بقلم / محمود جابر
المحور الثالث: المستقبل
والشيعة فى مصر
لما كان الشيعة الإمامية
يشكلون أقلّية بدون أى حقوق في مصر، وهم محرومون من التعبير عن معتقداتهم الدينية،
وممنوعون من إقامة مؤسسات دينية أو اجتماعية خاصة بهم، فضلا عن منعهم من إقامة أحزاب
ومنظمات سياسية أو حتى اجتماعية، كما أنهم يتعرضون للتضييق الأمني والاعتقال
باستمرار ثم يطلق سراحهم بحجة عدم ثبوت الأدلة أو ضعفها.
والنظام في مصر برئاسة حسني
مبارك ينظر إليهم في الغالب، نظرة اتهام في ولائهم، وقد ظهرت هذه الاتهامات الى
العلن أكثر من مرة كان آخرها تصريحات مبارك بشأن ولاء الشيعة العرب عموما إلى إيران
وليس الى أوطانهم رغم أنهم مواطنون عرب منصهرون في المجتمع العربي منذ بدايات الإسلام.
وعليه ففي أوائل العام 2004
تقدم بعض الشيعة منهم كاتب السطور، وعلى رأسهم الدكتور أحمد راسم النفيس، بطلب إلى
وزير الداخلية للاعتراف بالشيعة كطائفة دينية رسمية بموجب القانون، إلا أن الوزارة
لم تقم بالرد على الطلب حتى الآن.
وكان الدافع وراء طلب
الاعتراف المقدم للداخلية هو وقف نزيف التضيق والاعتقال فى حق الشيعة، وفقا لقانون
الأقليات رقم 15 لسنة 1927. وفي حالة تجاهل أي جماعة دينية لعملية التسجيل الرسمية
على هذا النحو، فإن أعضاءها يكونون عرضة للاعتقال، وقد يواجهون حكماً بالسجن،
وفقاً للمادة 98 (و) من قانون العقوبات.
أما شعبياً، فتلعب التصورات
السائدة عن معتقدات الشيعة، والتى تقف ورائها جماعات الوهابية المصرية بكل قوة من
خلال منابر المساجد وبعض الدوريات وكذلك من خلال القنوات الإعلامية، التى استطاعت أن
تثبت لدى رجل الشارع المصرى على اختلاف منابعهم الفكرية والاجتماعية أن الشيعة
يتعبدون إلى الله بسب أبي بكر وعمر بن الخطاب، ويكفرون كل الصحابة ويؤمنون بتحريف
القرآن ويتهمون أم المؤمنين عائشة بالزنا – حاشا لله - ويؤمنون بعصمة أئمتهم،
وبالتقيَّة، وقيامهم ببعض الطقوس في يوم عاشوراء.
الوضع الديمغرافي/الديني
ليس من السهل معرفة العدد
الدقيق للشيعة في مصر، إلا أن تقرير "الحرية الدينية في العالم"، الصادر
عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، يذكر أن المسلمين الشيعة أقل من1% من
إجمالي عدد السكان، الذي يقارب 74 مليون نسمة وقتها، أن عدد الشيعة في مصر يبلغ
مليون ونصف مليون، أما المصادر غير الرسمية فلا تزيد عددهم عن عدة آلاف.
وإذا ما أضفنا إلى هذا
الرقم التقريبي تعداد الأشراف فى مصر الذى يبلغ نحو نحو ستة ملايين، أربعة ملايين
منهم يقطنون الصعيد، وهم يمثلون احتياطي استراتيجي للتشيع فى مصر.
وهناك عدد من المدن المصرية
ينتشر فيها الشيعة المصريين بشكل واضح،منها على وجه التمييز القاهرة والجيزة فى
العديد من أحياء القاهرة والجيزة، كما يوجد وجودا ظاهرا للشيعة فى الإسكندرية،
وبعض مراكز كفر الشيخ، وبالبحيرة، تجد العديد من الشيعة فى "كوم حمادة"
، وكذلك النوبارية ودمنهور نفسها، وفى مركز أبوحمص، وجمعية "الأنوار
الربانية"، التي نشرت بعض المطبوعات منها: مختصر العقيدة الإمامية، المأتم
الحسيني مشروعيته وأسراره.
