتزام به لأن لفظ الأمر ليست أوسع
انطباقا من الواقعة والطلب، فكيف ندعي الجامعية، وأن كانت الدعوى لجامع لا على نحو
الاوسعية بل مساوي للطلب والواقعة، فهذا كذلك فيه ما فيه، لأن الواقعة نفس الطلب
وصادقة عليه، وهذا مناقش سابقا،
الماتن: بعد أن نقل كلام أستاذه،
قال: يمكن أنختار أي شق من هذين الشقين ويمكن
تقديم الإجابة عليه بصرف النظر عن ما أراه انا شخصيا، الإشكالات التي أثرتها في
غير هذا المقام،
مثلا لنأخذ الشق الأول:
ونقول لا محذور أن يكون الأمر بمعنى الشيء كما
ارتى مشهور علماء الأصول،
وقول : أن كلمة الأمر ليست أوسع انطباقا من من
هذين المعنيين - الواقعة والطلب - ان رجعت إلى عدم الجامع فالكلام تام، وأما إذا
كان الإشكال ليس لعدم وجود جامع فعهدته على مدعيه، إذ يفترض أن يقدم المدعي دليله
على دعوى عدم اوسعية الانطباق،
بل يمكن أن نجد أطروحة لدعوى الاوسعية، بعد غض
النظر عما قلناه، وهنا ان الأستاذ سلم بما سلم به المشهور وكون ان
معنى مفرد أمور هو الواقعة وهذا غريب لأنه خلاف مبناه وما
ذكره هناك،
وكيفما كان: أن تعذر الجامع العقلي والعرفي، فيكون
لنا صحة التصور بالجامع المساوي، إذ لا خيار أما هذا الجامع أو ذاك، وبما ان ذاك -
العقلي والعرفي - متعذر فلا مناص والالتزام بهذا الجامع - والكلام في المقام هو
بعد التنزل عن كل الإشكالات السابقة التي أثارها الماتن - وإلا الماتن لا يلتزم
بهذه المخرجات بل ذكرها هنا كمناقشات عامة ).
فقه أصول المنهج (6)
0 تعليقات