آخر الأخبار

قاعدة الرشد في خلافهم ((الحلقة الثانية)





قاعدة الرشد في خلافهم 

 

نظرة في المساحة ودائرة الاحتجاج

دراسة نقدية

(الحلقة الثانية)

 

 

بقلم / علي جميل الموزاني

 

 

 

الانطلاقة الأولى لهذه القاعدة 

 

فالكلام إذن ينحصر في بيان مقولة الرشد في خلافهم ومواطن استعمالها, وقد أخذت هذه المقولة من نصوص الروايات التي اشارت الى بيان الوظيفة العملية للكلف عند اختلاف الأحكام وتضارب الروايات في ذلك , وهي متخذة من لسان النصوص الروائية ومنها:

 

 

أولاً: ما ذكره الشيخ الكليني في مقدمة كتاب الكافي في بيان موارد التعامل مع النصوص المتعارضة الى أن قال (أنه لا يسع أحداً تمييز شيء مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه، إلا على ما أطلقه العالم بقوله عليه السلام... دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم)(1).

 

 

ثانياً: ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة، قال: (سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما... إلى أن قال: فان كان الخبران عنكم مشهورين، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك، إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة، والاخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: يُنظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم، فيترك ويؤخذ بالأخر، قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)(2).

 

 

ثالثاً: وما جاء في رسالة سعيد بن هبة الله الراوندي التي ألفها في أحوال أحاديث أصحابنا وإثبات صحتها جاء فيها عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: (قال الصادق (عليه السلام): إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبراهم فخذوه)(3), وغيرها من الروايات الذي ذكرها صاحب الوسائل تحت باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها.

 

 

وهنا لا أُريد البحث عن صحة تلك الروايات او الخدش في حجيتها كما يُستشف ذلك من السيد الخوئي رحمه الله الذي ناقش حتى في دلالة العبارة على ما يُراد إثباته حيث يعلق قائلاً (أن التعليل المذكور لم يُوجد في رواية. وإنما هو في عبارة الكافي التي نقلناها سابقا. نعم وقع في المرفوعة ما يرادفه، وهو قوله عليه السلام: " فان الحق فيما خالفهم " ولكن قد عرفت ضعف سندها وعدم صحة الاعتماد عليها. وذُكر أيضا في المقبولة لفظ ففيه الرشاد، ولكنه ليس بعنوان التعليل، بل بعنوان الحكم حيث قال عليه السلام (ع): " ما خالف العامة ففيه الرشاد " أي يجب الاخذ به، فلا تعليل فيه حتى يؤخذ بعمومه. ولو سلم ظهوره في التعليل. فلا اشكال في أن الرشد في مخالفة العامة غالبي، حيث إنهم اعتمدوا كثيراً في استنباط الأحكام الشرعية على الاستحسانات والأقيسة، واستغنوا بذلك عن المراجعة إلى الأئمة (عليهم السلام) ووقعوا في مخالفة الأحكام الشرعية كثيرا)(4).

 

 

 

أو انكار حجيتها بالكامل كما فعله بعض المحققين الذي توصل الى عدم صحة سند تلك الروايات قائلاً (لم تصحّ أيّ رواية سنداً من روايات الأخذ بما (خالف العامّة)، حتى رواية الراوندي التي صحّحها السيد الصدر، مع أنّ عدد هذه الروايات قليلٌ للغاية، فلم أقبل بمعيار إلزامي في ترجيح الحديث يسمّى بمخالفة أهل السنّة إلا في نطاق ضيّق جداً، وفاقاً لبعض العلماء، كالمحقّق صاحب الكفاية القائل (على تقديرٍ) بالتخيير لا بالترجيح، وليس آخرهم السيد تقي القمّي)(5).

 

[يتبع]

 

هوامش:______

 

 

(1) الكافي, الشيخ الكليني, ج١, ص٨.

(2) وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج٢٧. ص١06, حديث1.

(3 ) وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج٢٧. ص١١٨, حديث29.

(4) مصباح الأصول, تقرير بحث الخوئي، للبهسودي, ج٣, ص٤٢1-422.

(5) إضاءات في الفكر والدين والاجتماع, حيدر حب الله, ج4, ص79.


إرسال تعليق

0 تعليقات