وفى الغربية، نجد وجودا
كبيرا للشيعة فى طنطا، وفي قرية "الراجدية"، التي تبعد
وكذلك محافظة الدقهلية سوا
فى مركز المحافظة، او فى القرى المحيطة منها قرية "العصافرة"
و"طناح" التي توجد بها 7 أضرحة، ظهر التشيع في التسعينيات على يد شيخ
الطريقة الدندراوية "أبوالفضل الدندراوي" الذي قدم من قنا، فيما
انتشرالمذهب ببطء في قرية "ميت زنقر"، وفى قرية "دنديط"،
بمركز ميت غمروظهروا في قرية "الأمير عبدالله بن سلام"، مركز تمي
الأمديد.
وفي الشرقية، مسقط كاتب هذه
السطور والذى شهدت إطلالاته الإعلامية دويا إعلاميا وفكريا كبير وأشهر هذه المعارك
مناظراته مع عدنان العرعور عبر قناة صفا الفضائية، وكذلك خصوصية الكاتب أحد مؤسسي
حزب التحرير والأمين العام للحزب " تحت التأسيس"، كما أن مدينة الزقازيق
شهدت أوائل المجموعات الشيعية فى مصر وكذلك "أبوحماد" و " بلبيس"
و"ديرب نجم" و" أبو كبير" و" فاقوس" .
وبالإسماعيلية التي خرج منها مؤسس
جماعة الإخوان نجد انتشار التشيع فى العديد من مراكز وقرى الإسماعيلية .
وفي الصعيد، يعتمد الشيعة
المصريون على السرية التامة تنفيذا لمبدأ التقية، واستغلال التركيبة القبلية، التي
تنتمي للأشراف وآل البيت، مثل الجعافرة الموجودين في قنا وإسنا، والأقصر الموجود
بها قبر الأمير "حمد" الجد الأكبر لهم، والعبابدة الموجودين في
"قفط"، و"قوص"، والقبائل الهاشمية الأخرى مثل "جهينة،
فزارة، وهوارة وعبس المطاعنة والحجازية"، وعن طريق "الساحات" التي
تعقد فيها "الحضرة" يروج للتشيع مثل "ساحة النبي الأعظم" في
قرية "الكالوج" بأسوان، أو ساحات "الدندراوية".
وظهرت "العصبة
الهاشمية" في قرية "كلح المفالسة" بأسوان، وإقامة 12 احتفالاً
بمولد النبي، بقرية "الكاجوج" للاحتفال بالاثنى عشر إماماً لدى الشيعة،
كما توجد طريقة "الأحفاد النورانية" بإدفو، التي تتشابه عقائدها مع
الشيعة الاثنى عشرية.
وعلى الرغم من وجود- بحسب
تقرير وزارة الخارجية الأمريكية المذكور سابقاً - نحو 74500 مسجد قائم بذاته،
و18000 مسجد ملحق بمبان خاصة، وكلها مساجد سنية. مما يؤكد الكبت الديني الذي يحيط
بالشيعة في مصر.
وتوجد في مصر عدة مقامات وأضرحة ومشاهد لآل
البيت، تشرف عليها وتديرها الدولة، وهي إن كانت مقدسة لدى الشيعة، فإنها تعد
مزارات للمصريين أجمعهم، مثل ضريح الحسين بن علي قرب الجامع الأزهر ، وضريح السيدة
زينب بنت علي (وهي نفسها التي يوجد لها مقام جنوبي العاصمة السورية، دمشق)، وضريح
السيدة سكينة بنت الحسين، وضريح السيدة نفيسة بنت الحسن، ومقام الإمام علي زين
العابدين بن الحسين، وغيرها.
