هكذا عرض ترامب المنصب على بولتون
في تلك الفترة، هاجمت فرقة اغتيالات روسية الجاسوس
الروسي السابق، سيرجي سكريبال، وابنته في مدينة سالزبوري الإنجليزية. وطردت رئيسة
الوزراء تيريزا ماي ثلاثة وعشرين من عملاء المخابرات الروسية السريين.
رغم مكالمته مع بوتين، التي هنأه فيها على إعادة
انتخابه، طرد ترامب، فيما بعد، أكثر من 60 «دبلوماسيًّا» روسيًّا لإظهار التضامن
مع لندن. وفي يوم الأربعاء، 21 مارس (آذار) 2018، تلقّى بولتون اتصالًا من ترامب
قال فيه: «لدي وظيفة لك ربما تكون أقوى وظيفة في البيت الأبيض»، وعندما بدأ في
الإجابة، أضاف ترامب: «لا، أفضل حقًّا من رئيس الأركان»، وانتهت المكالمة بالاتفاق
على لقائه مع ترامب في المكتب البيضاوي في اليوم التالي. وتحدثا فيه عن إيران
وكوريا الشمالية.
لاحقًا، غرَّد ترامب قائلًا: «يسرني أن أعلن أنه
ابتداءً من 4/9/2018، سيكون جون بولتون مستشارًا جديدًا للأمن القومي».
ما دوافع بولتون لقبول هذه الوظيفة؟
يجيب بولتون في كتابه: «لأن أمريكا واجهت بيئة
دولية خطيرة للغاية، واعتقدت أنني أعرف ما يجب فعله. كان لدي وجهات نظر قوية حول
مجموعة واسعة من القضايا».
وماذا عن ترامب؟ يجيب بولتون: «لا يمكن لأحد أن
يدعي في هذه المرحلة أنه لا يعرف حجم المخاطر الموجودة، لكنني اعتقدتُ أيضًا أنه
يمكنني التعامل معها».
ويضيف: لقد راقبتُ ترامب عن كثب خلال ما يقرب من
15 شهرًا في منصبه، ولم يكن لدي أي أوهام بأنني أستطيع تغييره، وعقدت العزم على
إجراء عملية منضبطة وشاملة، لكنني سأحكم على أدائي من خلال كيفية تشكيل السياسة
بالفعل، وليس من خلال المقارنة بأدائي مع إدارات سابقة.
2. ابكِ على الخراب.. وأطلِق كلاب الحرب!
استهل الفصل الثاني من كتاب بولتون الجديد
باستعادة مشهد استخدام الجيش السوري الأسلحة الكيميائية في الهجوم على مدينة دومة
ومناطق أخرى قريبة منها، الأمر الذي أسفر عن عشرات القتلى ومئات الجرحى، فما كان
من الولايات المتحدة الأمريكية إلا أن ردت بحزم من خلال إطلاق 59 صاروخ كروز على
المواقع المشتبه بها.
لم تتعلم الديكتاتورية السورية الدرس، وأخفق الردع
الأمريكي، وبات الشاغل هو كيفية الرد كما ينبغي، حسبما ذكر بولتون في كتابه،
لافتًا إلى تغريدة الرئيس ترامب، التي ندد فيها بمقتل الأبرياء من جراء الهجوم
الكيماوي الذي عزل المنطقة عن العالم بأسره، معتبرًا بوتين، وروسيا، وإيران
مسؤولين عن هذه الفظائع لدعمهم الأسد «الحيوان».
الخطر الأكبر في نظر بولتون: إيران
يشير المؤلف إلى أن اقتراح جاك كين، نائب رئيس
هيئة الأركان في الجيش الأمريكي سابقًا، لقي استحسانًا لدى ترامب عندما شاهده على
قناة «فوكس نيوز»؛ واقترح كين تدمير المطارات الحربية الأساسية الخمسة في سوريا،
مما سيترتب عليه هزيمة قوات الأسد. في ذلك اليوم، أبدت فرنسا وبريطانيا دعمهما
للهجوم العسكري بقيادة الولايات المتحدة.
إلا أن ما يجري في سوريا، أيًّا كان من يحكمها، ما
كان ليلهي الولايات المتحدة عن الخطر الحقيقي – في رأي بولتون – وهو إيران.
