آخر الأخبار

الحدود ........ الجزء الرابع







 

حسين أحمد

 

 

 

 

عدالة العقاب !

 

"إن القانون الجنائي هو ضرورة حتمية ، عندما تختفي العدالة فإنه لا يوجد ما يمكن أن يعطي قيمة لحياة الأشخاص على الأرض" كانط ، عناصر ميتافيزيقية لفقه القانون ..

 

 

إن القيام بالعقوبات والحدود ، كما ذكرنا في أجزاء سابقة يهدف إلى صِناعة الاستقرار وشيوع الأمن والأمان في المُجتمع ، وبتعبير آخر حماية الحق العام ، ويستتبعه الخاص جزء من كُل.

 

وتهدف القوانين الجنائية إلى ردع الجريمة قبل حدوثها ، كذلك جعل المجرم عِبرة لمن يعتبر منه ، وإحقاق العدالة فكما ذكرنا سابقاً لا نعيش مدينة أفلاطون الفاضلة ..

 

لكن ، هل يصح أن نبقي التعريفات مُبهمة لكي نُتهم بالمغالطة!!

 

لا طبعاً ، ولنبدأ أولا من تعريف عام للعدل ، وهو كما يذكر الخواجة الطوسي في أخلاق ناصري "إعطاء كل ذي حق حقه".

 

وهذا يوصلنا إلى نتيجة قد تُعتبر بديهية بالمعنى الدارج ، أن لكل فعل رد فعل ، بالمعايير الكونية !

 

فتحقق العدالة عند المُجتمع من القاتل مثلاً يستلزم منهم إقامة الحد عليه ..

 

 

من الواضح أن المعايير الإنسانية ها هنا ستمثل نوعاً من العبودية والتملك فبأي وجه حق جَعل الإنسان سلب حياة القاتل أفضل من تأهيله أو أفضل من عقوبة أخرى؟

 

 

وإن قلنا بوجود حد آخر [بالمعايير الإنسانية] فهل تتناسب الجريمة والعِقاب ها هنا أم لا ؟

 

 

من ناحية المؤلهين تتلاشى مثل هذهِ الإشكاليات ، فهم يؤمنون بوجود إله عالم قادر حكيم وضع الأحكام وقنن القوانين وعالم بالمصالح والمفاسد الحقيقية ، ويستتبع إقامة الحد تطهير المحدود ..

 

 

فلا يرى الإسلام مثلاً العقوبة غاية في ذاتها ، ولكنه يراها وسيلة ضمن عدة وسائل أخرى لتقويم النفس الإنسانية وكفها عن الانحراف ، ولذلك فإن الإسلام لا يتربص بالمجرم لكي يوقع عليه العقاب ، ولا ينتظر عثرة من احد ليبطش به أو ينتقم منه ، فإنه طالما نصح بالستر على المذنب لعله يتوب أو يستغفر ، دليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام

 

"اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الّله عز وجل عنها فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل ، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه الحد"

المستدرك للحاكم النيسابوري ج ٤ ص ٢٤٤

 

 

لكن تنخرم الإشكاليات داخل سياق فكري أعم من الصراع حول أصلحية التقنين البشري او العقل التشريعي في تنظيم أمور البشرية إلى إشكالية وجود العقل التشريعي نفسه بشكل مُنفصل عن الرؤى البشرية ، فهل هنالك صانع للكون ! وهل هذا الصانع أرسل الأديان أم لا! وهل للأديان صلاحية تشريعية واسعة مُعطاة من قِبل الخالق أم لا ! الخ من الأسئلة المحورية التي يجب مناقشتها ضمن سياق السلسلة ، لكن لضيق الوقت ، من الأفضل أن نتنزل [جدلاً] ونسلم بوجود هذا العقل الثالث ونعيد إلى السطح الإشكالية الأولى ، هل العقل التشريعي أفضل أم البشري في مسائل التقنين؟

 

من الواضح أن العقل التشريعي من المنظور الديني ناظر إلى الوقائع الخارجية كما هي هي دون سيطرة الظروف والعواطف والبيئة على رؤيته للأشياء بالضد من الإنسان والذي تكون رؤاه غالباً رهينة للظروف والبيئة والجينات وصلاحية عقله وحواسه إلخ ..

 

لذلك يُعتبر العقل التشريعي ، او المصطلح عليه بالعقل الثالث الخارجي في الفلسفة ، هو العقل المتعالي والذي يمتلك صلاحيات التقنين مع وجود التبرير لكل حد او مع عدمه !!

 

إن الحتمية الكنطية في هذا السياق تشير إلى أمرين سبقه إليهما المتكلمين المسلمين بالأخص في مبحث النبوة العامة ، فحتمية كانط مرتكزة على حتمية وجود المجتمعات اولاً ، وحتمية نشوء الدول والتكتلات ، بالتالي سيكون وجود القوانين المنظمة والرادعة [رغم قساوتها عند البعض] للنفس الإنسانية أمراً حتمياً إلى أبعد الحدود ، بعيداً عن أوهام المثالية التي يسوقها العقل البشري بمفرده ..

 

أما تحقق العدالة بتطبيق المبدأ القرآني [والذي يستخدمه كانط كذلك] ، العين بالعين والسن بالسن ، ما هو إلا وجه من أوجه تحقيق العدالة التي تطلبها الجماعة لكن في الدين الإسلامي يزداد هذا المبدأ متانة نتيجة اكتسابه للشرعية الخارجية ، وكما يُعبر عنه في الفلسفة [البعد السابع ، أو المحيط] وهو الذات الإلهية ..

 



الحدود (الجزء الثالث)


يتبع

 

 


إرسال تعليق

0 تعليقات