ويذكر تقرير "الملل
والنحل والأعراق"، الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عام
2005، أنه مع تحسن العلاقات المصرية - الإيرانية في التسعينيات، طرحت بقوة على
بساط البحث فكرة استجلاب السياح الإيرانيين والشيعة للقيام برحلات سياحية في مصر،
وزيارة أضرحة آل البيت.
وبدأت وزارة السياحة
المصرية بحث الأمر، بيد أن مخاوف أمنية أجهضت الفكرة، وهو الأمر الذى ما يزال
يتكرر حتى الآن بعد قيام الثورة المصرية مع ما حدث من تغير فى السلطة السياسية .
حزب التحرير وملامح الأزمة
:
يعتبر حزب التحرير"
حركة تحرير مصر"، تحت التأسيس، الذى أعلن عنه الدكتور أحمد راسم النفيس
ومحمود جابر والطاهر الهاشمى وعدد من القيادات الشيعية فى مصر، هو ما يوضح ملامح الأزمة
فى مصر وفى المنطقة، فمنذ الإعلان عن تأسيس الحزب ولم تتوقف حملات التشهير
والتشوية للحزب ولا للقائمين علي تأسيسه(25)، تجلى هذا الموقف فى تعامل لجنة شئون الأحزاب
مع الحزب، وكانت الحالة الأولى من نوعها بعد الثورة التى رفض فيها حزبا سياسيا، من
اللجنة سالفة الذكر، ومن محكمة مجلس الدولة، أضف الى ذلك وجود " النفيس"
و"جابر" على رأس قوائم الاغتيالات التى نشرتها الصحف المصرية، ووصف اسم
" جابر" بوصفه أمين عام حزب التحرير الشيعى(26)، ولعل ما يوضح موقف
السلطة فى التعامل مع الملف الشيعى، هو ما نشرته بعض الصحف المصرية وغيرها من أن
تطور العلاقات المصرية الإيرانية أصبح مرهونا بعد دعم إيران للشيعة المصريين وهو
ما تم تسريبه فى بعض اللقاءات التى عقدها الرئيس الايرانى احمد نجاد أثناء حضوره
قمة مؤتمر مجلس التعاون الاسلامى فى مصر(27).
وختاما:
الحالة المصرية بشكلها الحالي
وقما كانت جماعة الإخوان المسلمين تتصدر المشهد السياسي الحاكم وتحالفهم مع أغلبية
الجماعات والأحزاب السلفية، ووقوع مجموعة من الأحداث الطائفية والعنف الطائفي فى
مواجهة المسيحيين المصريين، والشيعة والمتصوفة، وحالة الاستقطاب السلفى الشيع
للمجتمع المصرى، كل هذا يجعل المشهد المصرى أكثر تغيرا من ذى قبل، فقد ارجع العديد
من المتابعين تناقص أعداد المسيحيين، ورغبتهم فى الهجرة خارج مصر، هذا فى الوقت
الذى تزداد فيه الحوارات السنية الشيعية مما يجعل المشهد الصوفى والعديد من
الاشراف يلحقون بانتمائهم التاريخى، وبالتالى سوف يزداد نسب المتشيعين فى الفترة
القادمة ويمكننا ان نرصد ذلك من خلال مشهد العقود الأربعة الماضية فقد ازداد عدد
المتشيعين أضعافا كثيرة وأصبح وجود الشيعة يغطى اغلب محافظات مصر، وهذا ما يجعل
الشيعة المصريين يشكلون الأغلبية الأولى فى السنوات القليلة الماضية وهذا يطرح
استحقاقات كثيرة على مستوى العمل السياسي والاجتماعي والثقافي المصري بشكل يصعب
معه تنبأ شكل هذا القادم الجديد .
مراجع ومصادر البحث :
التشيع الممنوع واستراتيجية المنطقة (3)
0 تعليقات