العقبة الحقيقية وفقًا لـ«ماتيس»: روسيا
على الجانب الآخر، كان وزير الدفاع الأمريكي، جيم
ماتيس، يرى أن روسيا هي العقبة الحقيقية، وعزا ذلك إلى اتفاق أوباما غير الحكيم مع
بوتين في 2014 بشأن الإجهاز على قدرة سوريا في مجال الأسلحة الكيماوية، وهو ما لم
يحدث بوضوح.
وينبه بولتون في كتابه إلى أن إدارة ترامب لم تتخذ
قرارًا نهائيًّا بشأن الانسحاب الأمريكي من سوريا، بيدَ أنها رأت أنه من الضروري
كبح لجام إيران في حال الانسحاب الأمريكي، وهو ما ناقشه مع نظيره البريطاني، مارك
سدويل، في أولى مكالماته مع مسؤول خارجي، وفوجئ حينها سدويل بنية الانسحاب التي لم
يعلم عنها من قبل.
ويصف بولتون كيف اتصل ماكرون هاتفيًّا بترامب وحثه
على اتخاذ إجراء فوري، وهدد أن فرنسا ستتصرف بمفردها في حال التأجيل من جانب
الولايات المتحدة. رغم أن تهديده كان استعراضيًّا في رأي بولتون، كان ماكرون
محقًّا، بشأن اتخاذ إجراء فوري وحاسم، لإنه كلما كان القصاص أسرع، باتت الرسالة
أكثر وضوحًا للأسد وغيره.
أردوغان يتملَّص من التورط في الهجوم الأمريكي..
و«يحاضر» ترامب وبولتون
أثناء إطلاع ترامب على المستجدات قبل اتصاله
الهاتفي مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد بولتون له أنهم توصلوا إلى الصيغة
المناسبة وهي:
أولًا: هجوم ثلاثي (الولايات المتحدة– فرنسا–
بريطانيا)، وليس هجومًا أحاديًّا من جانب الولايات المتحدة فحسب. ثانيًا: تبني نهج
شامل باستخدام كافة الوسائل السياسية والاقتصادية وكذلك العسكرية، مصحوبًا بتفسير
بشأن هذا الإجراء وسببه. ثالثًا: بذل جهد مستدام. وبدا ترامب مقتنعًا بهذه الصيغة.
أشار بولتون إلى انزعاجه من أردوغان في المكالمة
التي جرت لاحقًا في ذلك اليوم، وشبَّه قوة صوته ونبرته في المكالمة بحديث موسوليني
من الشرفة أمام الجماهير، وبدا وكأنه يلقي محاضرة على مسامعهم. تملَّص أردوغان من
أي التزام بشأن الانضمام إلى مخططات الهجوم الأمريكي، وقال إنه سيتحدث إلى بوتين
عاجلًا، بحسب بولتون. وفي اليوم التالي، تلقى بولتون اتصالًا من نظيره التركي،
إبراهيم كالين، لإبلاغه بشأن ما دار بين أردوغان وبوتين، وأن الأخير أكد رغبته في
عدم التورط في مواجهة مع الولايات المتحدة بخصوص سوريا، وأنه يجدر بالجميع التصرف
بعقلانية.
هل نجحنا في ردع الأسد؟
شنَّت الولايات المتحدة هجومًا في السابع من أبريل
(نيسان) 2017، اقتصر على المنشآت السورية التي احتوت على الأسلحة الكيماوية، بما
في ذلك المقار الرئيسية والطائرات وجميع الأهداف ذات الصلة، لكنه لم يشكِّل
تهديدًا جوهريًّا للنظام السوري نفسه، ما جعل الأسد وروسيا وإيران يتنفسون الصعداء.
وبعد مرور نحو سنة على ذلك الهجوم، وافق ترامب على
شن هجوم على نظام الأسد، بالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا هذه المرة، ولم تتمكن
الدفاعات السورية من اعتراض صواريخ كروز الأمريكية.
ويتساءل المؤلف في نهاية الفصل: هل نجحنا في ردع
الأسد؟ وأجاب: «لا، لم نفعل، لأن الأسد شرع في استخدام الأسلحة الكيماوية مجددًا
ضد المدنيين في مايو (أيار) 2019».
0 تعليقات